ذكرى النكبة: 16 قتيلا و112 جريحا في إطلاق نار إسرائيلي على الحدود مع سوريا ولبنان

دمشق وحزب الله يدينان.. وحماس تصف اليوم بنقطة تحول في الصراع

جنود إسرائيليون يحرسون السياج الحدودي، والمتظاهرون يحاولون عبور الحدود من سوريا إلى هضبة الجولان (أ.ف.ب)
TT

اندلع العنف على الحدود الإسرائيلية مع كل من سوريا ولبنان وقطاع غزة أمس مما أسفر عن مقتل 16 على الأقل وإصابة 112 في الوقت الذي أحيى فيه الفلسطينيون ذكرى النكبة.

وتابعت الحكومة الإسرائيلية، أمس، بقلق واضح أنباء الزحف الجماهيري لألوف اللاجئين الفلسطينيين نحو الحدود الإسرائيلية، من الأراضي السورية أو اللبنانية أو الفلسطينية، واعتبرته تطورا خطيرا، كونه يحصل لأول مرة منذ بداية الصراع الإسرائيلي العربي، وحذرت من تحويله إلى توتر كبير يقود إلى حرب شاملة. وحملت إسرائيل كلا من سوريا وحزب الله اللبناني وإيران مسؤولية تنظيم هبة اللاجئين الفلسطينيين هذه، بغية حرف أنظار الرأي العام العالمي والمحلي عن حقيقة ما يجري من قمع دام للمظاهرات الشعبية في سوريا لإسقاط النظام.

ولم يؤد إغلاق الضفة الغربية وغزة الذي فرضته إسرائيل، أمس، بالإضافة إلى الاحتياطات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، إلى منع هذه المواجهات التي اضطرت الجيش الإسرائيلي إلى رفع حالة التأهب. وأصيب في قطاع غزة نحو 60 فلسطينيا بقذائف المدفعية التي أطلقت على المتظاهرين عند معبر بيت حانون «إيريز»، بعد تظاهر الفلسطينيين قرب الشريط «الشائك» هناك، تأكيدا على حقهم في العودة. وقال أدهم أبو سلمية، الناطق باسم الخدمات الطبية، إن القصف الإسرائيلي الذي استهدف محيط مسيرة «العودة» قرب معبر بيت حانون أسفر حتى الآن عن إصابة 60، معظمهم من الأطفال. وأضاف «بعضهم أصيب بحراج خطيرة».

وكانت قوات الجيش الإسرائيلي، التي فوجئت بزخم هذا الزحف، قد واجهته بإطلاق الرصاص مع علمها اليقين بأنها مسيرات سلمية. وبدأ ذلك في التعامل مع المسيرات التي انطلقت من قطاع غزة في الصباح، ضمن نشاطات إحياء الذكرى السنوية الثالثة والستين للنكبة الفلسطينية. وقد تقدمت المسيرة باتجاه معبر بيت حانون (حاجز إيريز الإسرائيلي)، وهم يحملون شعارات تنادي الأسرة الدولية باحترام حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. فأطلق الجنود الإسرائيليون النيران وأصابوا عشرات المتظاهرين.

وفي مدينة رفح حاول عشرات المواطنين الفلسطينيين اقتحام معبر رفح الحدودي باتجاه الأراضي المصرية، إلا أن أجهزة الأمن الفلسطينية منعتهم من التقدم، واستقرت المظاهرة على بوابة المعبر الحدودي.

ووصفت حركة حماس، ما حدث في فلسطين وخارجها بأنه نقطة تحول، وقالت الحركة في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة عنه، «أحداث اليوم داخل فلسطين وعلى حدودها، والتي ارتقى خلالها عدد من الشهداء والجرحى، هي نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ودليل على أن الشعب الفلسطيني يريد إنهاء الاحتلال وتحقيق العودة وأنه لا تراجع عن هذا القرار مهما كلف ذلك من ثمن».

كما فتحت جبهة ثانية مع الحدود اللبنانية في منطقة مارون الرأس، التي شهدت معارك ضارية خلال الحرب الثانية على لبنان. وهناك حاول الألوف من اللاجئين الفلسطينيين الاقتراب من الحدود الإسرائيلية، لكن الجيش اللبناني وقف حائلا بينهم وبين الوصول إلى هدفهم، خصوصا بعد أن أطلق الجيش الإسرائيلي النيران في الهواء محذرا. وفي مرحلة ما تدهورت الأوضاع، وبدأ يسقط الجرحى والقتلى في صفوف الفلسطينيين، عندما واصل الجيش الإسرائيلي إطلاق نيرانه. وقالت مصادر أمنية وشهود إن 6 أشخاص قتلوا بعد إطلاق النار على الحدود اللبنانية الإسرائيلية حيث كان الآلاف يتظاهرون في ذكرى النكبة.

وأدان حزب الله اللبناني ما قال إنها «جريمة إسرائيلية» في مرتفعات الجولان والأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان. وقال حسن فضل نائب حزب الله في البرلمان والذي كان يشارك في فعاليات ما أطلق عليه «مسيرة العودة إلى فلسطين» في مارون الرأس على الحدود مع إسرائيل «إن حزب الله إذ يدين هذه الجريمة الإسرائيلية التي هي برسم الأمم المتحدة والهيئات الدولية.. يؤكد وقوفه إلى جانب الحراك الشعبي الفلسطيني في كل المناطق سواء في الداخل أو على الحدود».

كما دعت قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) إلى ممارسة «أقصى درجات ضبط النفس» على الحدود اللبنانية الإسرائيلية لمنع وقوع إصابات. وقال الناطق باسم اليونيفيل أندريا تننتي إن القوات الدولية كانت على اتصال مع الجيشين اللبناني والإسرائيلي. وبشكل مفاجئ فتحت الجبهة السورية، التي تعتبر أهدأ جبهة عربية مع إسرائيل منذ احتلال عام 1967. فهناك وصل نحو 400 لاجئ فلسطيني إلى الحدود ما بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة. وتمكن اللاجئون الفلسطينيون من هدم السياج الأمني واختراق الحدود وحقل الألغام التي زرعت فيه. ومع أن قوات الاحتلال أطلقت الرصاص باتجاههم وقتلت 4 منهم، فقد استطاع نحو 100 منهم مواصلة المسير ودخلوا قرية مجدل شمس، الواقعة على الحدود تماما من جهة جبل الشيخ. وقد استقبلهم أهالي الجولان السوري المحتل بالعناق والتصفيق وحموهم من رصاص الاحتلال. وفي الوقت نفسه، أدانت سوريا «الممارسات الإسرائيلية في الجولان وفلسطين وجنوب لبنان التي راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى». وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين إن «سوريا تدين الممارسات الإسرائيلية في الجولان وفلسطين وجنوب لبنان التي راح ضحيتها عدد من الشهداء، والجرحى». وأضاف المصدر أن سوريا «تطالب المجتمع الدولي بتحميل إسرائيل كامل المسؤولية عما قامت به من ممارسات».

وتوجه قادة الجيش الإسرائيلي إلى مشايخ الدروز في الهضبة طالبين تسليمهم إليهم ومهددين بإطلاق الرصاص على الجموع. وخلال المفاوضات بين المشايخ وبين القوات الإسرائيلية، رفع اللاجئون شعارات تندد بالاحتلال وتدعو لحق العودة. وفي مرحلة معينة هتف اللاجئون بتمجيد نظام الرئيس بشار الأسد، فتصدى لهم أنصار المعارضة السورية من أهل الجولان. فراح بعضهم يهتف ضد الرئيس الأسد، فتصدى لهم أنصار النظام من سكان الجولان وكادت تقع اشتباكات بين الفلسطينيين والسوريين. لكن قادة الطرفين استدركوا أنفسهم واتفقوا على إخراج الموضوع السوري الداخلي من هذه المعركة وراحوا يهتفون ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي هذه الأثناء حضر المشايخ، ليعلنوا أنهم اتفقوا مع قوات الاحتلال على أن يعود اللاجئون من حيث أتوا من دون تدخل القوات الإسرائيلية، وحضرت قوات الأمم المتحدة ونقلتهم إلى الجهة السورية من الحدود.

وحاولت الحكومة الإسرائيلية صد الاتهامات عنها في موضوع النكبة الفلسطينية. فقال الوزير بلا وزارة، بيني بيغن، إن هذه الأحداث يجب أن تفتح عيون الإسرائيليين وكل شعوب العالم على حقيقة الموقف الفلسطيني. وأضاف مفسرا: «الفلسطينيون يدعون أنهم يريدون دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967. ولذا، فقط كنت مستعدا لأفهمهم لو أنهم أحيوا ذكرى النكسة في 11 يونيو (حزيران) من كل سنة، كرمز لمطلبهم بأن تنهي إسرائيل احتلالها وتوافق على تحويل المنطقة إلى دولة فلسطينية في حدود 1967. ولكن الاحتفاء بيوم النكبة، يعني أنهم لا يكتفون بحدود 1967، بل يطالبون بحدود 1948. وهذا يعني أنهم لا يريدون الحياة لإسرائيل. وفي هذه الحالة تتغير المعادلة وتصبح معركتنا معركة وجود وفي معركة كهذه لن نسمح لأنفسنا بأن نهزم».

وخرجت منظمة «إم. ترتسوا» (إذا أردتم) اليمينية المتطرفة بحملة دعائية بعنوان «نكبة خرطة» (وتعني بالعربية – «نكبة كذبة»)، بحملة ضد نشاطات يوم النكبة تقول فيها إن الفلسطينيين يخدعون أنفسهم والعالم عندما يحيون ذكرى النكبة. ففي الواقع أنهم السبب الوحيد في حدوث النكبة. وجاء في بيان هذه الحملة أن «الفلسطينيين رفضوا قرار التقسيم وشنوا الحرب على إسرائيل وحاولوا تدميرها، وقد انتصرنا عليهم. فهل يريدوننا أن نعتذر لهم لأنهم فاشلون؟!!».

ولكن بالمقابل، هناك جهات إسرائيلية تجرأت على الخروج في نشاطات مساندة للشعب الفلسطيني ليوم النكبة. ففي ميناء تل أبيب، وقفت منظمة «زوخروت» (ذاكرات) بحملة شرح لجمهور المارة ما هي النكبة وكم من البلدات الفلسطينية قد هدمت سنة 1948 وبعضها تعرضت لمجازر حتى تم ترحيل سكانها منها. كما أقامت حركة العائلات الثكلى، العربية اليهودية، بنشاط مشترك لتعريف المواطنين اليهود على مآسي النكبة، داعين اليهود إلى التعاطف مع الفلسطينيين في هذه القضية كخطوة ضرورية لدفع عملية السلام.