انقسام في واشنطن حول طرق التعامل مع باكستان بعد مقتل بن لادن

إسلام آباد تراجع مواقفها بعد العملية الأميركية أحادية الجانب في أبوت آباد

عجوز باكستاني يجلس بجانب متجر يبيع الصحف اليومية وتذكارات أسامة بن لادن، أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد أسبوعين من مقتل أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، قالت مصادر إخبارية أميركية إن الرئيس باراك أوباما لم يستقر على ما سيفعله نحو باكستان، بعد أن كان طلب من حكومتها التحقيق في وجود بن لادن فيها لخمس سنوات تقريبا. وقالت المصادر إن أوباما لم يعلن الخطوة التالية نحو باكستان بسبب انقسام وسط مستشاريه.

على جانب آخر، قال مستشارون إنه يجب عدم التسامح مع باكستان لأن بن لادن كان يعيش بالقرب من قاعدة عسكرية باكستانية، ولأن واشنطن كانت سألت حكومة باكستان كثيرا إذا كانت تعرف أي شيء عن مكان بن لادن، وكان الرد دائما بالنفي.

ونشرت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، خطابات متبادلة بين مسؤولين أميركيين حول الصلة بين بن لادن وحكومة باكستان، وخاصة القوات المسلحة والاستخبارات. وأوضح كثير من الخطابات رأيا أميركيا بوجود هذه الصلة.

ورغم أن خطابات أميركية أوضحت أن الحكومة الأميركية لم يكن عندها دليل بوجود هذه الصلة، قالت خطابات أخرى إن الصلة تاريخية وعميقة.

وقال مسؤول في البيت الأبيض، طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو وظيفته، تعليقا على كشف هذه الخطابات: «لا يمكننا مواصلة العمل كالمعتاد. علينا أن ننقل إلى الباكستانيين أنهم وصلوا إلى نقطة خيار مهمة». وأضاف: «المسؤولون الأميركيون الذين كانوا على استعداد للاستماع إلى القصة الباكستانية لسنوات طويلة لم يعودوا مستعدين للاستماع إلى أكثر مما استمعوا».

لكن حذر المسؤول قائلا: «يجب ألا نتورط في تحرك سريع وفي قرار خاطئ». ودعا إلى انتظار الرد الباكستاني لأن «الكرة في ملعب باكستان».

وقال مراقبون في واشنطن إن هناك انقساما بين وزارتي الخارجية والدفاع حول القرار الذي يجب أن يتخذه الرئيس أوباما.

من جانبهم، يريد كثير من العسكريين مواصلة التدخل العسكري السريع للقوات الخاصة، مثل الذي أدى إلى قتل بن لادن. وإلى عدم الاكتفاء بعمليات (طائرات من دون طيار)، وأن العسكريين، بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) يملكون معلومات كثيرة عن تجمعات لـ«القاعدة» وطالبان داخل باكستان، وأيضا علاقات قوية مع عملاء باكستانيين. وبالتالي، يقدرون على استمرار عمليات القوات الخاصة، مثل قوة «سيلز» التي قتلت بن لادن.

في الجانب الآخر، تفضل الخارجية الأميركية إقناع الحكومة الباكستانية بالتعاون لما تراه مصلحة الجانبين في مواجهة «القاعدة» وطالبان.

وبالنسبة للبيت الأبيض، يبدو أن الرئيس أوباما يفضل التعاون مع حكومة باكستان والضغط عليها في الوقت نفسه. وكان أوباما قال الأسبوع الماضي: «حقيقة الأمر هي أننا تمكنا من قتل إرهابيين على الأراضي الباكستانية أكثر من أي مكان آخر. لا يمكن أن نكون فعلنا ذلك من دون التعاون مع حكومة باكستان».

وقال مراقبون في واشنطن إن الأجنحة المتصارعة في واشنطن والرئيس أوباما نفسه لا يقدرون على إعلان سياسة معينة قبل أن يحدد الباكستانيون سياسة محددة. وإذا كانوا يتمردون رسميا على الوجود الأميركي في باكستان، وخاصة الضربات الجوية للطائرات من دون طيار، مثلما تهتف مظاهرات كثيرة خرجت في باكستان خلال الأسبوع الماضي، وخاصة يوم الجمعة الماضي. أو إذا أكدت حكومة باكستان أنها ستواصل التعاون مع واشنطن في ضرب «القاعدة» وطالبان على اعتبار أنهما يشكلان أخطارا كبيرة على باكستان، قبل الولايات المتحدة.

في نفس الوقت، تكثفت حركة الاتصالات الأميركية الرفيعة المستوى مع الباكستانيين منذ مقتل بن لادن، فمثلا هناك اتصالات بين قائد الجيش الباكستاني، الجنرال أشفق كياني، ومستشار الأمن الوطني في البيت الأبيض توماس دونيلون، وأيضا بين كياني والأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة. وخلال الانتظار قبل الخطوة التالية عقد كبار المسؤولين في مجلس الأمن الوطني في البيت الأبيض اجتماعات في غرفة الطوارئ. ومن المقرر عقد اجتماعات أكثر في الأسبوع المقبل. ولم يعلن إذا ما كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ستقوم برحلة مقررة سلفا إلى باكستان في وقت لاحق هذا الشهر.

وكان السيناتور جون كيري (ديمقراطي من ولاية ماساتشوستس)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي شغل منصب وسيط لإدارة أوباما خلال التوترات السابقة في العلاقة مع باكستان، سافر إلى باكستان أواخر الأسبوع الماضي. ونقلت مصادر إخبارية أميركية أنه حمل رسالة عاجلة من البيت الأبيض، وأيضا حمل تحذيرات حول عدم استقرار «مزاج الكونغرس». وكان أعضاء في الكونغرس طلبوا تخفيض المساعدات إلى باكستان بنسبة كبيرة، وتبلغ في الوقت الحاضر أكثر من ثلاثة مليارات دولار في السنة. وفي إسلام آباد من المنتظر أن تجري الإدارات الحكومية الباكستانية مراجعة واسعة النطاق للسياسات وثيقة الصلة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بموجب قرار تمت الموافقة عليه بالإجماع وصدق عليه البرلمان الباكستاني. ولقد بدأت عملية مراجعة السياسات بعد أن طلب البرلمان الباكستاني من الحكومة مراجعة القواعد التي تحكم علاقاتها بالولايات المتحدة بعد عملية واشنطن أحادية الجانب في أبوت آباد، حيث تم اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

بيد أن الجيش الباكستاني قد أقنع قادة الحكومة والبرلمان بالسعي لإعادة النظر في علاقات باكستان بواشنطن بعد أن تعرضت القيادة العسكرية والاستخبارات الباكستانية لنقد لاذع من داخل الدولة ومن واشنطن لفشلها في تأمين الحدود الباكستانية. وقد أوكلت إلى وزارة الخارجية الباكستانية مهمة مراجعة السياسات وطلب منها التزويد ببيانات من الجيش الباكستاني والمخابرات الباكستانية ولجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان. وقد أجبرت الحكومة الباكستانية التي يرأسها رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني على تغيير موقفها مباشرة بعد أن بدأت قوات البحرية الأميركية الخاصة عمليتها في أبوت آباد. وأشار رئيس الوزراء الباكستاني إلى أن مقتل أسامة بن لادن يعتبر نصرا عظيما. وذكر مسؤول رفيع المستوى أنه يمكن أن يتجلى أول تغيير ملحوظ في سياسة إسلام آباد تجاه واشنطن في قرار البرلمان الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع والذي يدين بقوة العملية الأميركية أحادية الجانب في أبوت آباد.

ويشير إلى التغيير الثاني في السياسة حقيقة أن الجيش الباكستاني قد قطع علاقاته تماما بحلف شمال الأطلسي (الناتو) والقوات الأميركية في أفغانستان منذ عملية قوات البحرية الأميركية في أبوت آباد، والتي أودت بحياة أسامة بن لادن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن محللي السياسة الخارجية يرون أنه على الرغم من أنه من المنتظر أن تتدهور العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة في الأيام القادمة، فإن العلاقات لن تنهار بشكل تام. يقول اللواء المتقاعد محمود الدوراني الذي عمل كمستشار أمن قومي للرئيس زارداري حتى وقت قريب: «تحتاج الحكومة الباكستانية إلى دعم الولايات المتحدة في ثلاثة جوانب، فنحن نحتاج لدعم واشنطن سياسيا على الساحة الدولية، وماليا، وأيضا عسكريا، فنحن نحتاج منها أن تزود جيشنا بالمعدات العسكرية اللازمة».