شيكاغو تحتضن عمدتها الجديد.. لكنها تخشى المجهول

إيمانويل مصمم على «تغيير» ثالث أكبر مدينة أميركية.. وطموحه قد لا ينتهي إلا بالرئاسة

رام إيمانويل
TT

يستعد ريتشارد ديلي، الذي شغل منصب عمدة شيكاغو لأطول فترة زمنية، الآن لحزم أمتعته من مكتبه في «مجلس المدينة» الذي يغص بالصور الفوتوغرافية القديمة، والأشياء الصغيرة والطريفة من المدن الأخرى، بل وحتى المكتب الذي كان والده جلس عليه يوما ما حاكما لهذه المدينة.

بيد أنه بمكتب أو دون مكتب، فإن رام إيمانويل يبدو بالفعل وكأنه هو عمدة المدينة، وأعلن أن إدارة الشرطة والإدارة التعليمية سيقودهما أفراد من غير أبناء الولاية، وضغط من أجل إصدار تشريع من شأنه أن يسمح له بزيادة طول اليوم الدراسي في شيكاغو، وحذر من التخفيضات المؤلمة في الميزانية التي ستتم على الفور، والتي بلغت 75 مليون دولار خلال المائة يوم الأولى من عمله.

وأضاف إيمانويل في مقابلة أجريت معه في بهو أحد الفنادق الواقعة في طرف الشارع حيث مجلس المدينة: «لا يمكننا الاستمرار مع الحكومة، ما لم يتم إصلاحها بشكل جذري».

وبعد مرور 22 عاما وجزء كبير من نصف القرن الماضي في عهد عمدة واحد يدعى ديلي، تبدو أدنى درجات التغيير في شيكاغو وكأنها تغييرات هائلة، ولكن إيمانويل الذي سيتولى منصبه رسميا اليوم الاثنين بعد حفل في حديقة الألفية، يعد بعمل ضخم للغاية.

وفي خطة انتقالية ملزمة تم إصدارها الأسبوع الماضي في 71 صفحة، استخدم إيمانويل كلمة «التغيير» 19 مرة. يستعد كثيرون هنا - بما في ذلك أعضاء مجلس المدينة الذين اعتادوا على ديلي ونادرا ما خالفوه، بالإضافة إلى العاملين في المدينة، الذين يخشون من قيام إيمانويل بخفض الفوائد وخصخصة خدمات المدينة - لشيء نادرا ما عرفته شيكاغو التي تعد ثالث أكبر مدينة في الولايات المتحدة، ألا وهو: المجهول.

يقول جورج راميريز، رئيس اتحاد عمال مدينة شيكاغو، الذي اختار أن لا يؤيد أي مرشح في انتخابات البلدية التي نظمت في شهر فبراير (شباط) وفاز فيها إيمانويل بنسبة 55% من الأصوات: «ليس لديك كرة الكريستال لتتنبأ بما سيحدث في المستقبل».

ولكن إذا كان إيمانويل، 51 عاما، الذي سيكون أول عمدة يهودي للمدينة، يبدو عازما على تغيير شيكاغو، فمن المؤكد أن المدينة هي الأخرى تبدو عازمة على تغيير إيمانويل.

ومن المعروف أن إيمانويل يملك أسلوبا محموما وحادا ولا هوادة فيه، وقد شغل منصب أحد كبار المستشارين لاثنين من الرؤساء وعدد من أعضاء الكونغرس، ولكنه سيعمل لأول مرة كرئيس تنفيذي منتخب. وفي حين يبدو أن سياسة الآلة قد تلاشت في مدينة شيكاغو، كان من الصعب نسيان التحالفات القديمة والعصبية للجوار، وتوقع الناخبون أن يقضي عمدة المدينة كثيرا من الوقت معهم. حدث كل هذا في مدينة شيكاغو التي تواجه أزمة في الميزانية على الرغم من تناقص عدد سكانها.

وقال ديك سيمبسون، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة إلينوي في شيكاغو الذي عمل ذات يوم واحدا من الخمسين عضوا من أعضاء المجلس المحلي للمدينة: «يمثل هذا تحديا هائلا. يتعين عليه إيجاد وسيلة للتوصل إلى توافق في الآراء وتعاون بدرجة لم يصل إليها عندما كان يعمل في البيت الأبيض».

وكان إيمانويل يتبع سياسة دقيقة: هناك حاجة إلى تغييرات جذرية، ولكن في الوقت نفسه، يجب عدم تجاهل الإشارة إلى أن ديلي قد فشل أو اتخاذ خطوة خاطئة.

في الواقع، يعد كلا من الرجلين من الديمقراطيين والحلفاء السياسيين والأصدقاء الشخصيين. ومنذ فترة طويلة، جمع إيمانويل مالا لإحدى حملات ديلي. وعلى الرغم من أن ديلي لم يعلن على الملأ انحيازه لأحد الجانبين في انتخابات بلدية المدينة في الشتاء الماضي، يعتقد أنه قام على نطاق واسع بتقديم إشارة ضمنية إلى إيمانويل الذي قال إنه قد تشاور مع ديلي في الآونة الأخيرة، وأضاف: «سأكون مجنونا إذا لم أقدم له الدعوة».

إلى جانب ذلك، قد لا يكون انتقاد رئيس البلدية قرارا حكيما من الناحية السياسية. وعلى الرغم من أن الناخبين هنا يشكون من أسلوبه الدكتاتوري وتعبيراته غير المكتملة، فإن ديلي فاز في ستة انتخابات، ومن المرجح أن يفوز في انتخابات أخرى إذا قرر عدم التقاعد. ولمدة أسابيع، كان ديلي يقوم بإجراء جولات لتوديع الأحياء المجاورة وكانت هناك لافتات في المدينة مكتوب عليها: «لقد حولت شيكاغو إلى مدينة من طراز عالمي.. شكرا جزيلا ديلي».

كما أن إيمانويل مغالي في حبه للمدينة، وهو يريد أن يبدأ الآباء في شيكاغو التوقيع على «اتفاقات بين الآباء والمعلمين» في بداية كل عام دراسي، ووضع توقعات للتعلم من المنزل. إنه يريد منع المعينين في انتخابات عمدة المدينة من الالتفاف حول الزملاء في «مجلس المدينة» والتأثير عليهم عندما يتركون منصبهم. كما يريد إيمانويل تبسيط إجراءات إصدار التراخيص للشركات، وتقليل لجان مجلس المدينة، وتجميد الإنفاق ومعالجة التزامات المعاشات التقاعدية غير الممولة.

ثمة عديد من الأفكار التي قد تؤدي إلى نشوب أول خلاف بين إيمانويل ومجلس مدينة شيكاغو بكل تحالفاته المتباينة ومع واحد من أقوي أعضائه المخضرمين وهو إدوارد بيرك، الذي كان ضد ترشيح إيمانويل.

وقد أعرب بعض أعضاء المجلس المحلي - قلة منهم على استعداد للتحدث علنا بتملق عن رئيس البلدية المقبل - عن شكوكهم حول حدوث مثل هذا الخلاف. وقال ريك مونوز، وهو عضو مجلس محلي، عن الخطة الانتقالية لإيمانويل التي وصفها مونوز بأنها أشبه بمجموعة من تعهدات من يقوم بتنظيم حملة انتخابية: «لدينا ما يكفينا من وعود للإصلاح ووثائق لتقييم الموازنة والمواعيد البعيدة. عندما تكون الإدارة جادة بشأن الإصلاح، سأكون معهم».

ولكن إيمانويل صرح بأنه قد اجتمع بالفعل مع جميع أعضاء المجلس المحلي والبالغ عددهم 50 عضوا، وهي المجموعة، على وجه الخصوص، التي لن تبدو كما كانت في عهد ديلي. وتم انتخاب ثلاثة عشر عضوا جديدا من أعضاء المجلس المحلي هذا العام، ومن المتوقع الآن انتخاب بعض الذين لم يسبق لهم رئاسة أي لجنة.

وقال جو مور، وهو عضو مجلس محلي على نزاع مستمر مع ديلي منذ عدة سنوات: «لقد أجريت محادثات مع رئيس البلدية وكبار مساعديه في الشهر الماضي أكثر مما فعلت في العامين الماضيين مع رئيس البلدية الماضي. هناك فرصة للجميع للضغط على زر إعادة الضبط».

وفي الوقت نفسه، يراقب المواطنون العاديون في مدينو شيكاغو ما يحدث. وقال السكان إنهم ينتظرون ليروا إذا ما كان إيمانويل سيتحول حقا إلى قص الشرائط وافتتاح المراكز المجتمعية وبطولات كرة السلة (وهي العادة التي عشقوها في عهد ديلي).

وكان البعض يرى ديلي على أنه عمدة المدينة مدى الحياة، مما يعني أنه لا يطمع في الوظائف السياسية الأعلى، والجميع يعرف ذلك جيدا. لكن إيمانويل، الذي كان يتعين عليه بالفعل الدفاع عن علاقاته في شيكاغو في تحد انتخابي غريب كاد أن يطيح بترشيحه، يدخل إلى المجلس على عكس الافتراضات بشأنه.

وقال إيمانويل: «إنني أصب كامل تركيزي على أن أكون عمدة للمدينة. لست مهتما بأي وظيفة أخرى في الحياة العامة».

يجب أن تقتنع شيكاغو، على ما يبدو، بمن يحكمها. في داخل وخارج المجال السياسي هنا، يقول الناس إنهم يفترضون أن إيمانويل، المعروف عنه طموحه واندفاعه، سيكون على أعتاب مرحلة جديدة أكثر ولعا وخيالا. ويخمن المحللون السياسيون حتى قبل أداء اليمين: هل ستكون الانتخابات الرئاسية أو سباق المحافظين هو ما سيسعى إليه إيمانويل في نهاية المطاف؟

*خدمة «نيويورك تايمز»