ليبيا تحتج على انتهاكات الناتو وتطالب بعقد جلسة لمجلس الأمن وتجدد عرض وقف إطلاق النار

وسائل الإعلام الرسمية تروج للفريق الخويلدي الحميدي

متطوعون ليبيون يقومون بأعمال التدريب في مدينة بنغازي بإشراف ثوار عسكريين أمس (أ ف ب)
TT

في حين استمر الغياب الملحوظ للعقيد الليبي معمر القذافي الذي تزداد التكهنات بشأن إصابته في غارة نفذتها طائرات حلف شمال الأطلسي على العاصمة الليبية طرابلس الأسبوع الماضي، قالت مصادر مطلعة بوزارة الخارجية الليبية لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات الليبية باتت راغبة أكثر من أي وقت مضى في إبرام هدنة لوقف إطلاق النار.

وأوضحت المصادر التي طلبت عدم تعريفها في اتصال هاتفي من طرابلس أن عبد العاطي العبيدي، وزير الخارجية الليبي، أكد خلال اجتماعه في العاصمة الليبية أمس مع عبد الإله الخطيب، مبعوث الأمم لمتحدة الخاص إلى ليبيا، استعداد حكومة القذافي للمضي قدما في مفاوضات تؤدي إلى وقف فوري لغارات الناتو على المواقع العسكرية والمدنية.

وأشارت المصادر إلى أن حكومة القذافي تعرض وقفا للعمليات العسكرية يشمل توقف قوات القذافي العسكرية وكتائبه الأمنية عن مواجهة الثوار المناوئين له، بالتزامن مع إيقاف الناتو غاراته الجوية والصاروخية على الأهداف التابعة للقذافي.

وهذه هي المرة الثانية التي يقوم فيها الخطيب، وزير الخارجية الأردني الأسبق، بزيارة إلى ليبيا، متنقلا بين طرابلس وبنغازي معقل الثوار، في محاولة لإقناع الطرفين بالدخول في مفاوضات لوقف إطلاق النار، من دون أن تلوح في الأفق أي بادرة أمل على أن تحقيق ذلك سيتم في وقت قريب.

لكن مصادر بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي الممثل للثوار قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن تجديد القذافي عرضه بشأن وقف إطلاق النار يجب أن يشمل قيامه بسحب قواته العسكرية وكتائبه الأمنية كافة من مختلف المدن الليبية، مشيرة إلى أن القذافي الذي يعانى من هزائم عسكرية في المواجهات ضد الثوار يسعى لتعويض خسائره عبر هدنة يستغلها في تعزيز قدراته العسكرية مجددا.

وقال مسؤول عسكري من الثوار لـ«الشرق الأوسط»: هو (القذافي) خسر كثيرا خلال الأيام القليلة الماضية، هزيمته في مصراتة كانت موجعة، وقواته تم تدمير معظمها رغم قيامها بقصف المدينة بصواريخ (غراد) من وقت لآخر».

وأضاف المسؤول الذي طلب عدم تعريفه: «الآن بعدما شعر بقرب النهاية يريد أن يبدو كمن يلوح بغصن الزيتون. نحن لا نثق به، إذا كان جادا فعلا، ونحن نشك في ذلك، فعليه سحب قواته من داخل المدن والامتناع عن استهداف المدنيين العزل».

وأعرب وزير الخارجية الليبي أيضا للخطيب عن احتجاج ليبيا الشديد على الانتهاكات والتجاوزات الفظة لقوات حلف الناتو، وطلب منه أن ينعقد مجلس الأمن بشأنها، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.

من جهته، أكد الخطيب التزامه بنقل كل ما استمع إليه حول هذه التجاوزات إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

وخلال الاجتماع الذي عقد بطرابلس أمس، أطلع العبيدي الخطيب على حجم التجاوزات والانتهاكات الخطيرة التي يقترفها الناتو ضد الشعب الليبي بقصف أهداف مدنية ومناطق آهلة بالسكان في مختلف المدن الليبية، مما أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى بين المدنيين تعج بهم المستشفيات الليبية إضافة إلى محاولة اغتيال العقيد الليبي معمر القذافي بقصف بيته في أحد الأحياء السكنية بمدينة طرابلس، ومقتل نجله «سيف العرب».

واستعرض العبيدي المنحى العدواني الذي اتخذه الناتو في تنفيذ قرار مجلس الأمن بفرض حصار بحري، ومنع وصول احتياجات الشعب الليبي من الوقود، والدواء، والغذاء، إضافة إلى تجميد الأرصدة، وعدم فتح الاعتمادات، في محاولة لتجويع الشعب الليبي، مؤكدا أن «الشعب الليبي لن يخضع ولن يركع بهذا الحصار الظالم».

في غضون ذلك، أكد البغدادي المحمودي، رئيس الوزراء الليبي حرص ليبيا الشديد على وقف إطلاق النار الفوري بحيث يكون متزامنا مع وقف إطلاق النار من قبل حلف الناتو، وقبول ليبيا بمراقبين دوليين لتنفيذ وقف إطلاق النار.

جاء ذلك خلال المباحثات التي أجرها المحمودي مع الخطيب.

وتطرق المحمودي بدوره، خلال اللقاء إلى التجاوزات التي تحدث من قبل الناتو والمتمثلة «في الاغتيالات السياسية، والحصار البحري الجائر، وقصف المنشآت المدنية، وهدم البنية التحتية، وتشريد العائلات الليبية من مناطق سكناها، واستهداف المدنيين، والمناطق الرعوية، والمناطق الدينية الآمنة، وتدمير مقدرات وثروات الشعب الليب».

وتناولت المباحثات متابعة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ قراري مجلس الأمن رقمي 1970 و1973، وما قامت به ليبيا من التزامات لتنفيذ هذين القرارين.

وأكد المحمودي أن العمل سيكون على أساس أن الشعب الليبي هو الذي يقرر نظامه السياسي في حوار ديمقراطي مباشر بعيدا عن القصف والتهديد، وعلى وحدة ترابه، ووحدة شعبه، ووحدة دولته. كما أكدا على ضرورة استمرار تسهيل مهمة المنظمات الدولية لزيارة المناطق والمواقع التي تعرضت للقصف العشوائي من قوات الناتو.

وفي حين استمر غياب القذافي عن المشهد السياسي والإعلامي في ليبيا، عادت وسائل الإعلام الليبية مجددا إلى الترويج للفريق الخويلدي الحميدي، أحد أبرز المقربين من القذافي وأحد أعضاء مجلس القيادة التاريخية للثورة التي أطاحت بنظام العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي عام 1969. وأبرزت وكالة الأنباء الليبية الرسمية وقناة «الجماهيرية» الفضائية اللتان تخضعان لسيطرة القذافي، الزيارة الميدانية التي قام بها الحميدي إلى ما تصفه السلطات الليبية في «المباني المدنية» التي استهدفها قصف الناتو بمدينة طرابلس، مشيرة إلى أن الحميدي اطلع خلال هذه الزيارة على آثار هذا القصف وتعرف على حجم الدمار الذي أصاب عددا من المباني المدنية الآهلة بالسكان ومباني القطاعات العامة الأهلية بمدينة طرابلس.

ويمثل ظهور الفريق الحميدي المتكرر على هذا النحو في وسائل الإعلام الليبية الرسمية تحولا لافتا للانتباه في الدولة التي اعتاد القذافي أن يستأثر وحده فقط فيها بالأضواء، مقابل تهميش كبار المسؤولين الآخرين.

ولا يشغل الحميدي أي منصب رسمي في الدولة أو الحكومة الليبية، لكن مصادر غربية في طرابلس قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها تلقت معلومات شبه رسمية حول قيام القذافي بتجهيز الحميدي لتمثيله في أي مفاوضات محتملة لوقف إطلاق النار مع الثوار المتمردين على نظام حكمه أو دول التحالف الغربي.

وأوضحت المصادر أن الحميدي الذي تعرض للتهميش الإعلامي على مدى سنوات حكم القذافي الـ42 الماضية، ربما سيكون واجهة لنظام القذافي في المرحلة المقبلة على اعتبار أنه لم يشارك في عمليات قتل المدنيين وما زال يتمتع برصيد شعبي ملحوظ في الشارع الليبي.

بيد أن مسؤولين من الثوار قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن محاولة القذافي الاستعانة بالحميدي الذي تربطه به علاقات نسب ومصاهرة، ستبوء بالفشل لأن القذافي ليس جادا في وضع حد لإراقة الدماء في ليبيا ووقف المعارك الطاحنة هناك.

وفى محاولة لتعويض غياب القذافي إعلاميا، قالت وكالة الأنباء الليبية الرسمية إنه تلقى أمس التعازي في وفاة ابنه الأصغر سيف العرب وثلاثة من أحفاده الأسبوع قبل الماضي، من كل من جوناثان غودلك رئيس نيجيريا، وروبرت موغابي رئيس زيمبابوي، وجوزيف كابيلا رئيس الكونغو الديمقراطية، والرئيس الصومالي الانتقالي شريف أحمد، خلال استقبالهم القائم بأعمال المكتب الشعبي الليبي لدى أوغندا لدى مشاركتهم بالعاصمة كمبالا في مراسم تنصيب يوري موسيفيني رئيسا لأوغندا لفترة جديدة.

كما تلقى القذافي برقية عزاء من الحبيب بن يحيى، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، بينما لاحظت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط» أن معظم القادة والرؤساء العرب امتنعوا عن توجيه أي تعاز أو إجراء أي مكالمات هاتفية مع العقيد الليبي، الذي يعتبر آخر رئيس للقمة العربية.

في غضون ذلك، اجتمع المهندس عمران أبو كراع مسؤول الشؤون العربية بوزارة الخارجية الليبية في طرابلس مع عدد من سفراء الدول العربية المعتمدين لدى ليبيا، حيث تناول ما وصفه بـ«عدوان الناتو الأطلسي الصليبي الهمجي على ليبيا»، معتبر أن التمهيد لهذا العدوان تم بمؤامرة نفذتها عصابات إرهابية مسلحة من العملاء، على حد قوله.

وأضاف: «هذه العصابات (الثوار) تلقت دعما من بعض الأنظمة العربية، وتزامنت مع حملة إعلامية مركزة نفذتها وسائل إعلام تخدم أجندة دوائر مشبوهة روجت وتروج تقارير إعلامية مدسوسة لإثارة الفتنة وتمزيق وحدة ليبيا والمس بأمنها ونهب ثرواتها وتأليب الرأي العام العالمي والعربي».

وعبر أبو كراع عن أسفه للسكوت الرسمي العربي عن «المؤامرة التي تنفذها الدول الغربية وبعض الأنظمة العربية والعملاء بالداخل، في ضوء هذا المخطط المعد سلفا، الذي لا علاقة له بالمطالب الشرعية». مؤكدا أن «الهدف الاستراتيجي لهذا العدوان هو تقسيم ليبيا ونهب ثرواتها ومقدراتها».

وقال وفقا لبيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية الليبية وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «هؤلاء الجبناء الصليبيين جن جنونهم، ونتوقع أنهم سيمارسون مزيدا من الحماقات في قتل المدنيين وتنفيذ اغتيالات سياسية، في تجاوز سافر لقرار مجلس الأمن رقم (1973)».

ورأى أن هذا «العدوان الوحشي يتواصل على الرغم من أن ليبيا قبلت كل المبادرات، خاصة خارطة الطريق الأفريقية، ورحبت بها خلال استقبال القذافي اللجنة رفيعة المستوى التي شكلها الاتحاد الأفريقي». وقال البيان إن الاجتماع استعرض أيضا أوضاع المواطنين الليبيين الموجودين في كل من تونس ومصر وإمكانية التنسيق بين المسؤولين المعنيين في البلدين لحل مشكلاتهم وسبل إعادتهم إلى وطنهم.

إلى ذلك، وفى محاولة لتخويف الغرب من إمكانية تخلي نظام القذافي عن مكافحة الإرهاب، نقلت وكالة الأنباء الليبية عن مصادر رسمية وصفتها بالمطلعة قولها إن ليبيا تدرس جديا الانسحاب من التحالف الدولي ضد الإرهاب.

وأفادت هذه المصادر أن ليبيا تدرس جديا هذه الخطوة، بعد أن أصبح لا معنى للالتزامات والتحالفات الدولية باستهتار حلف الناتو بها، وانتهاكه المواثيق الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة. واعتبرت أن «هذا التحالف أصبح موجها لاستهداف الإسلام والمسلمين، وهو ما عززه قادة التحالف عندما أكدوا قولا إنهم يقودون حربا صليبية ضد ليبيا، وما أكدوه ويؤكدونه فعليا اليوم باستهدافهم الشيوخ والأئمة وخطباء المساجد بمدينة البريقة مؤخرا». لكن الوكالة الليبية لم تفصح عن طبيعة الخطوات تحديدا التي تعتزم ليبيا اتخاذها لفك ارتباطها الرسمي بمكافحة الإرهاب.