خبراء: أحداث الجولان محاولة من سوريا لتحييد الأنظار عن الانتفاضة

أكدوا أن دمشق لا تريد حربا مع إسرائيل وجيشها مشغول في تعقب المحتجين على نظام الأسد في المدن السورية

مسيرة شعبية للتنديد بأعمال القتل التي يتعرض لها المدنيون السوريون في محاولة لإخماد المظاهرات التي تعم المدن السورية منذ عدة أسابيع (أ ف ب)
TT

اتهم خبراء سياسيون ومحللون السلطات السورية أمس، بأنها كانت وراء المواجهات التي جرت أول من أمس على جبهة الجولان التي بقيت هادئة قرابة أربعة عقود، بهدف تحييد الأنظار عن الانتفاضة الشعبية التي تربكها.

وتوجه الآلاف يوم الأحد إلى هضبة الجولان بمناسبة ذكرى النكبة التي حلت بالفلسطينيين عام 1948 عندما هجروا من أرضهم إثر قيام دولة إسرائيل، واستطاع نحو 100 منهم الدخول إلى الجزء الخاضع للاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم. والحادث هو الأخطر على الحدود بين البلدين منذ حرب عام 1973. وقال مدير مركز الدراسات العربية والشرق المعاصر في جامعة السوربون الفرنسية برهان غليون لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «النظام استفاد منها لكي يحيد الأنظار عن مشكلة الانتفاضة السورية وهي الحدث الرئيسي منذ أشهر». وأضاف الجامعي السوري أن «الفلسطيني لا يستطيع أن يتحرك من تلقاء نفسه في سوريا، لأن أجهزة الأمن توحي وتحدد وتوجه.. والناس بيادق في يدهم». وتابع «لو أن النظام السوري في حال مختلفة لما كان سمح لهم بالدخول إلى الجولان.. وهذا ما وافق هواه». إلا أن غليون لا يعتبر أن ما حدث في الجولان سيؤدي إلى حرب أو تطورات دراماتيكية. وأوضح في هذا السياق أنه «لن تكون هناك مواجهة عسكرية بين إسرائيل وسوريا، لأن الإسرائيليين قالوا أكثر من مرة إن النظام يناسبهم أكثر، لأنهم يعرفون مع من يتعاملون». ويتقاسم بول سالم، مدير مركز كارنيغي في الشرق الأوسط، ومقره بيروت، الآراء ذاتها. وقال للوكالة الفرنسية إن «ما حدث كان يتم التحضير له منذ فترة، لأن المناطق الحدودية حساسة وعسكرية».

واعتبر الهجمات «مؤشرا على إرادة التركيز على الموضوع الإقليمي، أي الصراع العربي - الإسرائيلي، حتى لا يكون التركيز كبيرا على الشأن الداخلي في سوريا». وأضاف «قد تكون ردود الفعل عكسية وسلبية وقد تزيد الضغوط على الحكومة السورية». يقول رضوان زيادة، المنشق السوري والأستاذ الزائر بجامعة جورج واشنطن لصحيفة «نيويورك تايمز»: «إنها رسالة لإسرائيل والمجتمع الدولي، أنكم إذا ما واصلتم الضغط علينا فسنشعل الحدود معكم». تحمل هذه الرسالة مخاطر عميقة في منطقة مشتعلة. فإسرائيل معروفة بأنها تفضل نظام الأسد عن بديل آخر يمكن أن يأتي بالإسلاميين إلى السلطة، على الرغم من إنكار المسؤولين الإسرائيليين لذلك بشدة. لكن الدولة السورية، التي تعاني فقرا في التسليح والمنبوذة دوليا، غير قادرة على شن حرب وقواتها مبعثرة في المدن السورية في عملية قمعية شرسة لمواجهة الانتفاضة التي تتواصل منذ شهرين. وحتى في سوريا ذاتها، يتشكك البعض في أن الفلسطينيين يتم التلاعب بهم على الرغم من تحذير البعض بأنه حتى الرد الإسرائيلي العنيف يمكن أن يغير كل ذلك سريعا. كان المتظاهرون يهتفون الأسبوع الماضي ضد ماهر الأسد شقيق الرئيس الذي يقود نخبة الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة التي قادت العمليات العسكرية ضد المدن المضطربة، «يا ماهر يا جبان ابعت جيشك للجولان». ويقول لؤي حسين، المعارض البارز الذي التقى مستشار الرئيس الأسد الأسبوع الماضي، في ما وصفته الحكومة السورية ببدء حوار: «لم تكن فكرة الحرب مع إسرائيل جزءا من عقلية النظام لفترة طويلة. فالحكومة السورية لا تملك استراتيجية، فأداؤها السياسي مبني على الارتجال». وعلى عكس الجبهة اللبنانية، التي لا تزال منطقة توتر حيث خاضت وإسرائيل وحزب الله حربا مدمرة وغير حاسمة في صيف عام 2006، ظلت الحدود السورية في مرتفعات الجولان هادئة بشكل واضح منذ هدنة عام 1974 التي أعقبت حرب عام 1973. ولا تزال الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 لب العداء بين الدولتين على الرغم من اعتراف السوريين بأن حظوظهم ضئيلة في استعادتها إلا عبر المفاوضات. تحولت هذه الحدود الهادئة منذ أمد بعيد بالنسبة للكثيرين في العالم العربي إلى مصدر للسخرية، خاصة مع اختيار سوريا للضغط على إسرائيل عبر وكلائها في الخارج خاصة حزب الله في لبنان. فالرئيس السوري حافظ الأسد كان مثار سخرية البعض الذين وصفوه «أسد في لبنان وأرنب في الجولان». وعلى الرغم من إعادة الانتفاضة التي شهدها العالم العربي صياغة العلاقات في المنطقةن فإنها وضعت سوريا في موقف المدافع. وعلى الرغم من زعم المسؤولين السوريين بأنهم لا يزالون يملكون اليد الطولى، فإن الجيش السوري منتشر من الشمال حيث السهول إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقد تحدثت التقارير عن مقتل سبعة أفراد يوم الأحد في تلكلخ القريبة من الحدود اللبنانية آخر أهداف محاولة الجيش قمع المعارضين. كما شهدت العلاقات توترات مع تركيا، بينما طبقت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات. الجبهة على الجولان السورية، المنصة الصخرية الاستراتيجية، هي أكثر الجبهات حساسية التي تنتشر فيها نقاط التفتيش، فحتى السوريون لا بد لهم من الحصول على تصريح للدخول إلى بعض المناطق فيها. في دولة شمولية كسوريا، تراقب الحكومة دون كلل عشرة معسكرات فلسطينية وثلاثة غير رسمية. ويستشهد زيادة بقول المخبرين في دمشق من أن أربع حافلات شوهدت يوم السبت وهي تغادر معسكرين حيث توجد الفصائل الأكثر ولاء للسيطرة السورية. ويقول يوني بن مناحيم، المحلل الإسرائيلي: «على مدى أربعين عاما، حالت سوريا دون اختراق الحدود وهو ما يؤكد تورط سوريا في عمليات التسلل الأخيرة، وهو ما يظهر أيضا عدم رغبة كل من إسرائيل والولايات المتحدة في الإطاحة بالأسد - ما دام يحافظ على الحدود هادئة مع إسرائيل». وعلى الرغم من فقرها النسبي، وعدد سكان يقل كثيرا عن سكان دولة مثل مصر، حاولت سوريا لعب دور مؤثر في المنطقة عبر إبراز نفسها كدولة محورية. وعلى الرغم من تبنيها نهجا علمانيا، فإنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع حركات إسلامية مثل حماس في المناطق الفلسطينية ونفس الأمر ينطبق على الجمهورية الإسلامية في إيران، حليفها الأقرب.