كيري: واشنطن ليست مضطرة للاعتذار لباكستان عن قتل بن لادن

قال إن باكستان ضحية للتطرف وأمامها قرارات صعبة

رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف جيلاني، يرحب بالسيناتور الأميركي جون كيري في العاصمة، إسلام آباد (رويترز)
TT

قال السيناتور الأميركي، جون كيري، الاثنين، إن بلاده ليست مضطرة للاعتذار لباكستان على حملة الدهم لمقر زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وقتله، ولكن من الأهمية بمكان أن تجد الدولتان وسيلة لإصلاح العلاقات بينهما والتي تضررت بسبب ذلك الهجوم. وجاءت تصريحات كيري هذه خلال زيارة قام بها إلى إسلام آباد، والتي أوضح أنها تأتي من أجل البدء بعملية تضع باكستان والولايات المتحدة في موقع حيث لا يمكن للأحداث المعزولة، مهما كانت، أن تعرض العلاقات بينهما للخطر.

غير أن كيري قال إن على باكستان أن تختار بين أن تكون ملاذا آمنا للمتطرفين أو أن تكون دولة ديمقراطية متسامحة، وأن بلاده مستعدة لمساعدتها. وقال: «إن تحقيق التقدم في الأيام القادمة سيقاس بالأفعال وليس الأقوال». وأضاف أن قادة البلدين اتفقا على «سلسلة خطوات» من شأنها المساعدة في «إصلاح العلاقات».

غير أنه لم يكشف عن هذه الخطوات، لكنه قال إن مسؤولين رفيعي المستوى سيقومان بزيارة باكستان لتوسيع إطار العمل، وستعقبها زيارة تقوم بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.

وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي إن الأميركيين يريدون من باكستان أن تكون «حليفا حقيقيا» في الحرب على الإرهاب مع الاحتفاظ بعلاقات جيدة بين الدولتين».

ويسعى السيناتور الأميركي، جون كيري للحصول على ردود من زعماء باكستان لأسئلة متعلقة بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في محادثات هذا الأسبوع، لكنه سيسعى للتأكد من أن غضب باكستان من العملية الأميركية لا يؤثر على التعاون الأمني الحيوي بين البلدين.

وعثرت قوات أميركية خاصة على بن لادن وقتلته في بلدة أبوت آباد على بعد نحو 50 كيلومترا إلى الشمال من إسلام آباد في الثاني من مايو (أيار). وأثار العثور عليه في مجمع ذي أسوار عالية تحت سمع وبصر السلطات العسكرية تقريبا شكوكا في أن الأجهزة الأمنية الباكستانية كانت تعلم مكانه طول الوقت. وقال كيري الذي تحدث بعد أن قتل انتحاريان 80 شخصا في أكاديمية عسكرية باكستانية إن «باكستان ضحية للتطرف وأمامها قرارات صعبة».

ورحبت باكستان بقتل بن لادن باعتبارها خطوة كبيرة ضد التشدد. لكن العملية السرية الأميركية التي استهدفت رأس بن لادن لاقت إدانة باعتبارها انتهاكا لسيادة باكستان، وأحرجت الجيش وأثارت غضبه. ويقول مسؤولون عسكريون إنها سببت انهيارا في الثقة، مما ألقى بظلاله على التعاون الأمني. وربما تكون باكستان حليفا مراوغا لكنها تمثل أهمية كبيرة للمساعي الأميركية لمحاربة الأصوليين المتشددين ولجهود تحقيق الاستقرار في أفغانستان».

وفي مؤشر على الغضب الباكستاني ألغى قائد الأركان الباكستانية المشتركة، الجنرال خالد شميم وين يوم الجمعة زيارة مدتها خمسة أيام للولايات المتحدة كان مقررا أن تبدأ يوم 22 مايو الجاري. لكن مسؤولين في الحكومة المدنية الباكستانية قالوا إن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة سيستمر. وقال مسؤول رفيع في الحكومة طلب عدم نشر اسمه «هناك اختلاف في الآراء لكننا سنواصل تعاوننا مع العالم وكذلك مع الولايات المتحدة». وقال مسؤول رفيع في الحكومة طلب عدم نشر اسمه «هناك اختلاف في الآراء لكننا سنواصل تعاوننا مع العالم وكذلك مع الولايات المتحدة». وقال كيري في مؤتمر صحافي إنه أبلغ المسؤولين الباكستانيين بقلق واشنطن «البالغ» إزاء وجود أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة على أراضيهم قبل مقتله في غارة أميركية. وأضاف: «عبرت بأوضح تعبيرات ممكنة عن القلق البالغ في الولايات المتحدة إزاء وجود أسامة بن لادن في باكستان وإزاء توفير ملاذات هنا لمعادين لأفغانستان». ويعد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي أول مبعوث أميركي يزور باكستان بعد الغارة الأميركية على معقل بن لادن. وقد وصل كيري إلى باكستان في وقت متأخر الأحد، وذهب مباشرة للقاء قائد الجيش الباكستاني أشفق برويز كياني ليسلمه قائمة المطالب الأميركية، حسب مسؤول في الحكومة الباكستانية. ولم يقدم المسؤول الباكستاني الذي رفض الكشف عن اسمه أي تفاصيل إضافية بسبب ما وصفه حساسية الموضوع.

ويرى بعض المراقبين أن زيارته هذه يمكن أن تعيد تشكيل الشراكة بين البلدين التي تضررت بشكل كبير بالغارة الأميركية لقتل أسامة بن لادن، إذ يعرف كيري بأنه صديق لباكستان، لذا فإن ما تقدم به للقادة العسكريين والمدنيين الباكستانيين يمثل مفتاحا أساسيا لتقدم السياسة الأميركية إزاء باكستان. والتقى كيري أمس رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني ومن المقرر أيضا أن يلتقي برئيس الجمهورية آصف علي زرداري. وظل الأميركيون يضغطون على باكستان لاتخاذ إجراءات فاعلة ضد العديد من فصائل طالبان الأفغانية القوية التي وجدت لها مأوى على الأراضي الباكستانية. ويعتقد أن زعيم طالبان الملا عمر يختبئ في إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان وثمة مزاعم أنه إيواءه في البلاد قد تعزز بعد مقتل بن لادن.

وقد كشفت الغارة الأميركية عن أن بن لادن كان يعيش في مجمع واسع في مدينة أبوت آباد، لا يبعد كثيرا عن أهم أكاديمية عسكرية باكستانية. وينفي المسؤولون العسكريون والمدنيون الباكستانيون علمهم بوجود بن لادن ووصفوا الغارة الأميركية لقتله بأنها انتهاك لسيادة باكستان. وقال كياني للسيناتور الأميركي كيري إن لدى جنوده «مشاعر حادة» بشأن الغارة، في إشارة إلى الغضب الذي شعر به الباكستانيون لأن واشنطن لم تبلغ الجيش الباكستاني مسبقا بشأن الغارة التي قامت بها مروحيات أميركية. وأفاد مكتب الرئيس الباكستاني زرداري أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد اتصلت به الأحد لمناقشة تبعات الغارة في باكستان. وأوضح أن كلينتون قد تحدثت عن الحاجة إلى الحفاظ على روابط قوية مع باكستان، وشددت على أنه ليس ثمة أي أدلة حتى الآن على أن قادتها كانوا على علم بمكان اختباء بن لادن. وكان كيري قد عبر بوضوح أثناء زيارته لأفغانستان الأحد عن أن صبر واشنطن قد بدأ ينفد وأن العديدين في واشنطن لديهم شكوك منذ زمن طويل بأن باكستان تساعد وتؤوي طالبان الأفغانية وجماعات مسلحة أخرى. وقال كيري «الشيء المهم هو فهم أن أحداثا كبيرة قد وقعت في الأيام الماضية لها تأثير عميق على ما نسميه الحرب على الإرهاب وتأثير عميق على علاقاتنا نتيجة لذلك». ووصف كيري العلاقات الأميركية مع باكستان بأنها تمر «بمرحلة حرجة». وأضاف أن علم الحكومة الباكستانية بنشاطات التطرف المسلح أمر «مزعج جدا»، وأن على الحكومتين العمل معا لمكافحة الجماعات الإرهابية.

وأوضح كيري: «ما نحتاج إليه هو إيجاد طريق للسير قدما إذا كان ذلك ممكنا، أما إذا لم يكن ممكنا فإن ثمة مجموعة من العواقب التي يمكن أن يكون لها أثر عميق». وتعد باكستان أحد أهم حلفاء واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي، وتقدم واشنطن مساعدات سخية لباكستان تقدر بمليارات الدولارات كي تدعم موقفها في هذا السياق. وعلى خلفية الاتهامات لباكستان بإيواء مسلحي طالبان، طالب عدد من النواب في الكونغرس واشنطن بمراجعة برنامج دعمها وبقطع مساعداتها لباكستان. وفي الجانب الباكستاني أدان البرلمان الباكستاني عملية قتل بن لادن، واعتبرها انتهاكا للسيادة الباكستانية، داعيا إلى وضع حد للأعمال والتصرفات من جانب أي أحد ضمن حدود باكستان، كما لوح البرلمان بإيقاف الدعم اللوجستي لقوات الناتو في أفغانستان من باكستان إذا استمرت الهجمات الجوية التي تنفذها طائرات بدون طيار في الأراضي الباكستانية.

ومن المرجح أن تسعى الولايات المتحدة للحصول على مساعدة باكستان في تحقيق مع إمام مسجد في فلوريدا واثنين من أبنائه ألقي القبض عليهم في الولايات المتحدة يوم السبت لاتهامات بتمويل «طالبان الباكستانية». وقال مسؤولون أميركيون إن هناك ثلاثة متهمين آخرين يعيشون في باكستان. وقالت وزارة الخارجية الباكستانية إنها لم تتلق بعد طلبا بالمساعدة لكنها مستعدة لذلك. وقالت المتحدثة باسم الخارجية، تهمينا جانجوا «فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب فإن هناك تعاونا مستمرا مع الولايات المتحدة وليس هناك تعليق له». ولم يعلن عن تفاصيل زيارة كيري لكن وسائل إعلام قالت إنه سيتوجه إلى إسلام آباد لإجراء محادثات أمس.

وينظر لكيري منذ فترة على أنه صديق لباكستان، لكنه صرح للصحافيين في أفغانستان خلال مطلع الأسبوع بأن هناك أسئلة جادة تتطلب إجابات بعد قتل بن لادن. وهو يقول إن الولايات المتحدة تريد من باكستان أن تكون حليفا «حقيقيا» في محاربة المتشددين، وفي حين أنها تحتاج لتحسين جهودها فإن مقتل بن لادن أتاح فرصة حيوية للمضي قدما. وصرح كيري للصحافيين في مدينة مزار الشريف في شمال أفغانستان «نحن نريد بالطبع (باكستان) لديها الاستعداد لاحترام مصالح أفغانستان وأن تكون حليفا حقيقيا في جهودنا لمحاربة الإرهاب».