شتراوس تخوف سابقا من 3 مداخل: ثروته ويهوديته والنساء

الحزب الاشتراكي يعيد تجميع صفوفه

TT

تتناقل الأوساط السياسية والصحافية في باريس رواية مفادها أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي شجع دومينيك شتراوس كان عام 2007 على الترشح لمنصب المدير العام لصندوق النقد الدولي ووضع ثقل فرنسا في الميزان للفوز به، استدعاه قبل توجهه إلى واشنطن لتسلم منصبه ليسمعه النصيحة التالية: «حذار من موضوع النساء في الولايات المتحدة الأميركية وتنبه للعثرات».

ونصيحة ساركوزي لم تأت من لا شيء، فسمعة المدير العام لصندوق النقد الجديد كانت معروفة في الأوساط المطلعة؛ فهو ولع بالنساء.. تزوج ثلاثا منهن وطلقهن وهو يعيش مع زوجته الرابعة الصحافية السابقة آن سانكلير. وتؤكد التقارير الصحافية التي نشرت في الساعات الـ48 الماضية أنه كان يرتاد باستمرار أحد النوادي التبادلية المسمى «لا شونديل» في باريس. وذهب الوزير السابق والنائب الحالي برنار دوبريه إلى تأكيد أن الاعتداء الجنسي المفترض الذي قام به شتراوس كان، على عاملة الغرف أوفيليا، السوداء اللون، لم يكن الأول من نوعه، بل سبقته أحداث مماثلة سابقة عمدت إدارة فندق «سوفيتيل» الذي ينتمي إلى مجموعة «أكور» الفرنسية إلى «التعتيم» عليها ومنع انتشارها أو وصولها إلى أسماع الشرطة في نيويورك. وبحسب دوبريه، فإن شتراوس كان، اعتاد النزول في هذا الفندق القائم قريبا من ساحة «تايمز سكوير» الشهيرة في نيويورك. وتبلغ تكلفة الشقة التي ينزل فيها الأخير 3000 دولار في الليلة الواحدة. ووصف دوبريه وهو طبيب جراح شتراوس كان بأنه «مريض جنسيا» ونصحه بالتداوي من غرائزه الجنسية.

وأمس، نشرت صحيفة «ليراسيون» اليسارية تقريرا عن «لقاء» غير رسمي ضم مجموعة من صحافييها وشتراوس كان في 28 أبريل (نيسان) الماضي. وبحسب المقال، فإن مدير عام صندوق النقد الدولي أبدى مخاوف من احتمال أن ينصب له «فخ» نسائي للإيقاع به عن طريق دفع مبلغ نصف مليون أو مليون دولار لامرأة لاعتراض طريقه. وأبلغ شتراوس كان الصحافيين ذاك اليوم تخوفه من أن يأتي الانقضاض عليه من ثلاثة مداخل: ثروته، ويهوديته، والنساء.

تختلف البيئة الفرنسية في موضوع النساء اختلافا جذريا عما هي عليه في الولايات المتحدة البروتستانتية المتزمتة؛ فمغامرات رئيس الجمهورية الأسبق فاليري جيسكار ديستان لم تصدم أحدا ولم تثر التعجب أو التساؤلات. وخليفته في قصر الإليزيه الاشتراكي فرنسوا ميتران كانت له حياتان متوازيتان؛ واحدة رسمية مع زوجته الشرعية دانيال وابنيه، وأخرى مع عائلته السرية المؤلفة من عشيقته آن بينجو وابنتهما مازارين التي أصبحت اليوم كاتبة مرموقة. أما مغامرات جاك شيراك العديدة فليست سرا على أحد، ودرجت زوجته برناديت أن تسأل المحيطين بها كل مساء: هل تعلمون أين ذهب زوجي هذه الليلة؟ وما يصح على الرؤساء يصح على كثير من السياسيين.

ومع انفضاح أمر دومينيك شتراوس كان في نيويورك، انفك عقال الألسن في فرنسا. وها هي صحافية وكاتبة شابة اسمها تريستان بانون تعلن عبر محاميها عن عزمها على تقديم شكوى ضد مدير عام صندوق النقد الدولي لمحاولته اغتصابها في عام 2002 بمناسبة موعد أعطي لها لإجراء حديث صحافي. والغريب أن تريستان كانت صديقة حميمة لإحدى فتيات شتراوس كان، كما أن عرابتها زوجته الثانية. وسبق لتريستان أن روت الحادثة في برنامج تلفزيوني من غير أن تذكر اسم شتراوس كان على الهواء. وقالت والدتها التي أعلنت سابقا أنها تنوي خوض المنافسة الداخلية للحزب الاشتراكي للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية أنها أثنت ابنتها عن تقديم شكوى بعد تعرضها للاعتداء مباشرة حتى لا تفسد عليها حياتها. ويذهب كثيرون إلى القول إن شتراوس كان، اعتاد على أن يكون «ملحاحا» على النساء من كل المهن والأوساط؛ صحافيات أو نائبات أو عاملات فنادق وقال يوما لأحد الأشخاص الذي أبدى قلقا من ميوله الشهوانية: «نعم أحب النساء، وماذا بعد؟».

الواقع أن مغامرة نيويورك رسمت شكل الـ«ما بعد»، وهي صورة شتراوس كان، خارجا من مقر شرطة هارلم في نيويورك مكبل اليدين ومحاطا برجلي شرطة. والصورة المذلة التي ساوت بين شتراوس كان وبين أصغر مهرب مخدرات أو سارق دراجات نارية في هارلم غزت الشاشات الفرنسية والعالمية فأصابت كثيرين بالصدمة والذهول؛ إن في الحزب الاشتراكي، أو الحكومة الفرنسية، أو على مستوى المواطنين. الأول، تنادى قادته إلى اجتماع ظهر اليوم للتشاور في مستقبل مدير العالم لصندوق النقد وفي مستقبل الحزب الاشتراكي والمنافسة الانتخابية بعد أن كان شتراوس كان الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب وإلحاق الهزيمة بنيكولا ساركوزي وفق ما كانت تجمع عليه استطلاعات الرأي كافة. وسارع هارلم ديزير، الرجل الثاني في هرمية الحزب، إلى تأكيد أن الحزب الاشتراكي «لم يضعف ولم يقطع رأسه»، مضيفا أن الانتخابات الداخلية لتعيين المرشح الاشتراكي ستجرى في المواعيد المعلنة وأن ثمة كثيرا من «المؤهلين» لخوض المنافسة والإطاحة بساركوزي. وذكر منهم فرنسا هولند أمين عام الحزب السابق، ومارتين أوبري زعيمته الحالية. أما الحكومة والأكثرية فقد حرصتا على إبداء «التحفظ». إلا أن عددا من الوزراء وبينهم وزير الخارجية ووزير التعاون الدولي ووزيرة البيئة أسف لـ«الضرر» الذي يصيب صورة فرنسا في العالم.

غير أن للسياسة قوانينها التي لا ترحم. ولذا، فإن حسابات الربح والخسارة لم تغب عن المشهد الذي يبدو فيه الرئيس ساركوزي أول المستفيدين من استحالة استمرار شتراوس كان في مشاريعه الرئاسية أخرج سليما (وهو أمر مستبعد) أم مثخنا من الفضيحة الأخيرة. وكان مدير صندوق النقد الدولي يثير قلق المعسكر الرئاسي بسبب قدراته الشخصية وخبرته الوزارية والدولية وإمكانية تحقيق التوافق حول شخصه داخل الحزب الاشتراكي رغم كثرة المتنافسين.

أما داخل الحزب الاشتراكي، فإن الهم الأول هو الحد من ضرر الكارثة التي ضربت أحد أبرز ممثليه. وإذ شدد الحزب على أن فضيحة شتراوس كان فردية ولا تنال الحزب الاشتراكي ككل، جدد التأكيد على أن هدفه الاستراتيجي، وفق ما قاله الناطق باسمه بونوا هامون صباح أمس، هو توفير شروط الانتصار على ساركوزي. وعمليا، يوفر خروج شتراوس كان الفرصة لأمينة عام الحزب مارتين أوبري وهي ابنة جاك ديلور، رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي السابق، لأن «تجرب حظها»، وللمرشح المعلن فرنسوا هولند فرصة حقيقية للفوز بالترشيح فضلا عن إمكانية ظهور مرشحين آخرين.