السعودية تبدأ محاكمة «خلية ينبع» الإرهابية.. وإشارات على علاقتها بمنشقين سعوديين ببريطانيا

الادعاء العام يطالب بإيقاع عقوبة القتل على المتهمين الـ11 في أول محاكمة علنية

رجال الدفاع المدني خلال اطفاء سيارة اشتعلت فيها النيران خلال احداث ينبع («الشرق الأوسط»)
TT

في أولى جلساتها العلنية، بدأت في المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية، وهي المحكمة التي تنظر قضايا الإرهاب وأمن الدولة، وقائع محاكمة خلية إرهابية مكونة من 11 شخصا، تتهمهم بالتآمر مع منفذي الاعتداء الإرهابي الذي وقع في مدينة ينبع في الأول من مايو (أيار) 2004، وخلف عشرات القتلى والمصابين.

وهذه هي المرة الأولى في تاريخ القضاء السعودي، التي تمكن فيها وسائل الإعلام من تغطية وقائع محاكمات من تتهمهم السلطات بخدمة أهداف تنظيم القاعدة في السعودية.

ولعل اللافت في الأمر، أن الخلية التي تتهمها السعودية بدعم منفذي الاعتداء الإرهابي الذي وقع في مدينة ينبع، لم يثبت لها صلة مباشرة بـ«القاعدة»، في وقت أشارت فيه اعترافات أفرادها، طبقا لما ورد في لائحة الادعاء، إلى وجود إشارات لارتباط «العقل المدبر» لاعتداء ينبع، بمنشقين سعوديين يقيمان في العاصمة البريطانية لندن، هما سعد الفقيه ومحمد المسعري.

وسمح قاضي المحكمة الجزائية المتخصصة لوسائل إعلام سعودية، من بينها «الشرق الأوسط»، بحضور وقائع محاكمة 11 شخصا تتهمهم السعودية بدعم منفذي الاعتداء الإرهابي الذي شهدته مدينة ينبع، وأدى إلى استشهاد رجل أمن، ومقتل خمسة من الأجانب العاملين في شركة «ينبت»، بالإضافة إلى إصابة 25 شخصا من المواطنين والمقيمين ومقتل منفذي الاعتداء الإرهابي وعددهم 4.

وحضر المتهمون الـ11 إلى مقر المحكمة الجزائية المتخصصة قبل بدء الجلسة التي افتتحها القاضي في العاشرة وعشر دقائق صباحا، بنحو 30 دقيقة. وجلس 6 من المتهمين في الصف الأول للمقاعد المواجهة لهيئة المحكمة المكونة من 3 قضاة، بينما جلس المتهمون الـ5 الآخرون في الصف الثاني.

وكان ملاحظا أن المتهمين الـ11 يتمتعون بصحة جيدة، ما عدا اثنين منهم كان يبدو عليهما دلالات إصابتهما بـ«الرشح»، وقد كان جميع المتهمين يرتدون ثيابا بيضاء اللون، ويعتمرون الشماغ.

وطالب ممثل هيئة التحقيق والادعاء العام، الذي كان يجلس إلى يسار منصة القضاة، بإيقاع عقوبة القتل حدا أو تعزيرا على المتهمين الـ11، وذلك في نهاية تلاوته للائحة الادعاء التي استغرقت قراءتها نحو 90 دقيقة.

ويتمحور الاتهام الرئيسي الموجه للمتهمين حول «تشكيل خلية إرهابية للتخطيط لتنفيذ جرائم إرهابية تخدم أهداف تنظيم القاعدة داخل السعودية» و«الاشتراك في التخطيط والتجهيز والمساندة في تنفيذ جريمة الاعتداء الإرهابي على الآمنين في شركة (ينبت) بمحافظة ينبع، وترويع المواطنين والمقيمين في المحافظة بإطلاق نار بشكل مكثف من أسلحة رشاشة على رجال الأمن والمارة في الطرق العامة، واستيلائهم على سيارات المارة تحت تهديد السلاح، واستخدامها في مواصلة إطلاق النار واستهداف عدد من المواقع الأخرى التي يرتادها المستهدفون بجرائمهم».

وذكر الادعاء العام في قضية ينبع الإرهابية بـ«الإرهاب المسلح» الذي شهدته السعودية، وخلف 145 قتيلا و674 مصابا، مؤكدا أن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة كان المحرك الأساسي للعمليات الإرهابية في السعودية، مشيرا إلى أن غالبية الخلايا السرية لـ«القاعدة» كانت تنتشر في الرياض ومكة المكرمة، وذلك لكثرة العائدين من أفغانستان في هاتين المدينتين.

وتضمنت لائحة الدعوى العامة توجيه الاتهام لـ11 شخصا بالتآمر مع منفذي الاعتداء الإرهابي الذي وقع بمحافظة ينبع؛ 7 منهم من عائلة واحدة (أشقاء وأبناء أشقاء)، بالإضافة إلى 4 آخرين.

وامتنع غالبية المتهمين من الترافع الشفهي، والرد على الاتهامات التي وجهها لهم الادعاء العام، ما عدا متهما واحدا طلب الرد الفوري وأنكر الاتهامات الموجهة إليه. ووفقا لما ورد في اعترافات المتهمين المصدقة شرعا، بأنهم قاموا بهذه العمليات «انتقاما لأهل الفلوجة في العراق من الأميركيين والكفار»، على حد تعبيرهم.

يشار إلى أن جميع المتهمين في قضية «خلية ينبع» سعوديو الجنسية، منهم 5 جامعيون، و5 يحملون مؤهلا تعليميا ثانويا، وواحد من خريجي الكلية التقنية.

وحملت لائحة الادعاء العام في قضية «خلية ينبع»، الكثير من التهم التي تم توجيهها للمتهمين، ولعل أكبر عدد من التهم تم توجيهه للمتهم الأول في هذه الخلية، بواقع 14 تهمة، تتضمن التنسيق والتخطيط لعملية ينبع، وتوفير وتصنيع المواد المتفجرة، وخيانته لأمانة العمل باختلاسه مواد كيميائية من المختبر الذي يعمل فيه.

وبالإضافة إلى عقوبة القتل حدا، التي طالب بها الادعاء العام بحق المتهمين، شدد الادعاء على ضرورة تطبيق عقوبات جرائم غسل الأموال وحيازة الأسلحة والإضرار بالأمن على بعض المتهمين في هذه الخلية الإرهابية.

ولعل من التهم التي يشترك فيها الـ11 متهما، حالة التمرد داخل السجن، وإتلاف محتوياته، والتلفظ على حراسات السجن، وصولا إلى تكفيرهم، وتحطيم النوافذ، ومخالفة التعليمات داخل السجن.

ورأى الادعاء العام أن ما أقدم عليه المتهمون في خلية ينبع الإرهابية، هو «أشد أنواع الفساد»، مطالبا بإيقاع عقوبة القتل حدا عليهم.

10 من المتهمين طلبوا الرد كتابيا على لائحة التهم التي وجهها إليهم الادعاء العام، إلا متهما واحدا، وهو إمام مسجد سابق وعمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث أنكر صلته بـ«خلية ينبع»، وقال إن اتصاله بـ«العقل المدبر» لها ومعلوم بأنه مصطفى الأنصاري، جاء لكون الأخير زميلا سابقا له، وكانا يسكنان في حي واحد، نافيا علمه بأنه «مطلوب للجهات الأمنية».

ورد على تهمة القتال في العراق دون إذن ولي الأمر، بقوله إنه في ذلك الوقت كان بعض أهل العلم يقول إن الدولة تتمنى هزيمة الأميركيين في العراق، لكنها من ناحية سياسية لا يمكنها أن تصرح بالإذن بالذهاب، ولهذا علم ضمنا، كما يقول، أن ولي الأمر يأذن بذلك.

وعن الشرائح الإلكترونية التي تحتوي على مواضيع عن «القاعدة»، أشار هذا المتهم إلى أنه مهتم بالأمر من منطلق كونه إمام مسجد، إذ يقول إنه كان يتابع الواقع سواء كان في العراق أو غيره من البلدان.

لكن الادعاء العام رد على ردود المتهم، بتأكيده أنه كان يعمد إلى فتح المواقع المحجوبة التابعة لـ«القاعدة» لمتابعة أنشطة التنظيم. وفي شأن علاقته بـ«العقل المدبر» لعملية ينبع، قال الادعاء العام إن اعترافات المتهم المصدقة شرعا توضح علمه بأن مصطفى الأنصاري مطلوب لدى الجهات الأمنية، وأن ردوده التي أبداها أمام الهيئة القضائية، أمس، تخالف الاعترافات المصدقة شرعا.

يشار إلى أن العقل المدبر لعملية ينبع، ويدعى مصطفى الأنصاري، قتل أثناء مشاركته في تنفيذ العملية الإرهابية، ولقد خرج للمشاركة في الجهاد بأفغانستان منذ 1992، ومكث فيها سنة ثم عاد إلى السعودية، وتوجه إلى بريطانيا ثم إلى الصومال وتزوج بها، ومكث بها 6 أشهر، وعاد إلى السعودية في عام 1998 بجواز سفر صومالي مزور ومكث فيها شهرا، قبل أن يسافر إلى اليمن حيث تزوج فيها ومكث نحو 4 سنوات، قبل أن يعود إلى السعودية متسللا على الأقدام عبر الحدود، كما أن له صلات بكل من سعد الفقيه ومحمد المسعري. ورفع قاضي المحكمة الجزائية المتخصصة، الجلسة الخاصة بالنظر في «خلية ينبع»، وحدد تاريخ 12 يونيو (حزيران) المقبل، موعدا للاستماع إلى دفاع المتهمين حول التهم التي وجهها الادعاء لهم.