السلطات المصرية تخلي سبيل سوزان مبارك بعد تنازلها عن 24 مليون جنيه

غضب في أوساط الشباب.. ودعوات لـ«ثورة مصرية ثانية» يوم 27 مايو

سوزان مبارك
TT

بينما مثل صدمة داخل أوساط شباب الثورة المصرية، قرر جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل، أمس، الثلاثاء، إخلاء سبيل سوزان ثابت، قرينة الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، وإلغاء قرار سابق بحبسها احتياطيا لمدة 15 يوما، بعد أن تنازلت عن كافة أموالها وحساباتها المصرفية لصالح الدولة، وأثبتت عدم ملكيتها إحدى الفيلات، كما ورد في تحريات الجهات الرقابية. وتزامن القرار مع تسريبات نشرتها صحف مصرية عن خطاب متوقع للرئيس السابق، حسني مبارك، وقالت إنه سيحمل اعتذارا عن الإساءة لأبناء الوطن. وتوقعت أن يقدم مبارك تنازلا مماثلا عن أمواله وحساباته المصرفية.

وقال المستشار عاصم الجوهري، رئيس جهاز الكسب غير المشروع، في بيان له إن «إخلاء سبيل حرم الرئيس السابق لا يعد إجراء استثنائيا، ولا يحمل أي ميزة لها، وإنه جاء في ضوء انتفاء مبررات حبسها احتياطيا، كما أنه يعد إجراء طبيعيا يطبق على جميع من يمثلون أمام الجهاز في تحقيقات يجريها، احتراما للقانون وإعلاء لقامته».

وأضاف أن جهاز الكسب غير المشروع وهو يمارس سلطاته واختصاصاته، فإنه يتحرى الحقيقة وحدها ملتزما بتحقيق العدالة وسيادة القانون، مشددا على أنه لا أحد فوق القانون مهما كانت سلطاته ونفوذه، وأن الكلمة العليا للقانون وحده.

وأشار الجوهري إلى أن القرار جاء بعدما قامت سوزان ثابت بالموافقة على الكشف عن سرية جميع حساباتها المصرفية في الداخل والخارج، وتنازلها عن جميع أرصدتها الثابتة في حساباتها سواء كانت جارية أو ودائع أو توفير أو غير ذلك، لصالح الدولة ممثلة في وزارة المالية، التي تقدر بنحو 24 مليون جنيه.

وذكر أن الفيلا التي كان يعتقد أنها مملوكة لسوزان مبارك، تبين أنها خاضعة لملكية إحدى الجهات السيادية في الدولة، وهو الأمر الذي تصبح معه ذمتها المالية غير مشغولة بكسب غير مشروع، وذلك لحين ورود تحريات أخرى أو أي معلومات عن عقارات أو حسابات لها في الداخل أو الخارج.

وقال إن رئيس هيئة الفحص والتحقيق، المستشار خالد سليم، الذي باشر التحقيق مع قرينة الرئيس السابق، يوم الجمعة الماضي، قد واجهها بما أسفرت عنه تحريات الأجهزة الرقابية من امتلاكها لفيلا وأرصدة وحسابات في البنوك، وهي الاتهامات التي نفتها سوزان، وأن الأرصدة التي في الحسابات غير مملوكة لها، مشيرة إلى أنها تبرعات من الداخل والخارج، صدرت لها بشيكات بنكية باعتبارها حرم رئيس الجمهورية، وذلك لإنفاقها على أوجه النشاط الخيري والاجتماعي.

وأشار إلى أن سوزان مبارك أقرت خلال جلسة التحقيق معها بتنازلها عن تلك الأموال لصالح الخزانة العامة للدولة، غير أنها لم تقدم للمستشار المحقق دليلا يؤكد صحة كلامها خلال التحقيق معها، حيث قدمته بالأمس عبر محاميها.

وتناقلت وسائل إعلام مصرية، أمس، أخبارا تتعلق باستعداد الرئيس السابق، حسني مبارك، للتنازل عن ممتلكاته مقابل إعفائه من المحاكمة. وقالت صحيفة «الشروق» اليومية الخاصة، نقلا عن مصادر عربية ومصرية لم تسمها، إن خطابا متوقعا لمبارك يجري إعداده حاليا قد يبث صوتيا عبر قنوات مصرية وعربية يقدم فيه مبارك اعتذارا باسمه ونيابة عن أسرته «عما يكون قد بدر منه من إساءة لأبناء الوطن بسبب سوء تصرف ناجم عن نصيحة بعض المستشارين أو معلومات خاطئة»، مشيرة إلى أن الهدف من الخطاب هو التقدم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بطلب لكي «ينظر في العفو» عن الرئيس السابق وقرينته.

ومثل قرار جهاز الكسب غير المشروع صدمة وسط أوساط شباب «ثورة 25 يناير»، وقال مراقبون إن القرار من شأنه أن «يؤجج غضب شباب الثورة بأكثر مما هو حاصل بالفعل».

وكانت دعوات لمظاهرات مليونية في ما أطلقوا عليه «الثورة المصرية الثانية»، يوم 27 مايو (أيار) الحالي، قد سبقت قرار إخلاء سبيل سوزان مبارك، حيث وجه عدد من الناشطين المصريين دعوات إلكترونية على مواقع «فيس بوك» و«تويتر» تدعو إلى المشاركة في ما أطلقوا عليه «الثورة المصرية الثانية»، يوم 27 مايو (أيار) الحالي، تحت شعار «أنا مش حاسس بالتغيير ونازل تاني ميدان التحرير»، للمطالبة بتولي مجلس رئاسي مدني إدارة البلاد بدلا من المجلس العسكري الحاكم حاليا، وسط انقسام القوى السياسية حول الموقف من الدعوة.

وبرر الشباب الداعون إلى المشاركة في الثورة الثانية، ومن ضمنهم حركة «شباب 6 أبريل» موقفهم بقولهم إن المجلس العسكري تجاهل تطلعات الشعب المصري ولم يحقق المطالب الرئيسية لـ«ثورة 25 يناير» حتى الآن.

واستنكرت قوى سياسية، من بينها جماعة الإخوان المسلمين التي تحظى بوجود قوى في الشارع المصري، هذه الدعوات واعتبرتها «دعوة للانقسام في صفوف الوفاق الوطني، وخروجا عن الشرعية التي ارتضتها الجماهير»، بينما أجل «ائتلاف شباب ثورة 25 يناير» الذي تشكل إبان الثورة المصرية، قراره النهائي بشأن المشاركة من عدمه، لحين إجراء مشاورات كافية حول جدوى القيام بذلك.

ودشن نشطاء سياسيون صفحة على موقع «فيس بوك» تحت عنوان «ثورة الغضب المصرية الثانية»، انضم إليها حتى الآن قرابة 15 ألف شخص، وقال القائمون على الدعوة: «بعد ما حدث يوم 8 أبريل (نيسان)، وبعد تجاهل المجلس العسكري لمطالب الشعب وتجاهله لدماء الشهداء الطاهرة، وزيادة عدد الاعتقالات والمحاكمات العسكرية للمدنيين، وخطف الناشطين السياسيين من الشوارع.. يجب أن تقوم ثورة أخرى من أجل إنقاذ ثورتنا».

وعدد النشطاء مطالبهم في تولي مجلس رئاسي مدني تنفيذ أهداف الثورة كاملة مع جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يكفل ضمان الحريات طبقا لميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتطهير الشرطة من قيادات الفساد وإعادة الأمن والأمان، بالإضافة إلى تطهير القضاء، والمجالس المحلية، وانتخاب المحافظين، وتطهير الإعلام الرسمي، وطالبوا بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ومحاكمة المتهمين في قضايا الفساد وعلى رأسهم الرئيس السابق مبارك، والعمل على استرجاع كل أموال الشعب.

وقال أحمد فهمي، أحد شباب «حركة 6 أبريل»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحركة «أطلقت اسم (ثورة مصرية ثانية) على المظاهرة القادمة لأنه سيعطيها زخما أكبير، وسيصحح خطأ من يعتقدون أن ثورة (25 يناير) حققت مطالبها، وأنها انتهت، فنحن منذ الثورة الأولى نخرج في مظاهرات مليونية، لكن يقابلها تباطؤ شديد من المجلس العسكري في تحقيق مطالبنا، ولذلك فإن أهم مطالب الثورة هو تنحي المجلس العسكري وتسليمه سلطة البلاد لمجلس مدني».

وأوضحت مريم محمد، من النشطاء على الإنترنت، أن «الثورة الثانية لتصحيح مسار البلد وتنفيذ كل مطالب الثورة»، واستطردت: «لسنا دعاة فوضى.. لسنا دعاة همجية.. لا ندعو إلى الخصام مع المجلس العسكري، لكن ندعو إلى الاستقرار على أرض صلبة، ما زلنا نحترم الجيش المصري».

لكن هذه الدعوات قوبلت ببعض الاستنفار لدى عدد كبير من الشباب المصري والقوى السياسية، وظهرت في المقابل لها صفحات إلكترونية كثيرة تحذر الشباب من القيام بثورة جديدة، مؤكدين أن مصر لا تحتمل أي ثورة في الوقت الحالي. ومنها «مش هننزل التحرير يوم 27 مايو»، واعتبر الكثير من الشباب أن هذه الدعوات «كلام غير منطقي وفعل أحمق». كما طالبوا بإعطاء المجلس العسكري فرصة لإعادة ترتيب أوضاع البلاد.

وقال الدكتور محمد البلتاجي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة ترفض هذه الدعوات ولن تشارك فيها، معتبرا أنها «دعوات لبرامج خاصة غير شرعية ولا جماهيرية وتعمق الانقسام في صفوف الجماعة الوطنية»، وقال هي «ديكتاتورية الصوت العالي».

وأشار البلتاجي إلى أن «هناك اجتهادات شخصية وأفكارا سياسية مختلفة لكل فصيل سياسي، ولا يعني ذلك أن يخرج كل فصيل ليقوم بثورة ليفرض رأيه على الجميع، بل نجلس ونتحاور بشأنها ما دامت ليست قضايا محل توافق وطني»، مؤكدا ضرورة احترام القواعد الديمقراطية، ومنها الاستفتاء الشعبي الذي جرى في مارس (آذار) الماضي، وأقر فيه الشعب القيام بانتخابات برلمانية ورئاسية في توقيتات معينة مع تشكيل لجنة لإعداد الدستور الجديد، وبالتالي لا يجب السير سوى على هذه الخطى، معتبرا أن هذه الدعوات تصب في صالح ما سماه «القوى المضادة للثورة».

من جانبه رفض الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، التعليق على قرار جهاز الكسب غير المشروع بإخلاء سبيل سوزان مبارك قائلا: «إن الإخوان لا يتدخلون في عمل القضاء».

ومن جانبها رفضت اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة المصرية اتخاذ أي قرار للعفو عن الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، وحذرت في بيان لها من أي خطوة في هذا الاتجاه. وقال الدكتور محمد طمان، عضو لجنة الإعلام في مجلس أمناء الثورة، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «إن اللجنة التنسيقية ترفض أي مقترحات بشأن العفو عن الرئيس السابق، حسني مبارك، وزوجته أبنائه وأي من رموز نظامه السابق»، لافتا إلى أن «تنسيقية الثورة» ترفض كذلك قرار إخلاء سبيل سوزان مبارك، معتبرة أن ذلك يعد خطوة أولى للإفراج عن الرئيس مبارك وباقي المحبوسين في سجن طرة، خصوصا جمال وعلاء، نجلي الرئيس السابق.

وقال أحمد عراقي، عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة في الإسكندرية ومسؤول اللجنة القانونية بها، إنه لا يعقل الإفراج عن سوزان مبارك مقابل تنازلها عن أملاكها، مشيرا إلى أن هذا القرار باطل من الناحية القانونية، وذلك لأن سوزان على أرض الواقع لم تقم أصلا بالإفصاح عن كامل أملاكها الحقيقية، وما أقرت به هو محض ادعاء غير ثابت، لافتا إلى أن «القانون يوجب على القضاء مصادرة هذه الأملاك فعلا دون الحاجة إلى التنازل عنها من قبل المتهم».

إلى ذلك، أصدرت محكمة جنايات القاهرة في التجمع الخامس حكما قضائيا أيدت فيه قرار جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل المصرية بتجميد الأرصدة المصرفية لورثة وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى الراحل، كمال الشاذلي، والتحفظ على كافة أموالهم وممتلكاتهم (السائلة - المنقولة - العقارية) في ضوء ما تبين للجهاز من أن تلك الأموال التي انتقلت إليهم من مورثهم جاءت جراء كسب غير مشروع.

كما أرجأت المحكمة البت في قرار الجهاز بمنع وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، وعائلته من التصرف في حساباتهم وأرصدتهم البنكية وعقاراتهم وكافة أموالهم المنقولة، إلى جلسة الغد، الخميس، بناء على طلب محاميهم، الذي قال إنه لم يستن له حتى الآن الاطلاع على قرار المنع الصادر وتفصيلاته لإبداء دفاع بشأنه.

وعلى صعيد ذي صلة، قرر مستشار التحقيق المنتدب من وزير العدل في شأن وقائع الاعتداءات التي جرت ضد المتظاهرين في ميدان التحرير يوم 2 فبراير (شباط) الماضي، المعروفة إعلاميا بـ«موقعة الجمل»، حبس البرلماني السابق رجب هلال حميدة بصفة احتياطية لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات الجارية معه، في قضية اتهامه بالتحريض والمشاركة في تدبير الاعتداءات بحق المتظاهرين السلميين إبان الثورة المصرية.