مارثون الدعاية الانتخابية ينطلق مبكرا بين إسلاميين مصريين وأحزاب سياسية

يجمعها هدف الفوز بمقعد في برلمان ما بعد الثورة

TT

مبكرا بدأ مارثون الدعاية للانتخابات البرلمانية المصرية المزمع إجراؤها في شهر سبتمبر (أيلول) القادم، ورغم اختلاف مشارب المرشحين وتباين توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية، فإن هدف الفوز بمقعد في أول برلمان بعد الثورة يشكل قاسما مشتركا بينهم، وبحسب الانتماءات السياسية تتنوع طرق الوصول إلى هذا الهدف بين مرشح وآخر، فهذا يدعي أنه ابن الدائرة وتلك بنت المنطقة.. كما يحاول البعض دغدغة مشاعر الناخبين باللعب على قضايا تطبيق الشريعة.. والبعض رفع شعار «الإسلام هو الحل»، معلنا عن انتمائه صراحة دون مواربة بعد انهيار النظام السابق، رافعا سيفه ومصحفه في آنٍ معا، في حين انحاز آخرون إلى شعار العدالة الاجتماعية، أما من تبقى من أعضاء الحزب الوطني السابق، فمنهم من قرر الترشح كمستقل على استحياء في أعقاب حل الحزب. ووسط ذلك، هناك مجموعات ستخوض السباق لأول مرة في تاريخها، منها جماعة أنصار السنة المحمدية التي تحظى بحضور لافت على الساحة، حيث أعلن عدد من مشايخها عن نيتهم لخوض الانتخابات، كما أعلن الشيخ «محمد حسان» أبرز قياداتها عن نية الجماعة في إنشاء حزب جديد والمنافسة على عدد من دوائر البرلمان. وفي اتجاه موازٍ بدأت الحركات السياسية النشطة على الأرض تفعيل دورها في الانتخابات بإصدار المنشورات التي تعمل على توعية المواطنين، ففي محافظة الدقهلية (شمال مصر) على سبيل المثال أصدرت حركة 6 أبريل بيانات تتحدث فيها عن انتخابات المجالس التشريعية المقبلة وتعريف الناخبين بعمل عضو مجلس الشعب ودوره، وأسس اختيار المرشح الذي يمثل كل دائرة. يحدث هذا في ظل مشهد سياسي معقد، وحيرة تنتاب الناخب المصري، الذي حررت الثورة المصرية خياراته، وبدأ للمرة الأولى يمارس الديمقراطية التي حرم منها منذ عدة عقود. كما يؤشر هذا المشهد إلى فرضية مهمة، هي أن ملامح الخريطة السياسية في مصر ما بعد الثورة لا يمكن التكهن بها في ضوء صعوبة توقع نتائج الانتخابات المقبلة.

فكما يقول عادل سعد، باحث في الشؤون السياسية، فإن المنافسة ربما تنحصر بشكل كبير بين التيارات السلفية والإخوان، لأن هذه الجماعات هي التي تحظى بوجود كبير على الساحة من خلال الجمعيات الخيرية والمستشفيات وكفالة الأيتام، أما الأحزاب الأخرى فيرى أنها لن تتمكن من تحقيق نجاح مجدٍ، لأنها لا تعدو أن تكون سوى أحزاب كرتونية يرى المواطن في الشارع أنها ارتمت في أحضان النظام السابق، ولم تشكل سوى معارضة صورية. لكن هناك من يخالفون هذا الرأي، ويرون أن العصبيات ورأس المال ربما يلعبان دورا كبيرا في الانتخابات القادمة، فوجيه أبو الفتوح، الذي خاض الانتخابات البرلمانية في دورتين سابقتين، يرى أن الكثير من الدوائر الانتخابية في محافظات الوجه البحري والصعيد على الأقل ستشهد وجود العصبيات والاتفاقات بين العائلات، مشيرا إلى أنه رغم حملات التوعية التي تقوم بها الكثير من الأحزاب والحركات السياسية، فإن ذلك لم يمنع الكثير من أنصار الحزب الوطني السابق من خوض غمار المنافسة البرلمانية، خصوصا مرشحي الحزب الذين دخلوا المجلس للمرة الأولى في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويرون أنهم لم يتمكنوا من تقديم خدمات لأبناء دوائرهم، بعد حل البرلمان في أعقاب ثورة 25 يناير. لقد بدأ هؤلاء مبكرا في تدشين حملات انتخابهم للمجلس المقبل، بل إن البعض منهم عزز ملصقاته القديمة التي لا تزال باقية بأخرى جديدة، كنوع من التحديث.

من بين هؤلاء المهندس حسن سنجاب الذي فاز في انتخابات مجلس الشعب السابقة، لكنه لم يهنأ بفوزه أكثر من شهرين.. ولدى سؤاله عما إذا كان يخشى من أن يحسب على الحزب الوطني المنحل قال سنجاب: «أنا لم أسعَ للدخول إلى الحزب الوطني في الدورة الماضية، بل هو الذي سعى إلى ضمي، لأنني أكثر شعبية داخل الدائرة».

وعلى عكس وجيه أبو الفتوح يرى سنجاب أن الانتخابات القادمة لن تكون مبنية على العصبيات والتحالفات السياسية، لأن الناخب سيبحث في الانتخابات القادمة عمن يرى فيه المرشح الأمثل عبر برنامج انتخابي متكامل. كما يعتقد سنجاب أن انتخابات مجلس الشعب والشورى القادمة سيكون من الصعب التكهن بنتائجها، خصوصا في ظل العدد الكبير من الناخبين الذين ينوون المشاركة فيها على مستوى دائرته، والذين بدأ البعض منهم فعلا بنشر ملصقاته وتعريف الناس به.

أما جماعة الإخوان المسلمين التي تعد أبرز الحركات السياسية المصرية تنظيما على الساحة فلا تزال الصورة ضبابية بشأن عدد المقاعد التي ستنافس عليها، فبعد نجاح الثورة وبدء الحديث عن الانتخابات التشريعية أكد الإخوان أنهم لا يطمحون سوى للحصول على خمسة وعشرين وربما خمسة وثلاثين في المائة من مقاعد المجلس، غير أن تصريحات أخيرة للإخوان تحدثت عن رغبتهم في المنافسة على خمسين في المائة من المقاعد، وقد فسر أحد أعضاء الجماعة، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن الترشح على نصف مقاعد المجلس لا يعني الرغبة في الفوز بنصف المقاعد، بل الوصول إلى العدد الذي حددته الجماعة بربع أعضاء المجلس.

وفي تصريحات صحافية أكد عبد المنعم أبو الفتوح القيادي البارز بالجماعة والذي أعلن عن عزمه الترشح للرئاسة بمعزل عن الإخوان أن انخفاض أسهم الجماعة في الآونة الأخيرة هو ما رفع نسبة المقاعد التي تنوي الجماعة الترشح من أجلها.

تصريحات أبو الفتوح لها ما يبررها، فانتخابات اتحاد الطلاب على مستوى الجامعات التي كان يتوقع أن تسفر عن نجاح كاسح لجماعة الإخوان لم تسفر سوى عن نجاح محدود لمرشحي الجماعة، وهو ما اعتبر مؤشرا على انخفاض شعبية الجماعة بين المواطنين، وأن الناخبين كانوا يرون في الإخوان البديل الوحيد المتاح، لأنهم الأكثر تنظيما ووجودا في الشارع إبان النظام السابق.

ويعتقد كثيرون أن الأحداث الأخيرة في مصر والتي تجسدت في المسيرات التي نظمتها الجماعات السلفية للإفراج عمن وصفتهم بالمحتجزات داخل الكنائس ستؤثر على صورة الجماعات الإسلامية في الشارع، خصوصا أنها كادت تشعل فتيل حرب طائفية بين المسلمين والمسيحيين في لحظة حساسة ومفصلية من عمر الوطن والثورة. ويرى بعض المحللين أن التوصيات التي خرجت بها لجنة الحوار الوطني بأن تكون الانتخابات عن طريق الانتخاب بالقائمة النسبية ستؤثر بشكل قوي في نتائج الانتخابات، فبحسب أحمد رمزي الباحث في الشؤون السياسية بمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية فإن القائمة ستلغي سيطرة أي فصيل على الانتخابات القادمة مهما كثر عدد أتباعه في الشارع، واستشهد على ذلك برفض هذا المقترح من قبل الحزب الوطني والإخوان المسلمين قبل ثورة 25 يناير.

وقد تعدد التفسيرات والرؤى بشأن نتائج الانتخابات البرلمانية، فيرى كثيرون أنه يحمل بين طياته صورة ملتبسة للخريطة السياسية القادمة في مصر، بينما يرى آخرون أن الصورة قد تتضح معالمها بشكل أكثر بعد صدور قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي سيصدره المجلس العسكري عما قريب، إلا أن الحقيقة الوحيدة الماثلة أمامنا هي أنه حتى بعد صدور هذا القانون فإن الانتخابات ما بعد المقبلة هي التي ستحدد بشكل كبير الصورة الحقيقية لمستقبل الخريطة السياسية في مصر ما بعد الثورة.