سوريون هربوا إلى لبنان: أطفال يبكون جوعا.. ومسؤولون يختلفون على توزيع الحصص

نزوح 80% من سكان تلكلخ يفاقم المأساة الإنسانية

سوريون فارون من سوريا يسلكون طريقا ملتويا في طريقهم لعبور الحدود السورية اللبنانية إلى بلدة الدبيبة الحدودية اللبنانية هربا من القمع في سوريا (رويترز)
TT

لا يتوقف ناجي رمضان، رئيس بلدية «مشتى حمود» في «وادي خالد»، عن مناشدة الهيئات الإغاثية لنجدة النازحين السوريين إلى شمال لبنان. ويقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن «(الهيئة العليا للإغاثة) لم تزودنا سوى بـ117 فراشا، في حين تجاوز عدد النازحين العشرة آلاف، وهم جميعهم تركوا بيوتهم على عجل، وليس معهم سوى ملابسهم التي عليهم، وينامون على الأرض وفي الطرقات». ويشكو النازحون من نقص في كل شيء، مع «تباطؤ شديد ومخز في مساعدتهم من قبل الجهات الرسمية والجمعيات»، كما يقول رمضان، مضيفا: «ما وصل لغاية الآن لا يتناسب على الإطلاق وحاجة الأهالي. هناك أطفال باتوا جياعا بسبب نقص الحليب وشح المواد الغذائية، وعلى الجميع أن يتحرك».

بمحاذاة الحدود السورية وفي غرف لا تتجاوز مساحة الواحدة منها 12 مترا مربعا، كانت في الأساس محالا تجارية، يشغل كل غرفة ما يزيد على ثلاثين شخصا. في واحدة من غرف النساء، تقول سيدة: «معنا هنا مع يزيد على أربعة مرضى وليس من طبيب في المنطقة أو حتى دواء. يأتي الصليب الأحمر يقيس الضغط وينصرف. الأهالي يساعدوننا، لكن العدد فاق قدرتهم على الإعانة». وتقول سيدة عجوز: «اكتبوا في الصحافة عنا، نحن بلا معين، بعد أن تقطعت بنا السبل». سيده أخرى تقول: «في الليل لا نستطيع أن نتحرك. المكان لا كهرباء فيه، وليس عندنا شمع ليرى أحدنا الآخر».

يقول رجال يجلسون في باحة المكان إنهم ينامون في العراء «لنؤوي النساء والأطفال». رجل مصاب في يده، يروي أنه لا يعرف من أين يحصل على الحليب لأطفاله الجياع ومن أين يأتي بالحفاضات، التي وصل منها عدد قليل جدا تم توزيعه ولم يأخذ منها شيئا. وفي حين كنا نستمع للنازحين، يصل صبي ومعه كرتونة فريز، تهلل النساء ويقلن «وصل رزقنا»، وتشرح لنا سيدة أن «الأطفال يذهبون تحت ضرب الرصاص والرشاشات والقناصة، ويتسللون، وهم يغامرون بحياتهم، إلى قرية العريضة السورية الحدودية، حيث منازلهم وأرزاقهم، ويحاولون جني الثمر من هناك ليعودوا به ويقتاتوا مع عائلاتهم».

رغم أن معبر البقيعة الحدودي بين سوريا ولبنان الذي كان يمر منه النازحون السوريون بشكل أساسي أغلق منذ أول من أمس، وتم وضع أسلاك شائكة عليه من قبل الجيش السوري لمنع مرور النازحين أمس، فإن مئات الفارين لا يزالون يجتازون النهر الفاصل بين البلدين، بعد مسير طويل في مناطق جبلية وعرة للنجاة بأرواحهم. وقال ناجي رمضان: «أمس وجدت بالصدفة 14 عائلة في المنطقة هنا، تائهة منذ يومين لا تعرف لمن تلتجئ. ينامون مع أطفالهم في الشوارع، وها أنا ذاهب لإيجاد منزل يؤويهم». يحمل رئيس البلدية كيسا بلاستيكيا ويقول: «هذه هي حصة العائلة الواحدة التي وصلتنا.. علبة حليب صغيرة وكيلو أرز، هل هذا معقول؟ خاصة أنهم أحصوا نصف العدد، أي إن نصف العائلات لن تحصل على هذا الكيس».

ويشرح رئيس البلدية أن بعض المساعدات من الدولة ومن الجمعيات وصلت، «لكن توزيعها معطل، بسبب عدم الاتفاق على آلية»، ويضيف: «العائلات موجودة في قرى مختلفة، فمن يتولى التوزيع؟ هذا هو السؤال الذي يشغل بال المسؤولين، بينما الأطفال يبكون من الجوع. وسيعقد اجتماع بعد قليل لعلنا نتمكن من حل هذه المشكلة». ويروي رئيس البلدية أنه طلب من نواب المنطقة وهم يزورون الحدود أن يتصلوا بدولة الكويت لتحويل المساعدات التي أرسلت إلى درعا ورفضها النظام السوري إلى النازحين السوريين في لبنان. ويكمل: «لكن بمجرد أن سمعوا بعض طلقات الرصاص باتجاهنا، ركبوا سياراتهم وهربوا، ولم يفعلوا شيئا».

وأمس استمر حصار تلكلخ لكن هدأ القصف عليها، في حين تواصل القصف على قرى وبلدات محيطة بها، كما استمرت الاعتقالات، وتواصل فرار الأهالي، ونقل جريحان إلى الداخل اللبناني، ولم يتوقف رشق الرصاص باتجاه الجانب اللبناني من الحدود حيث يتجمع الصحافيون لتغطية الأحداث. وقال رئيس بلدية «مشتى حمود»: «عندي سؤال واحد فقط: لماذا كانت المساعدات في حرب تموز (يوليو) مرمية في الطرقات، والآن حين تعاني منطقة وادي خالد في عكار، لا نجد طبيبا ولا تصل معونة. أريد أن أوضح أن سكان تلكلخ 33 ألف نسمة والقرى المحيطة بها فيها العدد نفسه؛ 80% من هؤلاء باتوا نازحين إلى الأراضي اللبنانية، هل يعطي هذا فكرة عن حجم المأساة الإنسانية التي نعيشها؟».

يقول رجال واقفون على الحدود ينتظرون أقرباء قد يفلحون في الوصول: «نحن عالقون هنا. لا يمكننا أن نعود إلى سوريا ما دام هذا النظام موجودا، ولا نعرف أي أحد نذهب إليه في الداخل اللبناني. لم يعد أمامنا سوى الانتظار».