بنغازي.. تتحسر على حالها في ظل حكم القذافي

المدينة عبارة عن مبان بسيطة من الأسمنت المسلح وأرض جرداء

TT

وسط أزقة ضيقة تتناثر فيها القمامة وبين مبان مشيدة من كتل أسمنتية تقع روائع معمارية إيطالية أو عثمانية تعطي لمحة عن تاريخ مدينة بنغازي.

وترمز المباني المتهالكة في المدينة الليبية الشرقية للإهمال الذي يقول سكان المدينة لـ«رويترز» إنهم عانوا منه في ظل حكم العقيد معمر القذافي الذي أنهت احتجاجات حاشدة وانتفاضة مسلحة في فبراير(شباط) الماضي سيطرته على شرق البلاد.

والآن بعد أن زالت قبضته بوسع بنغازي أن تشكو صراحة مما أصابها من ضرر وعزلة خلال 41 عاما من حكم القذافي.

وقال عبد الله حاسي: «كان هناك سوق تركية بديعة هنا. أتذكر حين تم إجلاء أصحاب المتاجر بالقوة بعضهم تحت تهديد السلاح قبل هدمها في الثمانينات». يطل منزل حاسي على ميدان ببنغازي كان يمكن أن يكون بالغ الروعة.

بأحد جوانب الميدان مبنى للحكم المحلي كان مستخدما قبل إطاحة القذافي بالملك إدريس السنوسي في انقلاب في عام 1969.

ويبدو المبنى الذي تزينه نقوشات إيطالية وتركية ويضم برجا تتوسطه ساعة آيلا للسقوط وتنتشر بداخله القمامة وكتابات على الجدران وتفوح منه رائحة كريهة.

وتعرضت المدينة التي كانت تحفل بأسواق جميلة ومبان ذات طابع إيطالي وفيلات على الطراز التركي لقصف مكثف من جانب قوات الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية. ولم تكن أربعة عقود من حكم القذافي الأشبه بالنظام الاشتراكي رفيقة بها أيضا.

وبنغازي في معظمها حاليا عبارة عن مبان بسيطة من الاسمنت المسلح ومساحات من الأرض الجرداء. والمباني القليلة المبهرة نسبيا مثل الفنادق ملك شركات تخص القذافي أو المحيطين به.

وقال حسن جودة، 20 عاما، مشيرا لجامع أصفر اللون على الجانب الآخر من الميدان: «المصلون الذين يرتادون المسجد العثماني هم من رمموه وليس القذافي. المباني الوحيدة التي اهتم بها القذافي تلك التي تخصه».

وحظيت طرابلس في الغرب الليبي باهتمام أكبر من جانب القذافي وتحولت سرت مسقط رأسه من قرية عادية بلا معالم تميزها إلى مدينة مصغرة تضم مؤسسات حكومية وأضحت واجهة لحكمه.

وبعيدا عن الميدان توجد ممرات ذات أعمدة تصطف على جانبيها المتاجر وتعلوها نوافذ تحطم زجاجها وشرفات على الطراز الإيطالي تشوهت أسوارها المعدنية. وتطل على ساحل المدينة كاتدرائية كاثوليكية تعلوها قبتان، وفي جناح ملاصق تقبع تماثيل داخل صناديق شحن أقرب للتوابيت ولوحات حجرية تصور المسيح في صناديق مفتوحة تفترش الأرض.

واختفت نوافذ الجناح منذ فترة والباب من دون قفل لتترك الأعمال الفنية نهبا للمارة وعوامل أخرى.

وشيدت الكاتدرائية في عقد الثلاثينات من القرن الماضي إبان الاحتلال الإيطالي، وهي مهجورة منذ عقود بعدما تضررت من الداخل جراء حريق.

ومن بين صدوع النوافذ القذرة المهشمة تتسرب أشعة الشمس لتسقط على الجدران الداخلية للكاتدرائية وقد علاها السواد ولتلقي الضوء على ذرات الغبار المتطايرة. أما الأرضية فعبارة عن بحر من ريش الطيور وفضلاتها. وقال والي صالح، رئيس مجلس الحفاظ على المباني القديمة وترميمها في بنغازي، إن اللوحات والتماثيل رفعت وحفظت في صناديق بعد الحريق. وذكر أنه تولى منصبه في أبريل (نيسان) 2010 قبل الانتفاضة في إطار مساعي الحكومة الليبية لوقف الانهيار المعماري في بنغازي.

وأضاف أن دماء أكثر شبابا بدأت تتدفق في إدارة القذافي وأنها بدأت تهتم بالمباني العتيقة من منطلق تاريخي وسياحي.

ومع توليه منصبه منع هدم المباني القديمة، وأجرى مسحا رصد وجود 173 مبنى قديما تحتاج للحماية في بنغازي.

وثمة دلائل تشير لبعض أعمال الترميم غير المكتملة إذ تحيط سقالات بمبنى الحكومة المحلية في بنغازي وأجزاء من الكاتدرائية. ويقول صالح إن أعمال الترميم تعطلت بسبب مشكلات بيروقراطية مع طرابلس ونقص التمويل.

وفيما يكافح قادة المعارضة الجدد في بنغازي للحصول على أموال من المستبعد إجراء المزيد من أعمال الترميم في وقت قريب ولكن صالح متفائل.

وقال: «ثمة تغيير في أسلوب التفكير. حين أتحدث للمسؤولين الجدد يبدون جميعا حبا لهذه المدينة ويأسفون لما حل بها».

وأضاف: «يبدون حريصين حقا على الحفاظ على بنغازي وربط مستقبلها الجديد بماضيها».