لقد عجلت الإدارة الأميركية المحادثات المباشرة مع حركة طالبان، التي بدأت منذ عدة أشهر مضت، والتي يقول مسؤولون أميركيون إنهم يأملون في أن تمكن الرئيس أوباما من تحقيق تقدم نحو إنهاء الحرب في أفغانستان بإعلانه سحب القوات في يوليو (تموز) المقبل.
وذكر مسؤول أفغاني رفيع المستوى أن ممثلا من الإدارة الأميركية حضر ثلاثة اجتماعات على الأقل في قطر وألمانيا، أحدها كان «منذ ثمانية أو تسعة أيام»، مع مسؤول من حركة طالبان يعتبر مقربا من الملا محمد عمر، زعيم الحركة.
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية مايكل هامر يوم أول من أمس التعليق على ادعاء المسؤول الأفغاني، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة كان لديها «نطاق واسع من الاتصالات عبر أنحاء أفغانستان والمنطقة، على مستويات عدة، ولن نخوض في تفاصيل تلك الاتصالات».
وقد تقدمت المحادثات في مسارات عدة، من بينها عبر الوسطاء غير الحكوميين والحكومات العربية والأوروبية. وكانت طالبان قد أوضحت تفضيلها إجراء محادثات مباشرة مع الأميركيين واقترحت إنشاء مكتب سياسي رسمي، مع وضع قطر تحت النظر كموقع محتمل لإنشاء المكتب، بحسب مسؤولين أميركيين.
وقد فشلت محاولة لفتح مناقشات مع المجموعة المتمردة نهاية العام الماضي، حينما تبين احتيال شخص، نقله حلف شمال الأطلسي (الناتو) سرا إلى كابل، كان قد ادعى أنه قيادي بحركة طالبان. وقال مسؤول رفيع بإدارة أوباما: «لا أحد يرغب في تكرار ذلك مرة أخرى».
وقد تعثرت اجتماعات أخرى سابقة بين ممثلي الحكومة الأفغانية وممثلين عن حركة طالبان حينما عجز من أعلنوا عن أنفسهم كمتمردين عن إظهار ممثليهم الفعليين كممثلين حقيقيين لقيادة الحركة.
إلا أن إدارة أوباما «أصبحت أكثر يقينا» من أن الاتصالات الحالية تجري مع هؤلاء ممن هم على اتصال مباشر بالملا محمد عمر ولهم تأثير في مجلس الشورى في باكستان أو المجلس الحاكم، الذي يرأسه، طبقا لأحد المسؤولين الأميركيين رفيعي المستوى الذي ناقش المبادرة السرية مشترطا عدم الإفصاح عن هويته.
وأشار مسؤولون إلى أن المناقشات تمهيدية، ولكنهم ذكروا أن المحادثات «التمهيدية»، التي أعلن عنها أول مرة في شهر فبراير (شباط) الماضي في مجلة «نيويوركر»، قد تقدمت بشكل ملحوظ فيما يتعلق بالمادة واستعداد الطرفين للمشاركة.
وقد تسببت الشائعات عن المحادثات في وابل من النقد في الأسابيع الأخيرة من جانب المعارضين السياسيين للرئيس الأفغاني حميد كرزاي، والذين يشيرون إلى أنه سيقلل من درجة الديمقراطية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه في إشارة إلى استعداد الولايات المتحدة لتحريك المفاوضات، وصف مسؤولو الإدارة النقد بصور إيجابية كدليل على أن الأفغان بدأوا يأخذون فكرة المفاوضات مأخذ الجد.
وذكر مسؤول أميركي أن طالبان «ستجري محادثات مع كل من الأفغان والأميركيين» إذا كان للعملية أن تسير إلى المرحلة التي ستؤثر فيها بشكل كبير على درجة العنف وتقدم ما تعتبره حركة طالبان نصيبا مقبولا من القوة السياسية في أفغانستان.
وقال مسؤولون إنه من المرجح ألا تتحقق تلك النتيجة إلا بعد سنوات. وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة لم تثن عن عزمها على أن تكون المفاوضات الأساسية تحت قيادة الأفغان. وقال مسؤول أميركي إن «الأفغان قد تم إطلاعهم بشكل كامل» على الاتصالات بين المسؤولين الأميركيين وحركة طالبان، وإن «الباكستانيين لم يتم إطلاعهم عليها إلا بشكل جزئي فقط».
وذكر مسؤولون أن ممثلي شبكة حقاني (شبكة تضم مجموعة من المقاتلين الأفغان المتمركزين في منطقة شمال وزيرستان القبلية في باكستان)، والذين تعدهم الإدارة على درجة خاصة من الوحشية والتناقض، لم يكن لهم أي دور في المناقشات.
وعلى الرغم من أن مسؤولين أميركيين قد ذكروا أن مقتل أسامة بن لادن على يد قوات الكوماندوز الأميركية أوائل هذا الشهر يمكن أن يعجل بتقدم المناقشات، فإن بداية المحادثات كانت قبل مقتل بن لادن. وفي خطاب وجهته يوم 18 فبراير الماضي، ذكرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية لن يصرا بعد ذلك على الإعلان عن الفصل بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان كشرط مسبق لازم لإجراء المحادثات. وبدلا من ذلك، يمكن الإدلاء بهذا البيان في نهاية المفاوضات.
كما تصر الحكومتان الأميركية والأفغانية أيضا على ضرورة أن تثمر أي عملية تسوية عن وضع حد لعنف حركة طالبان، فضلا عن إبدائها الاستعداد للامتثال للدستور الأفغاني، بما في ذلك احترام حقوق النساء والأقليات وسيادة القانون.
وعند سؤاله عما يأمل أوباما في الإعلان عنه في شهر يوليو، أشار مسؤول إلى أن الرئيس لن يدلي بأي تفاصيل عن أي محادثات. قال المسؤول: «سيكون الأمر أشبه بما يلي: هذه خطتي بشأن القوات وهذه رؤيتي الشاملة لأفغانستان. وقد أوضحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أننا سنحقق بعض الدبلوماسية ووضعت خطة لتحقيق رغبتنا في الحديث إلى عدونا، أود أن أوضح للشعب الأميركي أننا نعمل من أجل تحقيق تلك السياسة على أرض الواقع».
وذكر مسؤول آخر أن حركة طالبان قد أرسلت قائمة بمطالبها، التي يعتبر معظمها طويل الأجل. وتتضمن تلك المطالب إطلاق سراح 20 مقاتلا محتجزا بسجن غوانتانامو في كوبا - ثمانية منهم صنفتهم الولايات المتحدة باعتبارهم «على قدر كبير من الأهمية» واثنان تم تحويلهما للمحاكمة من قبل اللجان العسكرية - وسحب كل القوات الأجنبية من أفغانستان، وتقديم ضمان شامل لاستمرار حركة طالبان في القيام بدور أساسي في الحكومة الأفغانية.
وقد أثارت مطالبة حركة طالبان بتأسيس مكتب رسمي للحركة سؤالين مباشرين، أحدهما، كما أشار مسؤول أميركي هو: «أولا، أين يكون مقر هذا المكتب؟ ثانيا، ماذا ستطلق عليه؟ فهل ستكتب على بابه (إمارة أفغانستان الإسلامية)؟ كلا إن البعض يقول إنه يمكن أن يتمثل في مكتب دعم تابع للأمم المتحدة وأن بإمكان طالبان شغل مقعد فيه».
وقال المسؤول: «إذا كان الأفغان يرغبون في أن يكون هذا المكتب في كابل، فنحن موافقون على هذا. وإذا أرادوا أن تدعمه قطر، فهذا أمر جيد».
لقد أسهمت الأحداث على مدار الأشهر الستة الماضية في إصرار الإدارة على متابعة المحادثات الأساسية الجارية، بالإضافة إلى ترسيخ اعتقادها بأن هذه المحادثات يمكن أن تثمر عن نتيجة سياسية ناجحة، حتى لو لم تتحقق قبل عدة سنوات.
وفي اجتماع عقد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حدد حلف الناتو المساهم بقوات تحالف عددها 140.000 في أفغانستان - والتي تقع جميعها تحت ضغط اقتصادي وسياسي لإنهاء حربها طويلة الأجل - نهاية عام 2014 كموعد نهائي للانسحاب التام للقوات المقاتلة من أفغانستان. وذكروا أنه بحلول هذا الموعد، سيكون قد تم نشر القوات الحكومية الأفغانية الكافية وتدريبها على النهوض بدورها في تأمين البلاد.
وكان أوباما أعلن أنه سيبدأ سحب القوات الأميركية، التي تشكل نحو ثلثي قوات التحالف الدولي في أفغانستان في يوليو (تموز). وقد ألقت أزمة الميزانية التي تعاني منها الولايات المتحدة، والتي ازدادت بانتخاب جمهوريين زادوا من العجز في الميزانية، ضغوطا سياسية متزايدة على كاهل الإدارة لتقليل الميزانية الشهرية المخصصة للحرب والمقدرة بقيمة 10 مليارات دولار شهريا.
وفي أفغانستان، أشار الجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات التحالف العسكرية، إلى زيادة تقدم القوات في مواجهة مقاتلي حركة طالبان في الجنوب، على الرغم من أن هناك درجة من عدم الاتفاق مع استنتاج القوات العسكرية الأميركية الذي مفاده أن الخسائر الضخمة قد جعلت حركة طالبان سهلة الانقياد للمفاوضات بدرجة أكبر. وقد قدم مسؤولو الاستخبارات الأميركية تفسيرا مختلفا بدرجة ما، مفاده أن قادة القوات البديلة في أفغانستان قد أثاروا مخاوف القيادة في باكستان من فقد السيطرة على مقاتليها، وباتت أكثر قلقا من عقد اتفاق.
*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»