اليمن: أمين عام «التعاون» يغادر صنعاء دون التوقيع على المبادرة الخليجية

تبادل الاتهامات بعرقلة التوقيع.. وواشنطن تحث صالح على القبول بالمبادرة الخليجية

جانب من مظاهرات شارك فيها أطباء يمينون للمطالبة برحيل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

غادر أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الدكتور عبد اللطيف الزياني، العاصمة اليمنية صنعاء مساء أمس، دون التوقيع على المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن من قبل الأطراف في السلطة والمعارضة، وتضاربت الأنباء حول نتيجة زيارته وما إذا كانت المساعي الخليجية فشلت بصورة تامة، وأرجع مصدر رئاسي يمني، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» فشل التوقيع على المبادرة إلى الخلاف حول الشخصيات التي ستوقع على المبادرة، وقالت مصادر مطلعة إن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح رفض التوقيع بصفته الرئاسية على المبادرة.

وكانت لاحت في الأفق بوادر انفراج للوضع في اليمن بالإعلان عن توصل أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الدكتور عبد اللطيف الزياني إلى مقاربة بين السلطة والمعارضة في اليمن من أجل التوقيع على المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن، وقد غادر الزياني صنعاء، مساء أمس، دون أن يعلن، حتى اللحظة، ما توصل إليه في مساعيه.

وكانت المصادر توقعت أن يتم توقيع المبادرة الخليجية في غضون الساعات القليلة المقبلة، بعد أن نجح الوسيط الخليجي في إقناع الرئيس صالح بالتوقيع على المبادرة بصفته الرئاسية وإلى جانبه يوقع عن المعارضة الرئيس الدوري لتكتل أحزاب «اللقاء المشترك» الدكتور ياسين سعيد نعمان، وتنص المبادرة على أن يتنحى صالح عن الحكم في غضون 30 يوما وأن يقدم استقالته أمام مجلس النواب اليمني (البرلمان) الذي من المقرر، حسب المبادرة، أن يقر حزمة من القوانين تمنح الرئيس علي عبد الله صالح حصانة من الملاحقة القضائية والقانونية عن أية تجاوزات جرت خلال فترة حكمه، وهو ما يرفضه المعتصمون في الساحات بعد أن سقط أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى خلال الأشهر الماضية منذ بدء الاحتجاجات.

إلا أن موضوع الأشخاص الذين سيوقعون على المبادرة، ظل عائقا أمام نجاح المساعي الخليجية بصورة تامة، بعد أن كثف الوسيط الخليجي، خلال الأيام الـ 5 الماضية، لقاءاته في صنعاء مع الأطراف السياسية اليمنية، بمساعدة سفراء الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وسفراء دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تحولت العاصمة اليمنية إلى ساحة نشاط سياسي ودبلوماسي مكثف لم تشهده منذ فترة طويلة، وقالت مصادر مطلعة إن الوسيط الخليجي والسفراء الأجانب مارسوا ضغوطا كبيرة على الأطراف اليمنية، وبالأخص الرئيس صالح، من أجل القبول بالمبادرة. وقال مصدر دبلوماسي غربي في صنعاء لـ «الشرق الأوسط «إن الدول الغربية حريصة على انتقال سلمي وسلس للسلطة في اليمن وألا تتطور الأزمة وتنجر البلاد إلى العنف».

وكان أحمد الصوفي سكرتير الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للشؤون الإعلامية قد قال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن «بما أن أحزاب اللقاء المشترك اشترطت توقيع رئيس الجمهورية بصفته الرسمية، فقد طلبنا توقيع ممثلي الأحزاب الممثلة في البرلمان، وهو ما رفضه «المشترك»، كما أن «المشترك» لم يلتزم برفع الاعتصامات بعد التوقيع على المبادرة». وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن قال عبد الحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام «هناك برنامج أو آلية تنفيذية سيتم التوقيع عليها لاحقا بعد التوقيع على المبادرة الخليجية، وستتضمن هذه الإجراءات التنفيذية التركيز على رفع مظاهر التوترات الأمنية والسياسية، كما أن هناك التزاما برحيل ثماني شخصيات مدنية وعسكرية عن البلاد لأنها هي التي تسببت في حدوث تلك الأزمة، كما ستتم إعادة هيكلة الوحدات العسكرية التي حدث فيها تمرد عسكري لإعادة دمجها في القوات المسلحة».

وكان مسؤول في المعارضة اليمنية قد قال إن رئيس اليمن علي عبد الله صالح والمعارضة اتفقا أمس على توقيع اتفاق توسط فيه مجلس التعاون الخليجي لنقل السلطة وذلك بعد إدخال تعديلات بسيطة على الاتفاق وبعد توسط دبلوماسيين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقال يحيى أبو إصبع إنه بعد جهود أميركية وأوروبية وخليجية وافق الرئيس على المبادرة الخليجية بعد تعديلات بسيطة، وأن التوقيع سيحدث اليوم (أمس). وذكر أن الجهود الخليجية سجلت اختراقات مهمة أخيرا أبرزها - على حد قوله - قبول المعارضة بسحب أتباعها من ساحات الاعتصام وبالموافقة على توقيع صالح على المبادرة بصفته رئيسا للحزب الحاكم ورئيسا للجمهورية في الوقت نفسه. إلا أن المتحدث باسم أحزاب اللقاء المشترك، الذي يمثل المعارضة البرلمانية، محمد قحطان، أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أنه «إذا كانت المبادرة بصيغة 21 أبريل (نيسان) سنوقع» مشيرا إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق الثلاثاء إلا أن الرئيس تراجع عنه - على حد قوله. وقال إنه «لا يوجد اتفاق حتى الآن»! مضيفا «اتفقنا أمس بالليل وبطلوا هم في الصباح». وأشار إلى أن فريق صالح «متحفظون على من يوقع من جانبنا»، إلا أنه ذكر أن هناك اتفاقا حول الجدول الزمني لتنفيذ المبادرة.

وحاول عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، منذ يوم السبت في صنعاء إحياء الاتفاق الذي رعاه مجلس التعاون الخليجي حتى بعد انسحاب قطر من تأييده واستنكارها للجمود والافتقار للحكمة. وكان صالح قد لمح في أبريل الماضي إلى أنه سيوقع على الاتفاق، لكنه رفض التوقيع في الساعات الأخيرة بصفته رئيسا للجمهورية. وقال حينها إنه لن يوقع بصفته رئيسا للجمهورية وإنما بصفته رئيسا لحزب. غير أن المعارضة كانت قد ذكرت الأربعاء أن من بين التعديلات الصغيرة التي أدخلت على الاتفاق هي تغيير من له سلطة التوقيع من جانب المعارضة ومن جانب الحكومة. وقال أبو إصبع، أحد قيادات المعارضة، إن الرئيس سيوقع نيابة عن الحكومة بصفته رئيسا للجمهورية ورئيسا للحزب الحاكم.

وضمن اللقاءات التي أجراها الدكتور الزياني في صنعاء، لقاؤه بعدد من أبرز قادة ثورة الشباب المعتصمين في ساحة التغيير بصنعاء، لتوضيح الموقف الخليجي الراغب في إنهاء التوتر القائم في اليمن وتجنيبه الصراعات، والتقى الزياني بالشباب داخل سفارة الإمارات العربية المتحدة بصنعاء وشرح لهم الموقف الخليجي، بعد أن أعلن المحتجون رفضهم للمبادرة الخليجية ودعوا مرات عديدة إلى التظاهر لإعلان رفضها، وقالت مصادر شبابية إن الزياني لم يستطع إقناع من التقى بهم بوجهة النظر الخليجية، لكن اللقاء كان إيجابيا، وضمن ما طرحه الشباب أن ما يجري في اليمن ليس أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة وإنما ثورة شبابية.

واصطدمت الوساطة الخليجية، أخيرا، بمواقف متشددة من قبل السلطة والمعارضة في اليمن، حيث رفض الرئيس اليمني التوقيع عليها بصفته الرئاسية ولكن بصفته كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وهو الأمر الذي رفضته المعارضة وربطت توقيعها على المبادرة بتوقيع صالح كرئيس يقبل التنحي عن السلطة، واقترحت المبادرة الخليجية في نسختها الأولى، أن يوقع الرئيس صالح وإلى جانبه ممثل عن المعارضة وشركائها، وبعد رفض صالح المقترح، اقترحت الوساطة توقيع 15 شخصا عن المعارضة ومثلهم عن السلطة وأن يوقع صالح المبادرة مرتين، الأولى بصفته الحزبية والثانية بصفته الرئاسية.

وفي حال التوقيع على الخطة الخليجية فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي سيصدرون بيانات ملحقة بالاتفاقية كضمانات للتنفيذ لأن تلك الأطراف ستوقع على المبادرة كشهود، كما أن البيانات اللاحقة ستكون ضمانات لتنفيذ الاتفاقية. وعن آلية التنفيذ التي اشترطها المؤتمر الحاكم للتوقيع، والتي تتضمن إنهاء التمرد في وحدات الجيش وحل قضيتي صعدة والجنوب، بالإضافة إلى رفع الاعتصامات، أكد قيادي في المعارضة أن تلك القضايا لم تناقش بتاتا ولم يتطرق لها الوسيط الخليجي لأن المبادرة لا تتضمنها، مؤكدا أن جوهر المبادرة ينص على تنحي صالح مقابل ضمانات تقدم له بعدم الملاحقة.

من جهة أخرى، أعلنت صحف ومواقع إلكترونية تابعة لحزب المؤتمر الحاكم أن وزارة المالية تسعى إلى تجميد أرصدة تخص 15 شخصية من قيادات اللقاء المشترك. وأوضحت تلك الوسائل الإعلامية أن تجميد أموال القيادات المعارضة في البنوك اليمنية والخارجية جاء نتيجة «لثبوت تورط جهات أجنبية في دعم أرصدة تلك القيادات بمبالغ كبيرة». وتزامنت هذه الوساطة مع استمرار الاحتجاجات المتصاعدة في الشارع اليمني للمطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة، حيث استمرت المظاهرات في معظم المحافظات اليمنية، إضافة إلى العصيان المدني الشامل الذي نفذ، أمس، في العديد من المحافظات، وتجاوز عمر ثورة الشباب في اليمن، كما تسمى، 100 يوم، سقط فيها - حسب مصادر المعارضة - أكثر من 200 قتيل و13 ألف جريح، وقال شهود عيان إن معظم المحافظات والمدن اليمنية شهدت عصيانا مدنيا هو الأول من نوعه، بعد أن دعا إليه المعتصمون ورجال مال وأعمال لتضييق الخناق على صالح كي يرحل عن السلطة.

وفي موضوع ذي علاقة، دعت الإدارة الأميركية، أمس، الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى قبول المبادرة الخليجية التي تقضي بنهاية رئاسته والاستعداد لانتقال سياسي سلمي. ويترقب الرئيس الأميركي باراك أوباما ما يحدث في اليمن والفرص السياسية المتاحة لإنهاء الأزمة فيها، والتطلع لبدء عملية انتقال السلطة فيها. واتصل مساعد الرئيس الأميركي جون برينان صباح أمس بالرئيس اليمني أمس لحثه على توقيع مبادرة مجلس التعاون الخليجي لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد وتطبيقها.