«العفو» عن مبارك يثير «استفزاز» المصريين

سياسيون اعتبروا التسريبات «بالونات اختبار».. وشباب يناير يردون بـ«جمعة الأدب».. والمجلس العسكري ينفي

حسني مبارك
TT

على مساحة بدت للبعض محسوبة بدقة بحيث لا تثير مشاعر استياء، ومن دون أن تتخلى عن وقار «مطلوب»، نشرت صحيفة الأهرام المصرية اليومية (شبه الرسمية) أمس، نعيا في الذكرى السنوية الثانية لـ«محمد علاء مبارك» حفيد الرئيس المصري السابق الذي تخلى عن السلطة في البلاد في فبراير (شباط) الماضي، في وقت تشهد فيه الساحة السياسية في البلاد جدلا متزايدا على خلفية تسريبات نشرتها جريدة «الشروق» اليومية الخاصة قبل يومين، عن توجه للعفو عن مبارك (83 عاما) المحبوس على ذمة قضايا جنائية ومالية بمستشفى شرم الشيخ.

وحاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة حسم الموقف بنفيه وجود نية للعفو، في رسالة له حملت الرقم 54، قال فيها إنه «لا صحة مطلقا لما نشر في وسائل الإعلام عن اتجاه المجلس للعفو عن الرئيس السابق»، لكن لا تزال شكوك حقوقيين ونشطاء مصريين قائمة. وعلق أمين اسكندر، وكيل مؤسسي حزب الكرامة، على الأمر بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من العودة للتحرير (ميدان التحرير).. بالونات الاختبار تحتاج لردود حاسمة».

لم يخف مراقبون خشيتهم مما سموه محاولة «اللعب على مشاعر المصريين» لكسب تعاطفهم مع الرئيس السابق، مشيرين إلى أن هذا النهج بدأ بالفعل منذ التسريبات التي نقلت عن مبارك ونسبت له قوله إنه ينوي أن يتقدم بطلب للمجلس العسكري للسماح له بزيارة قبر حفيده محمد علاء.

وكانت أسرة مبارك التي واجهت تنامي الانتقادات خلال السنوات الخمس الأخيرة قد اكتسبت تعاطفا شعبيا ملحوظا بعد وفاة حفيد مبارك قبل عامين، لكن المستشار أشرف زهران، القيادي في ما يسمى بـ«تيار استقلال القضاء»، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الموقف القانوني لمبارك بقوله إن «القانون المصري لم يتضمن العفو أو التصالح في جرائم المال العام، وإنما جرى العمل القضائي عند سداد الأموال أن يتم الوقوف في إجراءات الدعوى لأنها فقدت أهميتها باستعادة الأموال».

ويضيف أنه في حالة الرئيس السابق لا تزال الأموال التي أعلنت عنها بلدان غربية لم تسترد بعد «وبالتالي لا محل للتصالح، وهو أمر يجب أن يكون لاحقا على العقوبة ويصدر بمرسوم».

ويقول مراقبون إن مؤسسة القضاء تضررت في عهد النظام السابق، وطالبوا بـ«تطهيرها»، وهو ما يعلق عليه المستشار أشرف زهران بقوله «نحن حتى قبل الثورة نؤكد على أن الثوب الأبيض لا يلوثه أن يعلق به بعض الدنس.. ومن يثبت تورطه لا بد من إحالته للتحقيق». ويضيف المستشار زهران معلقا على قرارات إخلاء سبيل رموز من النظام السابق بقوله إنها «أمر غير مقبول»، مستندا إلى أن القانون يضع ضوابط لإخلاء السبيل، منها عدم القدرة على العبث بالأدلة أو التأثير على الشهود.. «وهو ما لا ينطبق على هؤلاء بحكم نفوذهم».

ونفى المستشار عاصم الجوهري، رئيس جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل المصرية، أن يكون إخلاء سبيل سوزان مبارك توطئة لحفظ التحقيقات معها، مستنكرا بشدة ما تردد بشأن وجود صفقة لإخلاء سبيل سوزان مبارك، ثم حفظ التحقيقات معها وبقية آل مبارك، قائلا إن «جهاز الكسب غير المشروع والنظام القضائي المصري لا يعرف الصفقات». وقال مراقبون إن المصريين قد قبلوا على مضض الاستثناء الذي حظي به الرئيس السابق بحبسه في مستشفى بشرم الشيخ، مشككين في إمكانية أن يحظى بتعاطف المصريين مجددا بعد أن «أضاع فرصا كثيرة».

وكان مبارك قد بث كلمة للشعب المصري قبل ساعات من قرار حبسه احتياطيا على ذمة التحقيقات، أنكر فيها امتلاكه لحسابات خارج البلاد، وهدد باللجوء إلى القضاء في حال استمرار ما وصفه بحملات التشويه التي يتعرض لها وأسرته، وهو الأمر الذي قوبل باستياء في الشارع المصري.

وأثار نشر تسريبات عن التوجه للعفو عن مبارك غضب قوى سياسية، ورغم نأيها عن التعليق على قرار إخلاء سبيل قرينة الرئيس وعدد من رموز نظامه، فإن جماعة الإخوان المسلمين، التي تحظى بوجود قوي على الساحة السياسية في البلاد، أعربت عن صدمتها من تسريبات بشأن العفو عن مبارك.

وحذرت الجماعة في بيان مطول، حمل لهجة متشددة، من هذا التوجه، وقالت «إن الإخوان المسلمين وهم يسعون إلى استقرار الأوضاع وتحقيق السلام الاجتماعي وإدارة عجلة الإنتاج والحفاظ على سيادة الشعب واحترام إرادته ومشاعره، ليحذرون من التصرفات التي تستفز مشاعره وتثير غضبه وثورته».

لكن بدا من ردود الفعل على الساحة المصرية أن «الاستفزاز» ربما تم بالفعل، خاصة عقب صدور قرارات بإخلاء سبيل سوزان مبارك، والدكتور زكريا عزمي الرئيس السابق لديوان رئيس الجمهورية، وفتحي سرور رئيس مجلس الشعب (المنحل). وعلى ذلك أعلن نشطاء من شباب الثورة المصرية عن دعوة لمليونية جديدة أطلقوا عليها اسم «جمعة الأدب»، في إشارة إلى إمكانية تخليهم عن النبرة الهادئة في تعاملهم مع السلطات الحاكمة حاليا.

ويرفض الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع (اليساري)، أن تلعب «المشاعر» دورا في المحاكمات، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نعاقب الإنسان على جريمة مستندين إلى وقائع أمام قاض طبيعي لا يخضع للرأي العام، ونحن نعلم أنهم سرقوا لذلك نثق في أن الحكم سيكون شرعيا وصحيحا».

ويعتقد عدد من المصريين أن قيادات بالمجلس العسكري قد لا تسمح بالزج بأحد قيادات المؤسسة السابقين إلى السجن.. «لكن الأمر يظل مرهونا بقدرة الشعب على التماسك والإصرار على مطالبه في مظاهراته المليونية بميدان التحرير»، معربين عن اعتقادهم بأن «يد العون التي قد يمدها حفيد الرئيس السابق لن تجدي أمام دماء شهداء الثورة المصرية الذين تجاوز عددهم الـ800 شهيد».