صافرات الإنذار تدوي مجددا في بغداد غدا

يمقتها جيل الثمانينات ويجهلها جيل الـ«فيس بوك»

TT

في 23 سبتمبر (أيلول) عام 1980 دوت في سماء بغداد أول صافرة إنذار زرعت الخوف والهلع بين سكان العاصمة. وما إن انتهى الصفير المدوي والمخيف، حتى اشتعلت سماء بغداد رصاصا بمختلف أنواع الأصوات، وما إن خرج الناس من منازلهم حتى رأوا بأم أعينهم الطائرات الإيرانية وهي تحلق على ارتفاعات مختلفة في سماء العاصمة. بعد دقائق قليلة اختفت أصوات الرصاص وأزيز الطائرات. ومرت دقائق أخرى قبل أن يعلن التلفزيون العراقي أن «العدو الإيراني شن غارة على عاصمتنا الحبيبة بغداد وقد تصدت لها دفاعاتنا الجوية وتمكنت من إسقاط.. كذا طائرة».

كان العراق قبل يوم واحد من الغارة الإيرانية قد شن غارة جوية عنيفة على معظم المطارات الإيرانية، الأمر الذي لم تكن القيادة الإيرانية تتوقعه بمثل تلك الكثافة والشمولية والخسائر أيضا. وبالنسبة لإيران كان يوم 22 سبتمبر يوم بدء الحرب على إيران من قبل العراق. أما بالنسبة للعراق فإن نظام صدام حسين ظل يجادل حتى رحيله عام 2003 أن يوم الرابع من سبتمبر كان هو يوم بدء الحرب عندما قصفت المدفعية الإيرانية وبكثافة المخافر والمواقع العراقية الحدودية.

اليوم وبعد أكثر من عقدين من الزمن قررت مديرية الدفاع المدني العراقية تذكير جيل كامل من العراقيين بتلك الأصوات الهادرة والقاسية والمخيفة لصافرات الإنذار التي ظلت تتكرر طوال العقد الثمانيني وبلغت ذروتها عام 1986 عبر ما عرف آنذاك بحرب المدن. حيث قررت المديرية العامة للدفاع المدني أن تبدأ غدا في بغداد وفي تمام الساعة الحادية عشرة صباحا عملية إطلاق تجريبي لصافرات الإنذار بعد أن تم نصب نحو 300 صافرة جديدة ضمن مشروع الإنذار المبكر بهدف المحافظة على الموارد البشرية والمادية وحماية الاقتصاد الوطني طبقا لبيان صادر عن المديرية بهذا الخصوص.

وقال مدير دائرة الإعلام في الدفاع المدني العميد كاظم بشير صالح لوكالة الصحافة الفرنسية إن «صافرات الإنذار المبكر ستدوي لمدة دقيقة واحدة فقط عند الساعة الحادية عشرة» من صباح غد. وأضاف «أنجزنا عملية نشر 300 صافرة، بينها 126 في أنحاء عدة من العاصمة، والبقية في مراكز المحافظات، على أن ننشر المزيد من هذه الصافرات في كل الأقضية في البلاد خلال المستقبل القريب». وذكر صالح أن نظام الإنذار المبكر هذا يشمل أربع نغمات «الأولى خاصة بالكوارث الطبيعية مثل الزلازل، والثانية خاصة بالفيضانات، والثالثة تحذر من حرائق، والرابعة تنذر من غارات جوية معادية». وبالعودة إلى أيام الحرب العراقية - الإيرانية، فإن العراق في تلك الأثناء كان قد طور جيلا من صواريخ أرض - أرض اشتراها من الاتحاد السوفياتي آنذاك، وبدأ يدك المدن الإيرانية بها بما فيها العاصمة طهران. من جانبها فقد كثفت إيران من غاراتها الجوية على بغداد إلى الحد الذي كانت فيه صافرات الإنذار لا تنقطع طوال الليل. ومع أن حكاية تلك الصافرات تكررت ثانية بعد غزو الكويت وقرار الولايات المتحدة الأميركية شن حرب على العراق عام 1991 فإن ما حصل ليلتي السادس عشر والسابع عشر من شهر يناير (كانون الثاني) 1991 لا ينسى. فقبل الحرب كانت الولايات المتحدة الأميركية قد منحت صدام حسين إنذارا ينتهي ليلة الخامس عشر من شهر يناير؛ وحيث إن العراق رفض الإنذار فإن باب المجهول انفتح أمام العراق في وقت كانت قد سادت دعاية مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن تقصف بغداد بالسلاح النووي. وبينما هاجر نحو نصف سكان العاصمة إلى العراء فإن من تبقى منهم عاشوا ليلة مرعبة خصوصا عندما أطلقت صافرات الإنذار في تمام الساعة الثانية والنصف من تلك الليلة لتبدأ بعدها صفحة أخرى من صفحات الحرب التي انتهت بعد نحو أسبوعين لتخلد صافرات الإنذار إلى النوم حتى عام 1998 عندما قرر الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون معاودة قصف العراق بالصواريخ والطائرت لمدة أربعة أيام كاملة. وإذا كان جيل كبار السن في العراق تعايش مع صافرات الإنذار لعقد كامل بشكل متواصل هو عقد الثمانينات فإنه تعايش بصورة متقطعة مع تلك الصافرات خلال عقد التسعينات.. بينما لم يعش الجيل العراقي الجديد تلك المآسي على الرغم من أنه يعيش مآسي أخرى تتمثل في الاغتيالات والجريمة المنظمة لكنه ومع كل ذلك بات يجد نفسه بعكس الجيل السابق يقبل على الإنترت ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقدمة منها «فيس بوك».