اختفت المظاهرات في كردستان.. وبقي الغضب

اتهامات للأميركيين بالتغاضي عن قمع المتظاهرين

جانب من إحدى المظاهرات التي جرت وسط السليمانية في الشهور الثلاثة الأخيرة (نيويورك تايمز)
TT

رحل المتظاهرون من الميدان الرئيسي نتيجة الأساليب الوحشية التي اتبعتها قوات الأمن. وأخليت السجون من الطلاب الشباب والصحافيين الذين تم اعتقالهم لتعبيرهم عن آرائهم علنا، وعاد المصابون إلى منازلهم ليداووا جروحهم.

لقد وصلت الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية التي تجتاح العالم العربي إلى المنطقة الكردية شبه المستقلة في العراق قبل نحو ثلاثة أشهر، مستلهمين ذلك من الثورتين التونسية والمصرية.

وتقول بيان بارواي، وهي عضو في حزب الاتحاد الإسلامي المعارض والمؤيد للاحتجاجات: «نشعر بالخجل لما فعلوه. ستون يوما من دون أن نجني أي شيء».

وكشفت الحملة الأمنية في كردستان العراق، والتي قتل فيها ما لا يقل عن عشرة أشخاص، عن أمور مقلقة بشأن نوع الحكومة التي تركتها الحرب الأميركية في المنطقة الأكثر استقرارا في العراق، فضلا عن الاتهامات بأن الأميركيين تغاضوا عن رد الفعل العنيف. وفي حين أطاح الغزو الأميركي بنظام صدام حسين الديكتاتوري، فقد شجع هذا الغزو الحكومة الإقليمية الكردية، والتي يسيطر عليها منذ فترة طويلة حزبان يعتمد نظامهما على المحسوبية بشكل كبير، على إحكام قبضتها على السلطة. وقالت جنور محمد، وهي صحافية تبلغ من العمر 33 عاما، وأصيبت بجرح في يدها اليسرى: «تتبع الأحزاب اليوم نفس الطريقة التي كان يتبعها البعثيون من قبل»، في إشارة إلى حزب صدام حسين.

وقال محمد توفيق، المتحدث باسم حركة كوران (التغيير) المعارضة، والتي انضمت إلى الاحتجاجات: «الناس هنا يشعرون بالإحباط مثل بقية دول الشرق الأوسط». وأضاف أن الحملة القمعية والتهديد بالاعتقال قد جعل الكثير من منظمي الاحتجاج يختبئون. وقال: «هناك الكثير من الشباب الذين لا يستطيعون العودة إلى جامعاتهم أو منازلهم».

وبعد أكثر من شهرين من الاحتجاجات اليومية، تم سحق المظاهرات الشهر الماضي عندما أمرت الحكومة الإقليمية قوات الأمن باحتلال الميدان الرئيسي، وفتحت قوات الأمن النار على المحتجين واعتقلت الكثير منهم، وهي الإجراءات التي قوبلت بانتقادات حادة من منظمة العفو الدولية و«هيومان رايتس ووتش». وقد كانت الحملة بمثابة تحد غير متوقع للدبلوماسيين الأميركيين الذين اعتمدوا على استقرار المنطقة في مواجهة العنف المستمر والاختلال الوظيفي السياسي في بقية أنحاء العراق.

وقال آري هيرسين، وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يحكم المنطقة جنبا إلى جنب مع الاتحاد الوطني الكردستاني: «كردستان هي المكان الوحيد في العراق الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفخر به». وأضاف هيرسين أنه كان على اتصال مع المسؤولين الأميركيين خلال الاحتجاجات، وأنهم لم يضغطوا على السلطات لإنهاء حملتهم العدوانية.

وقال عدد من الشهود إنهم رأوا ضابطا عسكريا أميركيا في الميدان الرئيسي خلال الاحتجاجات، وهناك تصور كبير بين المتظاهرين بأن الأميركيين قد تغاضوا عن الرد القاسي للأمن.

وقال عدنان عثمان، وهو نائب في البرلمان الإقليمي عن حركة كوران: «لقد أعطوا الاتحاد الوطني الكردستاني الضوء الأخضر ليفعل ما يريد بالمتظاهرين. ينبغي على السفارة أن تصدر بيانا لتوضيح الأمر».

وقال ديفيد رانز، المتحدث باسم السفارة الأميركية، إن الأميركيين قد حثوا قوات الأمن الكردية على التحلي بضبط النفس، وحثوا كلا الجانبين على الامتناع عن العنف. وأضاف: «موقف الولايات المتحدة كان واضحا، إن الناس في إقليم كردستان العراق مثلهم مثل الناس في جميع أنحاء العراق، بل وفي جميع أنحاء المنطقة، لهم الحق في التظاهر السلمي وحرية التجمع وإصلاح حكوماتهم والتعبير عن أنفسهم دون خوف من الترهيب أو الموت. لقد شجعنا الحكومة الإقليمية في كردستان على الاستجابة للشكاوى والمخاوف المشروعة التي أعرب عنها المتظاهرون».

ومع ذلك، لم تجر الحكومة الكردية أي إصلاحات كبيرة منذ بدء الاضطرابات، وأظهر ذلك ما يعتبره البعض تراجعا في النفوذ الأميركي بسبب اقتراب الموعد النهائي لانسحاب الولايات المتحدة بكل قواتها. وقال كينيث بولاك، وهو خبير في قضايا الأمن القومي في معهد بروكينغز: «الأكراد حليف مهم للولايات المتحدة والوضع الداخلي في العراق لا يزال هشا جدا، وواشنطن قلقة من الدخول بثقلها خشية التأثير على الوضع غير المستقر بالفعل».

وفي الوقت نفسه، قام بعض المسؤولين الأكراد بترديد نفس تصريحات حكومات استبدادية أخرى في المنطقة، حيث اتهم هيرسين، القيادي بالحزب الديمقراطي الكردستاني، ثلاث جهات بأنها وراء الاحتجاجات وهي: الإرهابيون، وجهات خارجية، والمتطرفون الإسلاميون.

ومن جانبها، وصفت المعارضة هذه التهم بأنها سخيفة. وقال توفيق، المتحدث باسم حركة كوران: «لا توجد هناك نكهة إسلامية في هذه الاحتجاجات. إنها تطالب بالديمقراطية، والفصل بين السلطات وإجراء انتخابات نظيفة».

الآن، توقفت حركة الاحتجاج هنا، ولكن يزداد الغضب بين المعارضة وجيل الشباب. وقال عثمان، عضو حركة كوران: «لا أعتقد أن الأمر قد انتهى، وسوف يستمر الغليان. أعتقد أن الاحتجاجات سوف تبدأ من جديد، ولكنها ستكون أقوى».

* خدمة: «نيويورك تايمز»