أهالي وادي خالد: القناصة السوريون يستهدفوننا ويشلون حركتنا

يراقبون من قراهم حركة الجيش السوري بفضول وحذر شديدين

TT

يشكو سكان منطقة البقيعة الحدودية اللبنانية - السورية في وادي خالد، التي كان يجتازها النازحون السوريون في الأيام السابقة للهروب إلى لبنان، من قنص كثيف يستهدفهم من الأراضي السورية. ويقول محمد، الشاب العشريني الذي يقطن القرية: «ما عاد بمقدورنا أن نتحرك فقد اعتلى القناصة أسطح المباني المقابلة لنا من الجهة السورية، بأعداد لا نعرفها، لأننا لا نخاطر حتى باختلاس النظر، وباتوا يهددون حياتنا». ويضيف: «أول أمس ليلا وبهدف ترويعنا، ومنع الصحافيين من ممارسة عملهم أطلقوا النار على كاميرا لإحدى المحطات التلفزيونية، حيث كان فريق العمل يصور الأراضي السورية من فوق أسطح أحد منازل البقيعة وأصابوها، مما زاد من مخاوفنا».

ويقول محمد: «نحن رصدنا اثنين أو ثلاثة قناصين أحدهم لا يبعد عنا أكثر من 200 متر، لكننا لا نستطيع أن نرى كل شيء». ويشرح آخر: «إن الأهالي اشتكوا لنواب المنطقة من هذا الاستهداف السوري، والنواب يتفهموننا لكنهم عاجزون عن فعل أي شيء، ونعتقد أننا حتى لو ذهبنا عند وزراء أو زعماء، فسيقولون لنا اللازمة ذاتها، وهي أن السوريين يمرون بفترة حرجة ويطاردون إرهابيين».

ويقول شبان من وادي خالد إنهم لم يروا الجيش السوري منذ خرج هذا الجيش من لبنان عام 2005، لكنهم عادوا وتذكروه بعد ظهر أول أمس، عندما زحفت دبابات وسيارات بيك أب محملة بالجنود باتجاه قرية العريضة السورية الملاصقة لهم. ويقول أحدهم: «شاهدنا الدبابات وناقلات الجنود الصغيرة تنزل تلة الغيضة وتتجه نحو العريضة، ثم غادرت الناقلات بعد أن أنزلت الجنود وأبقتهم مع الدبابات، واختفوا بين الأشجار، ليبدأ بعدها قصف كثيف للعريضة بالدبابات، ويفر من تبقى من أهلها باتجاهنا، ومن لحظتها لم نعد نراهم لكن قناصتهم يشلون الحياة هنا ويرعبون السكان».

وجدير بالذكر أن الجيش اللبناني موجود على هذه الحدود المستهدفة بالقنص بكثافة، كما أن مخابرات الجيش لها وجود واضح. وكل ما يتم هو على مرأى ومسمع من العناصر الموجودين الذين يطلبون الهويات ويدققون في الأسماء ويراقبون التحركات، في منطقة دخلها آلاف السوريين.

ومنطقة وادي خالد محاطة بقرى سوريا من أكثر من مكان، وبينما كنا نصعد شمالا باتجاه قرية البقيعة، تلفت سائق السيارة إلى يساره حيث تنبسط الأراضي السورية على مرمى حجر ليقول: «انظروا ها هو قناص فوق أحد المباني هناك». ويروي السكان أنه بات بمقدورهم رؤية انتشار الجيش السوري كما قناصته وحتى الشبيحة من أكثر من قرية لبنانية سواء من الدبابية أو الكواشره، حيث يقول محمد إنه شاهد أول أمس مقابل قرية الكواشره ما يزيد على مائة جندي في مجموعات صغيرة متفرقة، «وهذا مشهد جديد علينا، منذ خرجوا من لبنان». ويشرح بأن «الجيش السوري كان غائبا تماما عن الحدود، بينما يوجد كل 15 إلى 20 كلم مخفر يضم عنصرين أو ثلاثة من الهجانة أي حرس الحدود بسلاح خفيف جدا». يضحك محمد ويقول: «هؤلاء كانوا يتواطأون مع السكان في العادة لتمرير عمليات التهريب التجارية الحدودية المعهودة بين البلدين، لكن الوضع تغير الآن، وبات ثمة إغلاق محكم للحدود لمنع أي سوري من الدخول إلى لبنان».

بعض النازحين السوريين تم إيواؤهم في منطقة البقيعة التي أصبحت منذ أول أمس في مرمى القناصة السوريين، ألا يخشون بقاءهم هنا؟ نقول لشبان المنطقة. تأتي الإجابة بأن هؤلاء لا يخشون القنص بقدر ما باتوا يخافون أن يقبض عليهم من قبل الجيش اللبناني. فقد تم دخول أحد المنازل التي تستقبل السوريين، وألقي القبض على ستة شبان نزحوا مع عائلاتهم إلى داخل لبنان، بحجة أنهم تسللوا بطريقة غير شرعية. ويسخر السكان من هذه التهمة ويقول أحدهم «من يشرح لمخابرات الجيش الذين أخذوا الشبان بأن كل السوريين الذين فروا دخلوا بطرق غير شرعية، وليس من بينهم أي أحد دخل عن طريق الحدود الرسمية».

وينفي من سألناهم نفيا قاطعا أن يكون المقبوض عليهم من الجنود السوريين الذين فروا إلى لبنان، ويقولون: «هم جاءوا مع عائلاتهم ليأمنوا على حياتهم، وليس من العدل أن يعيده الجيش اللبناني تسليمهم إلى سوريا. هذا معناه أنهم سيقتلون هناك، وهذه جريمة». وحين نسألهم إن كانوا يعرفون السبب يقولون: «هذا يتم بطلب من السلطات السورية، لترهيب كل من تسول له نفسه الفرار إلى لبنان، لقد فعلوا كل ما بوسعهم، لمنع الناس من النزوح بحيث يروون هنا شهاداتهم للصحافة، لكن ما يزال هناك من يتمكن من الوصول ولو بأعداد قليلة، لكن حين يعلم السوري أنه سيلقى عليه القبض في لبنان، يفضل أن يبقى في بلاده، حيث يمكن أن يسجن ويعذب ويترك أما حين يقبض عليه في لبنان ويسلم فنهايته المأساوية معروفة. لذلك يختار أن يبقى في بلده أن كان له الخيار بين النهايتين».

ويقول الشبان وقد علت نبرة الغضب في أصواتهم: «إن النازحين إلى لبنان باتوا بين نارين، نار ما يحدث سوريا، ونار الخوف من تسليمهم واحد بعد الآخر إلى سلطات بلادهم، ليقتلوا».