أوباما يتبنى «أجندة الإصلاح» في الشرق الأوسط.. ويدعو لدولة فلسطينية على حدود1967

الرئيس الأميركي شدد على الاقتصاد وحقوق الإنسان وطي صفحة الحروب.. ورفض القمع

الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء إلقائه خطابا تناول فيه الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في واشنطن أمس (إ ب أ)
TT

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس تبنيه أجندة الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط، مؤكدا على ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي في خطاب مطول عن التغييرات التي شهدتها المنطقة منذ بداية العام الحالي.

وتحدث أوباما عن جهوده لنقل السياسة الخارجية الأميركية إلى مرحلة جديدة بعد «عقد من نزاعين مكلفين»، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة حل النزاع العربي - الإسرائيلي. وبينما تحدث أوباما مطولا عن مستجدات المنطقة، والحلول الأميركية لها والتي تشمل حلولا اقتصادية مهمة، ترك أوباما قضية السلام لنهاية خطابه. وأعلن أوباما عن رؤيته للسلام في الشرق الأوسط، الذي قال إنه يجب أن يكون بناء على «حدود 1967 مع تبادل الأراضي». وفي إشارة واضحة لاسترضاء الحكومة الإسرائيلية، أعلن أوباما ضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية المقبلة «منزوعة السلاح»، بينما حذر القيادة الفلسطينية بأن الولايات المتحدة تراقب تشكيل الحكومة الجديدة بين فتح وحماس.

وأكد أوباما في خطابه، الذي يعتبر نقطة أساسية في وضع السياسة الأميركية الجديدة تجاه المنطقة، على الروابط الكثيرة بين الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط، قائلا: «مستقبلنا مرتبط بهذه المنطقة بسبب قوى الاقتصاد والأمن والتاريخ والإيمان». وأضاف أن إدارته تعمل من أجل «معالجة هذا التغيير لحماية قيمنا وتقوية أمننا». وتحدث أوباما باختصار عن العقد السابق والحربين في العراق وأفغانستان، قائلا: «بعد سنوات من الحرب في العراق، سحبنا 100 ألف جندي من العراق وأنهينا عملياتنا القتالية.. بعد سنوات من الحرب في أفغانستان، نبدأ بسحب قواتنا في يوليو (تموز) المقبل.. وبعد سنوات من الحرب ضد (القاعدة)، ضربنا (القاعدة) وقتلنا زعيمها أسامة بن لادن». وانتقد أوباما بن لادن وفكره، قائلا «إنه رفض الديمقراطية والحقوق للمسلمين من أجل العنف المتطرف». واعتبر أوباما أنه حتى قبل مقتل بن لادن «كانت (القاعدة) تخسر نزاعها وتقل أهمية»، خاصة مع اندلاع الاحتجاجات السلمية والثورات الشعبية. وأوضح أن «القوة الأخلاقية للحركات السلمية خلال أشهر أنجزت أكثر مما استطاع الإرهاب لعقود».

ولم يستبعد أوباما أن يتنحى المزيد من القادة العرب، بعد إشارته إلى تنحي الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، على الرغم من أنه لم يشر إليهما مباشرة. وقال: «لقد تنحى قائدان، وغيرهما قد يتبعهما». وتابع: «في وجه هذه التحديات، الكثير من قادة المنطقة يحاولون أن يوجهوا غضب شوارعهم إلى الخارج، اتهام الغرب، وجعل الغضب تجاه إسرائيل المنفذ الوحيد.. استراتيجية القمع والقسوة لن تفيد بعد الآن.. القنوات الفضائية والإنترنت لن تسمح بذلك بعد». وكرر أوباما في خطابه بمطالبة الجيل الجديد من العرب بـ«الكرامة البشرية» وصيانة الحقوق البسيطة.

وبعض النظر عن القادة، أعلن أوباما أن إدارته ستعمل على بناء الروابط مع شعوب المنطقة وعدم حصرها فقط بـ«النخبة». وبعد أن تحدث الرئيس الأميركي عن بدء الحركات الشعبية العربية في تونس إثر إشعال التونسي محمد بوعزيزي نفسه، قال أوباما: «نحتضن الفرصة بأن نظهر أن الولايات المتحدة تقيم كرامة بائع في الشارع في تونس أكثر من القوة المطلقة للديكتاتور». وأضاف أنه يجب ألا يكون هناك شك في أن «الولايات المتحدة ترحب بالتغيير الذي يدعم تحقيق المصير والفرص»، محذرا في الوقت نفسه من أن هناك «مخاطر تصطحب هذه اللحظة الواعدة». وفي إشارة إلى مساع لتغيير السياسة الأميركية، قال أوباما: «بعد أسابيع من القبول بالعالم كما هو في المنطقة، لدينا فرصة أن نسعى للعالم بحسب ما يجب أن يكون هو عليه».

وأكد أوباما أن واشنطن ستواصل العمل على حماية مصالحها التي عددها بأنها «مكافحة الإرهاب ووقف انتشار الأسلحة النووية وتأمين التجارة الحرة وحماية أمن المنقطة والدفاع عن أمن إسرائيل والسعي لسلام عربي- إسرائيلي». ولكنه أضاف أن هذه ليست كافية «لسد جوع الشعوب» ومشاكلهم، مؤكدا اتباع سياسات جديدة لإثبات أن «مصالح الولايات المتحدة ليست ضد مصالح الشعوب بل تدعمها».

وتحدث أوباما عن قضايا كثيرة منها مشاكل انعدام الثقة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، مشددا على أهمية «كرامة الإنسان» وضرورة تصرف الولايات المتحدة بـ«تواضع». وشدد أوباما على عدم رغبة الولايات المتحدة في خطف الحركات الشعبية في المنطقة، قائلا: «الناس هي التي خرجت للشوارع في تونس».

وحدد أوباما في خطابه 4 مبادئ، هي «رفض استخدام العنف ضد شعوب المنطقة ودعم عدد من المبادئ العالمية منها المساواة بين النساء والرجال وحق اختيار قادتكم وندعم الإصلاحات السياسية». وقال أوباما إن حق اختيار الحكومة المناسبة «حق للجميع إذا كنت تعيش ببغداد أو دمشق أو صنعاء أو طهران». أما المبادئ الأخرى، فهي الإصلاح السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهنا أعلن عن إعفاء مصر عن مليار دولار من ديونها ودفع ذلك المبلغ كاستثمار في مصر، بالإضافة إلى تحديد مليار دولار من ضمانات قروض لمصر. وقال «من الضروري دعم الاستثمار لا فقط المساعدات». وأوضح أن واشنطن ستقدم الدعم الاقتصادي لمصر وتونس أولا ومن ثم إلى دولة أخرى تثبت انتقالها إلى الإصلاح السياسي الحقيقي. وشدد على عزم إدارته بناء آلية للتجارة بين دول المنطقة وتسهيل التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا والمنطقة على المدى البعيد. وشدد على أن «سياسة الولايات المتحدة لدعم الإصلاح في المنطقة ومساعدة الانتقال إلى الديمقراطية، الجهود تبدأ في مصر وتونس»، بما في ذلك تشجيع «انتخابات حرة ومؤسسات قادرة وفعالة وقيادة مسؤولة».

وفيما يخص الدول المحددة، انتقد أوباما الزعيم الليبي معمر القذافي وقال إنه قاد حربا ضد شعبه. وقال: «الوقت يعمل ضد القذافي، المجلس الانتقالي نظم نفسه، العقود من التأجيج ستنتهي عندما يرحل القذافي عن السلطة». أما فيما يخص سوريا، فاعتبر أوباما أن «النظام السوري اختار طريق القتل والاعتقالات العشوائية»، مما دفع واشنطن لفرض عقوبات على النظام السوري والرئيس السوري بشار الأسد. وقال أوباما: «الشعب السوري أظهر شجاعته، أمام الرئيس الأسد أن يقود الانتقال أو أن يخرج عن طريق» الانتقال، أي أن يتنحى. وأضاف: «يجب أن تقف السلطات السورية عن القتل والاعتقالات غير العادلة.. وإلا فإن الرئيس الأسد سيواجه التحديات الداخلية والعزلة الخارجية». وانتقد أوباما إيران مرات عدة في خطابه، قائلا: «حتى الآن سوريا تتخذ نموذج حليفها الإيراني.. إيران تقمع شعبها، وأولى التظاهرات في الشوارع الإيرانية، ما زلنا نسمع النداءات من فوق سطوح المنازل في طهران، ما زلنا نطالب بحقوق الشعب الإيراني».

وشدد أوباما على أهمية المصداقية للأمم المتحدة، موضحا: «لتكون الولايات المتحدة ذات مصداقية، علينا الإقرار بأن أصدقاءنا في المنطقة لا يلتزمون بالإصلاحات»، مشيرا تحديدا إلى اليمن والبحرين. وقال: «نقر بأن إيران تحاول استغلال التطورات في البحرين.. ولكن شددنا علنا وبشكل خاص على أن الاعتقالات والعنف المطلق تتعارض مع حقوق الشعب البحريني». وأضاف: «الطريق الوحيد إلى الأمام هو في الحوار، لا يمكن أن يتم الحوار إذا كان بعض أطراف الحوار في السجن».

ولفت أوباما إلى العراق للتأكيد على أن «الفوارق الطائفية ليست بالضرورة تؤدي إلى النزاع.. الشعب العراقي رفض مخاطر النزاع الطائفي، بالطبع يواجهون التحديات إلا أن العراق يتقدم للعب دور مهم في المنطقة، وسنقف إلى جوارهم».

وترك أوباما القضية الأكثر تعقيدا لنهاية خطابه، وهي القضية الفلسطينية. حيث أقر بأن التوقعات قبل عامين لحل هذه القضية قد أحبطت، ولكنه شدد على ضرورة حل النزاع العربي - الإسرائيلي «الآن أكثر من أي وقت آخر». ووصف الصعوبات الحالية بالقول: «بناء المستوطنات يستمر، الفلسطينيون تركوا المفاوضات، هناك من يقول إنه من غير الممكن التقدم الآن بسبب التغييرات في المنطقة.. ولكن بينما تتخلى شعوب المنطقة عن أثقال الماضي، بات من الضروري أكثر من أي وقت آخر الانتهاء» من هذا النزاع. وعبر أوباما عن رفضه لمحاولات الفلسطينيين التقدم بإعلان دولة فلسطينية إلى الأمم المتحدة، قائلا إنها «لن تحقق إقامة دولة فلسطينية» من خلال عزل الولايات المتحدة إسرائيل.

وشدد أوباما على التزام بلاده بأمن إسرائيل والروابط التاريخية بين البلدين. ولكنه قال إن «على إسرائيل العمل على السلام.. المجتمع الدولي تعب من عملية لا تجلب نتائج»، محذرا إسرائيل من أن «دولة ديمقراطية ومزدهرة غير ممكنة مع احتلال دائم».

وعلى الرغم من أنه قال «لا يمكن فرض السلام من الخارج»، قدم أوباما رؤيته للسلام والتي سماها «أساس واضح للمفاوضات»، وهي العمل على إقامة دولتين «دولة فلسطينية قابلة للعيش وإسرائيل آمنة، الولايات المتحدة تؤمن بأن المفاوضات يجب أن تنتج دولتين بحدود فلسطينية دائمة مع إسرائيل والأردن ومصر وحدود إسرائيلية دائمة مع فلسطين». وأضاف أنه يجب أن تكون الحدود «بين إسرائيل وفلسطين بناء على خطوط 1967 مع تبادل أراض يتم الاتفاق عليه». وأضاف: «يجب أن يكون للشعب الفلسطيني حق حكم نفسه والتوصل إلى قدرته الكاملة في دولة سيادية متكاملة الأراضي»، معتبرا أنه يجب أن تكون دولة فلسطينية «منزوعة السلاح.. مع انسحاب كلي وتدريجي للقوات الإسرائيلية وتولي الفلسطينيين الأمن في دولة سيادية منزوعة السلاح».

واعتبر أوباما أن اتفاق حماس وفتح يثير أسئلة كثيرة.. «في الأسابيع المقبلة على القادة الفلسطينيين تقديم الأجوبة».

وتابع: «أقر صعوبة ذلك، العدائية والتشكيك توارثتهما أجيال بعد أجيال لكن الإسرائيليين والفلسطينيين يريدون النظر إلى المستقبل، هذا هو الخيار، ليس فقط النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، خيار بين الكراهية والأمل، التحرر من أغلال الماضي واختيار المستقبل».

وكان من بين الحضور مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميرال مايك مولن ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون كيري، اللذين دخلا القاعة معا. وكان من اللافت حضور المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط المستقيل جورج ميتشل، والذي ينهي مهامه رسميا اليوم.

وكانت هناك تقارير إخبارية تفيد بأن ميتشل غير راض عن رفض أوباما لتقديم خطة سلام للشرق الأوسط في المنطقة مما أسهم في دفعه للاستقالة، إلا أن وجود ميتشل في القاعة وكونه من أوائل الحاضرين فيها أسهم في تفنيد تلك التقارير. وحضر أيضا رئيس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «يو إس آيد» راجيف شاه. وحضر عدد من السفراء العرب، من بينهم سفراء مصر والإمارات والبحرين واليمن، بالإضافة إلى السفير الليبي السابق سليمان الأوجيلي، والذي أصبح ممثلا للمجلس الانتقالي الليبي في واشنطن. وكان هناك ممثلون للمعارضة السورية أيضا، بالإضافة إلى إسلام شلبي، وهو من تحالف شباب الثورة من مصر.