لاجئون عراقيون يعودون هاربين من عنف سوريا

عائدة: أفضل أن نموت في بلدنا من أن نموت خارجه

عراقيون عائدون من سوريا لدى وصولهم إلى بغداد مؤخرا (أ.ب)
TT

من السهل التعرف على العراقيين الفارين من الانتفاضة العنيفة المشتعلة في سوريا لدى وصولهم بالحافلة إلى بغداد. فهم من يحملون بشكل يبعث على الأسى مجموعة من الممتلكات الشخصية: بطاطين مربوطة بحبال، وتلفزيونات، وقضبان معدنية تعلق عليها الستائر، وصناديق كانت قد امتلأت من قبل بالأغذية القادمة من وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وباتت الآن مملوءة بملابس ولعب أطفال.

قالت زينة إبراهيم (33 عاما)، سيدة حامل وأم لطفلين: «الأفضل لنا أن نموت في بلدنا من أن نموت خارجه».

لقد عادت زينة بصحبة زوجها من دمشق، حيث عاشا منذ 2006. وكان زوجها يعمل ضابطا في الجيش العراقي، وعقب تلقي تهديدات متكررة وحضور جنازات بشكل شبه يومي لضباط من زملائه، قرر الزوجان الفرار إلى سوريا، حيث الأمن والأمان. أما الآن، فلم تعد سوريا ملاذا آمنا. ومع اجتياح الانتفاضات والثورات الشرق الأوسط، بدأ كثير من العراقيين يعودون أدراجهم إلى أرض الوطن.

إنه، حسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» تطور يفصح عن الكثير في ما يتعلق بزيادة الأمان في العراق بقدر ما يشير أيضا إلى تدهور الأوضاع في الدول التي اعتادت أن تنعم بالاستقرار. وقال سلام الخفاجي، وكيل وزارة الهجرة والمهجرين: «مما لا شك فيه أن الوضع في العراق الآن أفضل من الوضع في الكثير من دول المنطقة وقد شجع هذا بعض العراقيين على العودة إلى العراق والعيش في سلام».

ولم يقدر بعد عدد العراقيين المنتظر أن يعودوا، ومن المرجح أن يعتمد على مدى تدهور الأوضاع في المنطقة، خصوصا في سوريا المجاورة، التي قد فر إليها كثير من العراقيين. وتثير هذه الحركة مخاوف بين العراقيين بشأن احتمال تأثير الوافدين الجدد على اقتصاد الدولة والعلاقات الطائفية المتصدعة. وتقدر منظمة الهجرة الدولية عدد العراقيين النازحين إلى الدول المجاورة بنحو مليوني عراقي، بعضهم في الأردن، ومعظمهم مقيم في سوريا، التي سمحت للعراقيين حتى 2008 بالدخول دون تأشيرات.

وذكر الخفاجي أن الوزارة لا تعرف، على وجه التحديد، أعداد العراقيين العائدين من سوريا، غير أن الأدلة المعتمدة على الروايات من المساحة الواسعة، حيث تصل الحافلات قادمة من سوريا، تشير إلى بداية ما يمكن أن يمثل هجرة جماعية في حالة ما إذا تفاقمت الأوضاع بدرجة أكبر.

وذكر مصطفى مناف من «شركة البقيع للرحلات» أنه قد سافر بواسطة رحلات حافلات الشركة عدد يتراوح ما بين 750 إلى 1000 فرد قادمين من سوريا أسبوعيا منذ مارس (آذار)، في حين يسافر في الرحلة المتجهة إلى سوريا نحو 250 شخصا فقط. ويتجه رجال كثيرون إلى سوريا لإحضار زوجاتهم وأطفالهم الذين تم إرسالهم هناك أثناء فترة التمرد، في حين مكثوا هم في العراق لمباشرة أعمالهم.

وذكرت وكالات سفريات أخرى أن عدد المسافرين من بغداد إلى سوريا قد انخفض بنسبة 50 في المائة، بينما زاد عدد القادمين من سوريا إلى بغداد بنسبة 75 في المائة. وأرسلت الكثير من شركات الرحلات حافلات فارغة إلى دمشق لترحيل العراقيين إلى أرض الوطن. ووفقا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عاد 3040 شخصا إلى العراق في يناير (كانون الثاني)، و3250 في فبراير (شباط) و4750 في مارس (آذار). ويربو ذلك على عدد العائدين إلى أرض الوطن في ديسمبر (كانون الأول) حيث بلغ 2220. وباستثناء زيادة عدد الأسر المسيحية التي غادرت منازلها بعد الهجمات على المسيحيين، تشير إحصاءات منظمة الهجرة الدولية إلى أن قليلا من الأسر تغادر العراق الآن. وبعضها يعود من مصر وليبيا واليمن. وتشير وزارة الهجرة في العراق إلى أن 2250 عراقيا قد عادوا من مصر منذ بدء الاحتجاجات هناك في يناير. وقد قامت الحكومة بإجلاء 383 عراقيا من ليبيا، كما تم إجلاء 261 عراقيا من اليمن.

انتقل سالم رحيم مع أسرته المكونة من 5 أفراد إلى ليبيا في التسعينات من القرن الماضي حينما وجدت زوجته وظيفة في إحدى الجامعات. ولكن بعد إقامتهم لأكثر من عقد في طرابلس ومصراتة، نزحوا من هناك حتى من دون الدمى الخاصة بالأطفال، وقد ساعدهم سائق سيارة إسعاف في الفرار من مصراتة، وفي النهاية وصلا إلى تونس، حيث أقلتهما الحكومة العراقية على متن طائرة إلى أرض الوطن. وقال سالم: «تركنا مصراتة لأن الحياة توقفت هناك؛ فقد تضاعفت أسعار الأغذية، ولا توجد حكومة هناك». وقد دمرت السيارتان اللتان تملكهما الأسرة جراء القصف، وأحدثت طلقة من مدفع دبابة ثقبا في شقتهم. وفي وقت ما، كان الزوجان في شدة الخوف إلى حد أنهما خشيا الحديث عبر الهاتف مع أسرتهما في العراق، لأن الحكومة الليبية دأبت على عرض صور على التلفزيون لأناس تم إلقاء القبض عليهم بتهمة التحدث إلى وسائل إعلام أجنبية.

وبينما تحسن الوضع الأمني في العراق بشكل ملحوظ، لم يشهد الاقتصاد أي تحسن. وقد ترك الكثير من العراقيين وظائفهم عند مغادرتهم العراق ولم يكن لديهم أمل كبير في الحصول على وظيفة جديدة في دولة يمكن أن تصل نسبة البطالة فيها إلى 30 في المائة.