جدل في مجلس «شورى طالبان» حول احتمال التبرؤ من «القاعدة»

الجماعتان تعايشتا معا على الرغم من المنافسات واختلاف الأجندات

أفغانية تحمل طفلتها وسط شوارع العاصمة كابل ويبدو في الخلف صورة قائد التحالف الشمالي الراحل أحمد شاه مسعود (أ.ف.ب)
TT

في خطابها إلى العالم، رحبت حركة طالبان بمقتل أسامة بن لادن بوصفه نداء للمقاتلين؛ حادثة قتل من شأنها أن تولد حافزا جديدا «لحركات الجهاد». وبشكل خاص، ربما يتنفس كثير من قادة حركة طالبان الصعداء. وقد دعم الروابط بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان قائداهما - بن لادن والملا محمد عمر – غير أن العلاقة لم تكن مستمرة على الدوام. لقد تعايشت الجماعتان معا على الرغم من المنافسات واختلاف الأجندات. فحركة طالبان حركة جهادية معظم أفرادها من سلالة البشتون تركز على الشكاوى والمظالم داخل أفغانستان؛ أما «القاعدة»، فهي الحركة الإرهابية المؤلفة من أفراد حالمين من مختلف الدول العربية ممن يستهدفون الغرب دوما في عملياتهم الإرهابية. غير أن مقتل بن لادن يمكن أن يعطي لحركة طالبان الحرية لإبعاد نفسها عن تنظيم القاعدة، مثلما أشار مسؤولون عسكريون أميركيون، كما يتيح للجماعة مواصلة المفاوضات مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يمكن لحركة طالبان أن تستلهم أفكارا من مقتل بن لادن وتخفف من وتيرة عملياتها القتالية في ظل حرب يبدو أنها أوشكت على الانتهاء، إذ يطالب مسؤولون أميركيون بتعجيل انسحاب القوات الأميركية بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة.

وفي تصريحاتها منذ مقتل بن لادن في باكستان على يد قوات «السيلز» البحرية الأميركية الخاصة، لم تظهر حركة طالبان أية إشارة تنم عن استعدادها لتجاهل شركائها في تنظيم القاعدة. فقد جاء في أحد تصريحاتها: «لن ينسى الأفغان تضحيات وكفاح أسامة، نصير الإسلام». غير أن كثيرين شككوا في الفائدة الفعلية التي عادت على حركة طالبان من تنظيم القاعدة، خاصة في السنوات الأخيرة. لقد كان عدد المقاتلين في تنظيم القاعدة في أفغانستان يقدر بشكل ثابت بنحو 100 مقاتل أو أقل. وثمة وجود أكبر لتنظيم القاعدة في باكستان، ولكن لا تزال أعداد مقاتلي تنظيم القاعدة أقل بكثير من عدد مقاتلي طالبان المقدرين بعشرات الآلاف والذين يعملون على جانبي الحدود بين البلدين. وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة وحركة طالبان يجمعهما عدو مشترك هو الولايات المتحدة، فإن أوجه الاختلاف بينهما تظل قوية. ويشير مسؤولون عسكريون أميركيون إلى أن السواد الأعظم من مقاتلي حركة طالبان يعملون على مسافة قريبة من منازلهم، ويركزون بالأساس على الشكاوى والتظلمات المحلية لا على الإرهاب الدولي. وقال الكولونيل جوزيف فيلتر، الذي كان رئيسا لفريق ديفيد إتش بيترايوس استشاري مكافحة التمرد في كابل الذي يعمل الآن باحثا بجامعة ستانفورد: «لدى حركة طالبان أجندة مختلفة تماما. فهم معنيون بما يحدث في قريتهم أو مقاطعتهم أو إقليمهم». وأضاف: «فيما يتعلق بابن لادن، كان هناك نوع من الارتباط بحركة الجهاد الأوسع نطاقا. ومع رحيله، سيحدث خلل في توازن القوى». إن الجيل الحالي من مقاتلي طالبان الشباب، الذين كان كثير منهم في سن صغيرة حينما سقط نظام طالبان في نهاية 2001، «لا يتذكرون هذه العلاقة الوثيقة التي ربطت بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة، والتي ما زال بعض من الجيل الأقدم يتذكرها»، على حد قول فيلتر. وأضاف: «لا تربط حركة طالبان الحالية التي قامت منذ 19 عاما أية علاقة حقيقية بتنظيم القاعدة».

من الصعب تقدير حجم دعم تنظيم القاعدة لحركة طالبان أو غيرها من جماعات المتمردين المحلية الأخرى في أفغانستان. لقد أدار تنظيم القاعدة معسكرات تدريبية وزود المقاتلين بخبرات فنية، كما كانت لديه القدرة على جذب المقاتلين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي واسع النطاق. غير أن حجم الأموال التي ربما يكون تنظيم القاعدة قد أمد بها حركة طالبان – حدد تقدير لوكالة «سي آي إيه» في 2009 حجم التمويل السنوي بقيمة 106 ملايين دولار – قد لا يساويه حجم الأموال التي تحصل عليها الحركة من مصادر أخرى مثل عمليات الاغتصاب والاختطاف والاتجار في الأفيون وتجارة الأخشاب والمجوهرات. «إنني أجد صعوبة في تصديق أن تنظيم القاعدة يحمل قدرا أكبر من المصداقية بالنسبة لحركة طالبان ما لم يكونوا قادرين على منح حركة طالبان أي شيء تفتقر إليه، ربما يتمثل في المال أو الأسلحة أو المواد أو ربما الخبرة»، هذا ما جاء على لسان مسؤول أميركي في كابل، والذي تحدث مشترطا عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع. وأضاف: «إذا لم يكونوا يفعلون ذلك، إذن فليس من الواضح ما يفيدون به طالبان». وداخل مجلس قيادة حركة طالبان، المعروف باسم مجلس «شورى كويتا»، هناك جدل مستمر حول ما إذا كان من المحتمل أن يؤدي إعلان التبرؤ من تنظيم القاعدة إلى انقسامات كبيرة. لقد أعرب المحتجزون في أفغانستان للمحققين عن استيائهم من تنظيم القاعدة بسبب تسببه في الغزو الأميركي الذي أسهم في الإطاحة بحركة طالبان. وقال مات شيرمان، مستشار سابق لبيترايوس، في رسالة بريد إلكتروني: «أؤيد الرأي القائل إن التنظيم القاعدة قد أصبح يشكل عبئا أكبر على كاهل الحركة (طالبان) والشبكات الأخرى». وأضاف: «أتساءل عن حجم ما يقدمه تنظيم القاعدة من دعم للعمليات القتالية، في صورة مقاتلين أكفاء ومصادر وأموال». وصرح رئيس سابق للاستخبارات الباكستانية، الجنرال ضياء الدين بوت، لصحيفة باكستانية الأسبوع الماضي أن محمد عمر قد أخبره يوما ما أن بن لادن قد «أصبح لقمة في الحلق إما أن تبتلع أو تطرح خارجا». وأشار بوت إلى أن عمر قد زعم أنه لم يكن باستطاعته قطع العلاقات مع بن لادن، لأنه «يعد رمزا لبطل بالنسبة للبعض من داخل حركة طالبان». في العقد الماضي، كانت العلاقة بين بن لادن والملا عمر – وبين تنظيم القاعدة وحركة طالبان – موضوع تكهنات كثيرة، ولكن لم يتم التوصل سوى لقدر محدود من الحقائق حولها. وخلال فترة حكم طالبان من 1996 إلى 2001، قام المليونير السعودي بتمويل معسكرات تدريب الإرهابيين، ورفض عمر التخلي عنه على الرغم من الضغط الدولي المتزايد. ولاذ الرجلان بالفرار من القصف الأميركي متجهين إلى باكستان. وذكر مسؤولون أميركيون وأفغان أنهم يعتقدون أن بن لادن وعمر كانا يتواصلان خلال هذه السنوات سرا، على الأرجح من خلال الرسائل المبعوثة بواسطة وسطاء.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»