صفارات الإنذار تدوي مجددا في بغداد.. والبعض يرقص على أنغامها

كثيرون تجاهلوها وأحدهم علق ساخرا: لن تفيدنا بشيء.. بل تستثير فينا ذكريات الحرب

TT

بعد توقف دام 8 سنوات عادت صفارات الإنذار المبكر من الكوارث الطبيعية والحروب لتدوي في بغداد أمس عبر إطلاق تجريبي لمنظومة جديدة خاصة بها حملت معها ذكريات عن حوادث لم تمح من أذهان العراقيين.

ودوت صفارات الإنذار في معظم أنحاء العاصمة العراقية عند الساعة الحادية عشرة صباحا لمدة دقيقة واحدة، وسبق دوي الصفارات توجيه ثلاث رسائل للمواطنين عبر المنظومة ذاتها تفيدهم بأن إطلاق صفارة الإنذار المبكر أمس هو عبارة عن تجربة للمنظومة الجديدة لا أكثر. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، كانت السلطات أبلغت العراقيين بالموعد المحدد عشية عملية الإطلاق التجريبي عبر وسائل الإعلام والرسائل الهاتفية القصيرة.

وفي شوارع بغداد التي بدت شبه مقفرة في واحد من يومي العطلة الأسبوعية تفاوتت ردود فعل المواطنين بين من فوجئ بها ووقف يستمع إلى الصفارة وبين من تجاهلها واستمر في عمله أو سيره. واختار آخر أن يهز رأسه وهو يمر من أمام أحد مراكز الدفاع المدني الذي كانت تصدح فوقه صفارة الإنذار، بينما اغتنم ثلاثة شبان الفرصة لتأدية رقصة الدبكة العراقية «على أنغام» الصفارة.

وقال توما (51 عاما) وهو يغسل سيارته في منطقة الكرادة وسط بغداد: «لا نريد أن نتذكر سوى ما هو خير، فلنتجاهل ما كانت تعنيه هذه الصفارة لنا ولنركز على ما يفيدنا». وأضاف أن «الأمور تسير نحو الأفضل، أو على الأقل، نتمنى ذلك».

وفي وقت سابق تقاسم أربعة ضباط وأربعة من رجال الدفاع المدني في غرفة خاصة في المركز الرئيسي للدفاع المدني في منطقة الحارثية (غرب بغداد) المهام المرتبطة بالمنظومة.

وبينما كان أفراد الدفاع المدني يتلقون من مواطنين بلاغات عن حوادث تحت لافتة حمراء كتب عليها «منظومة الإنذار المبكر»، وضع أحد الضباط مفتاحا في جهاز إلكتروني ثم أمر بإطلاق صفارات الإنذار من خلال جهاز كومبيوتر. وركنت قرب مدخل الغرفة شاحنة صغيرة عليها شعار الدفاع المدني العراقي «معالجة وإطفاء وإنقاذ» تحمل في داخلها جهاز كومبيوتر مماثلا يستخدم في حال تعطل الجهاز الأساسي.

وكان مدير الدفاع المدني العام اللواء لطيف كريم مزهر، أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن «هناك 300 صفارة إنذار في الوقت الحالي بينها 126 في أنحاء متفرقة من العاصمة والبقية في مراكز المحافظات». وأضاف «سننشر 700 صفارة إنذار إضافية في مناطق أخرى من العراق في المستقبل القريب». وذكر مزهر أن منظومة الإنذار الجديدة التي بدأت في صناعتها شركة يونانية عام 2009 «أكثر تطورا من المنظومات السابقة»، رافضا الكشف عن تكلفتها. ورفض مدير الدفاع المدني العام الحديث عما قد تثيره هذه الصفارات في أذهان العراقيين من ذكريات عن حروب سابقة. وقال «ليس هناك من استعادة للذكريات، هذه المنظومة جزء من حالة التحضر ومن حالة الأمان التي يجب أن توفرها الدولة للمواطنين».

واستخدمت منظومات للإنذار المبكر في العراق خلال حرب الخليج الثانية التي أعقبت اجتياح العراق للكويت عام 1990، وخلال الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988)، والاجتياح الأميركي عام 2003 بشكل خاص.

وقال أبو شهلاء (62 عاما): «تربيت على هذه النغمة، سمعتها في الثمانينات، وفي التسعينات، وقبل ثماني سنوات». وتابع «نخرج من حرب لندخل في حرب أخرى، هكذا قضينا سنين حياتنا، وهذه الصفارة لطالما كانت العنوان بأننا نتجه نحو الحرب». واعتبر أنه «ليس هناك من أمان أو من حماية، نخرج من منازلنا ونحن نعلم أننا قد نقتل في أي لحظة! هذه الصفارة لن تحمينا، ولن تفيدنا بشيء، إنها فقط تستثير ذكرياتنا وتحرك فينا ما يشبه الحنين إلى حروب لم تنته بعد».

ويؤكد مسؤولو الدفاع المدني أن الغاية من هذه المنظومة ليس التحذير من الحروب فقط، بل إن عملها الرئيسي يتركز على أمور أخرى. ويشير مزهر إلى أن المنظومة الجديدة تشمل أربع نغمات «تحذر من الكوارث الطبيعية والحرائق والتلوث والحروب! إضافة إلى أنها تستخدم للتواصل مع مراكز الدفاع المدني في جميع المناطق، وكذلك لمخاطبة الناس». وهناك نغمة خامسة تعلن انتهاء مرحلة الخطر، وهي النغمة التي أطلقت أمس.

ويتذكر عدي (36 عاما)، وهو يعد فنجان قهوة لبيعه في كشك يملكه، كيف أن «صفارة الإنذار لم تدو منذ عرفها إلا لتعلن عن حرب أو غارة!». وتابع «كنا نركض للاحتماء عندما نسمعها، لكننا نأمل بأن يتغير ذلك اليوم، وأن تستخدم في غير أوقات الحروب». وقال عدي «الصفارة الجديدة ضعيفة، فالصفارة السابقة كانت تهزنا من الداخل والخارج».