النائب المسيحي لحزب «الإخوان»: الوصول إلى الرئاسة ليس من أولويات المسيحيين في مصر

رفيق حبيب لـ «الشرق الأوسط»: المرشد السابق اعتذر عن تصريحات دفع الجزية.. ومن حق المسيحي أو المرأة الترشح للرئاسة

رفيق حبيب
TT

حذر المفكر المسيحي البارز الدكتور رفيق حبيب، الذي أثار جدلا في مصر بانضمامه إلى حزب «الحرية والعدالة» الذي يمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، من غياب الجماعة المسيحية عما اعتبره جزءا مهما من الأحزاب السياسية التي ستلعب دورا في المستقبل، قائلا في حواره مع «الشرق الأوسط» إن غياب الجماعة المسيحية عن الأحزاب السياسية التي تحمل مرجعية حضارية إسلامية سيعمق الخصومة القائمة بالفعل بينها وبين التيار الإسلامي.

وأعرب حبيب، الذي تم اختياره كنائب لحزب الحرية والعدالة للشؤون الخارجية، عن اعتقاده بأن العلاقة بين الكنيسة والدولة في عهد الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، أحرجت الكنيسة وأضرت بالمسيحيين، لافتا إلى أن الكنيسة قبلت تأييد مشروع التوريث، في مقابل السماح لها باحتجاز المسيحيات اللائي يشهرن إسلامهن.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كان رهان الكنيسة على أن هذا النظام قائم وباق، وأنه يحمي المسيحيين من الحركة الإسلامية. لكن بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) تحاول الكنيسة إعادة إنتاج أدوارها بشكل مختلف، وتحاول الابتعاد عن الدور السياسي، وربما تحاول تمرير آراءها من خلال المسيحيين العاملين في الحقل السياسي، وهو أمر مقبول».

وأشار حبيب إلى حاجة المسيحيين المصريين إلى بناء تنظيمات مسيحية شعبية في إطار المجتمع المدني تكون عضويتها قاصرة على المسيحيين، وتوفير إطار لعمل مسيحي منظم خارج إطار الكنيسة يرفع الحرج عن الكنيسة في أن يحدث العمل المسيحي المنظم داخلها.

ورحب حبيب بفكرة إنشاء أحزاب لها مرجعية مسيحية، مؤكدا حق كل إنسان في أن يستمد أفكاره من أي مرجعية. وقائلا: «الحرية في التفكير وتحديد الرؤى السياسية يجب أن تكون حرية كاملة. المهم هو أن يقوم الحزب على برنامج سياسي وتكون عضويته مفتوحة أمام الجميع».

وقال حبيب إن نظام الرئيس السابق قرر الدخول في حرب مع جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموما، وبدأ تخويف الأقباط من الإخوان المسلمين. وكان جزءا من خطه النظام تجييش الكنيسة في مواجهة «الإخوان»، وهو ما ترك تأثيره على عموم المسيحيين. وإلى نص الحوار..

* ما هو تاريخ علاقتك بجماعة الإخوان المسلمين؟ وما سبب انضمامك لحزب الحرية والعدالة؟

- كباحث مهتم بالجماعات الإسلامية كنت على معرفة ببعض قيادات «الإخوان» وعلى حوار معهم منذ أكثر من 20 عاما. وتكثف الحوار بيني وبينهم منذ تولي محمد مهدي عاكف منصب المرشد العام للجماعة. وانضمامي لحزب العدالة والحرية هو شراكة في عمل سياسي مع طرف أعرفه. لقد خلصت من دراساتي إلى أن المجتمع المصري ينتمي للحضارة الإسلامية التي تمثل هويته العامة الجامعة، وتاريخيا كان المسيحيون منتمين لنفس الهوية ولم يكن هناك صراع الهويات الذي نشهده حاليا. والمجتمع المصري في ظل الحرية والديمقراطية سيتجه إلى بناء نظام سياسي من داخل نطاق هويته؛ لذا، سيكون للأحزاب السياسية التي تحمل مرجعية حضارية إسلامية دور مهم.. كل هذا جعلني أرى أنه من الضروري أن أشارك في هذا الحزب، خصوصا أننا في مرحلة فارقة من تاريخ مصر، توجب التواصل بين الجماعة المسيحية والمشاريع السياسية التي تحمل مرجعية حضارية إسلامية. وذلك رغم علمي بأن الجماعة المسيحية ترفض هذا وتعترض على انضمامي للحزب. لكنني أرى أن غياب الجماعة المسيحية عن جزء مهم من الأحزاب السياسية التي سيكون لها دور في المستقبل أمر غير طبيعي وسيخلق خصومة، أو بالأحرى سيعمق الخصومة القائمة بالفعل.

* ألا تعتقد أنه عندما يعلن فصيل سياسي سعيه إلى إقامة نظام إسلامي وتطبيق الحدود، فإن تخوف المسيحيين منه في هذه الحالة يصبح رد فعل طبيعيا؟

- لا.. أنا أرى الخصومة القائمة طوال الفترة الماضية هي نتاج غياب التواصل والحوار، وذلك لأن الحركة الإسلامية كانت محاصرة أمنيا، والنظام السابق كان يبعد المسيحيين عن الحركة الإسلامية، وتم استغلال الآلة الإعلامية في تخويف المسيحيين من التيار الإسلامي حتى يصبح خوفهم مستقرا بداخلهم، وبالتالي يفقدون أي رغبة للتعاون معه.

* لكن هناك أيضا علمانيون وليبراليون يشعرون بالتخوف ذاته تجاه التيار الإسلامي.. كيف تفسر الأمر؟

- أنا أتحدث عن فكرة استغلال الآلة الإعلامية في تخويف المسيحيين، لأن فكرة التخويف تختلف عن فكرة الاختلاف؛ لذلك نجد أن الخوف من التيار الإسلامي منتشر داخل الجماعة المسيحية لأنها جماعة متماسكة، وموجود أيضا بين بعض فئات المسلمين الأكثر تأثرا بالصحف والقنوات الفضائية. في المقابل، هذا التخوف غير موجود بين الفئات الأقل تأثرا بالأداة الإعلامية. وأعتقد أن القضية الحقيقية هي أن التخوف مرض يصيب المجتمع بالفرقة، ويجب علاجه. أما الاختلاف السياسي فأمر طبيعي. الأمر الآخر أن الجماعة المسيحية لديها الآن تخوف من التيار الإسلامي والهوية العربية والهوية الإسلامية والشريعة الإسلامية. وإذا ظلت على هذا الحال فستكتشف أن لديها مخاوف من غالبية المجتمع المصري؛ لذا، أنا من أنصار أن تكون الجماعة المسيحية على حوار مع جميع الأطراف.

* هذا ينقلنا للحوار بين الإخوان المسلمين والأقباط.. إلى أين وصل؟

- في الحقيقة خطوات الحوار محدودة، وتجري بين مجموعات صغيرة في العدد. وبالتأكيد تدرك جماعة الإخوان المسلمين تمام الإدراك أن هناك تخوفا من جانب المسيحيين تجاه التيار الإسلامي، والدخول في خصومة كاملة معه فيه خطر على المجتمع. النقطة الأهم في رأيي هي ما تحاول الجماعة تحقيقه وهو إقامة الحوار في الشارع عبر مشاريع خيرية أو غيرها، وهذا التفاعل ربما يكون طريقنا الآن لمعالجة تلك الهواجس.

* هلا استعرضت لنا تاريخ العلاقات بين الإخوان المسلمين والأقباط؟

- قبل ثورة يوليو (تموز) 1952، أو بالأحرى الانقلاب العسكري، لأن الثورة الحقيقية حدثت في يناير الماضي، كانت العلاقة طبيعية وتقوم على التفاهم. وكانت جميع رموز الكنيسة تحضر مناسبات «الإخوان». والملاحظ أنه كان بمجرد وقوع حادثة عنف طائفي، يجري تبادل خطابات بين الإمام حسن البنا وقداسة البابا رأس الكنيسة الأرثوذكسية. وكان بين المسيحيين من لا يتفق مع فكر جماعة الإخوان المسلمين وهناك من يتفق، لكن لم تكن هناك مخاوف. وهذه هي الصورة المثالية التي نبغي استعادتها. في الخمسينات والستينات، جرى تغييب التيار الإسلامي تماما وتخويف المجتمع منه. وجاءت السبعينات حاملة حالة إحياء ديني على الجانبين المسيحي والإسلامي، لكن لم يحدث خلالها تفاعل كبير بينهما. في الثمانينات، بدأ يحدث تفاعل بين الأقباط والإخوان المسلمين داخل النقابات واتحادات الطلاب بصورة طبيعية وحرة تماما. ومن يعد لخطابات هذا العقد فسيجد تفهما من قبل الكنيسة للشريعة الإسلامية ومرجعيتها. في التسعينات، قرر النظام الحاكم الدخول في حرب مع جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموما، وتم تجييش كل أدوات الإعلام والفن والفنانين أنفسهم في خدمة النظام، وأصبحت معركة ضروس، وتم جزء من التجييش داخل الكنيسة وترك تأثيره على عموم المسيحيين.. وبحلول عامي 1995 و1996 كانت فجوة شديدة العمق قد تكرست بين الجانبين.

* ما هي مظاهر هذه الفجوة؟

- توقف حضور قيادات الكنيسة لمآدب الإفطار التي يقيمها «الإخوان»، ثم توقفت المآدب نفسها. وتوقفت دعوة قيادات «الإخوان» لمآدب إفطار الوحدة الوطنية داخل الكنيسة. وأصبح لدى المسيحيين عشرات المخاوف، الغالبية الكاسحة منها لا أساس لها، وذلك لأن تصور المسيحيين الآن عن الإخوان المسلمين ينطبق فقط على أشد فرق الجماعات السلفية المسلحة تطرفا التي تمثل في النهاية أقلية قليلة للغاية. ومن بين التصورات الخاطئة أن الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، سيفرضون جزية على المسيحيين، وهو أمر غير صحيح.

* لكن هذا القول صدر عن مرشد عام سابق للجماعة بالفعل..

- بغض النظر عن ظروف صدور هذا التصريح، في اليوم التالي صدر بيان من الجماعة تنفي هذا الرأي، وبذلك ردت الجماعة بشكل مهذب بالطبع على مرشدها العام معلنة عدم اتفاقها مع هذا الرأي، والتمست له العذر مؤكدة أنه لم يقصد. وأي قيادي سياسي في العالم تحدث منه زلات لسان. ما أود التأكيد عليه أن الذي يتخوف من وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، تصبح لديه بذلك مخاوف من الكتلة التصويتية الضخمة التي ستصل بهم إلى الحكم، مما يعني أن الانشقاق لن يبقى بين المسيحيين والجماعة، وإنما بينهم وبين عموم المسلمين.

* ألا ترى أن إعلان «الإخوان» رفض ولاية القبطي والمرأة ربما يسهم في تكريس التخوف تجاههم؟

- لا أعتقد، لأن هناك عرفا اجتماعيا سائدا في مصر يقترب من الرأي الذي أعلنه الإخوان المسلمون. وفي تقديري الشخصي، أنه لو ترشح مسيحي للرئاسة، فلن ينجح في الوصول إليها، لأن المسيحيين في مصر يدركون حساسية هذا المنصب، وأن من يتولاه سيواجه قضايا ذات طبيعة دينية؛ لذا أعتقد أن الوصول إلى الرئاسة ليس من أولويات المسيحيين، ولا تشغلهم هذه القضية، وإن ما يشغلهم أنهم يتصورون أن التيار الإسلامي سيجعل كل المناصب القيادية مغلقة أمامهم، وأنه سيتم منع بناء الكنائس، وأن المساواة بين المسلمين والمسيحيين أمام القانون ستنتهي، وهذا غير حقيقي. إنني ألاحظ – كباحث - أن رئيس الدولة في مصر يقوم بمهام دينية منذ أيام الفراعين حتى الآن، هذا يعني أنني في مجتمع يعد الدين المنظم الرئيسي له، وبالتالي لا يمكن فصله عن النظام السياسي.

* فكرة صعوبة وصول مسيحي إلى الرئاسة يتفق عليها كثيرون، لكن إعلان فصيل سياسي رفضه ترشح مسيحي من الأساس للرئاسة.. ألا يمثل تكريس التمييز على أساس الدين؟

- هذا الرأي يحمل فهما خاطئا، أما الفهم الصحيح فهو أن جماعة الإخوان المسلمين قالت إنها عندما ترشح هي شخصا للرئاسة فسيكون فيه هذه الشروط، لكن من حق الجميع أن يترشحوا، بمن فيهم المسيحي أو المرأة، ومن ينتخبه الشعب سنحترمه ونلتزم برأي الشعب. الأمر الآخر، أنه بالنسبة لحزب الحرية والعدالة، لم يطرح هذا الأمر داخل الحزب، انطلاقا من قناعة الإخوان المسلمين بأن هذه القضية أثارت حساسيات. وعليه، أغلقت هذه القضية وأصبحت رأيا فقهيا يخص الجماعة، لا يخص حزب الحرية والعدالة ولم يوضع في برنامجه، وإن كانت هذه القضية قد أعطيت أكبر من حجمها من اهتمام إعلامي.

* هل هذا يعني أنه من الوارد أن يرشحك الحزب في انتخابات الرئاسية؟

- الوضع بالنسبة للحزب يختلف حسب الظرف، فمثلا الانتخابات الرئاسية المقبلة حمل الحزب نفس الوعد الذي قطعته جماعة الإخوان المسلمين على نفسها بعدم تقديم مرشح رئاسي؛ وبالتالي لم تناقش هذه القضية من الأساس.

* في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أعرب القيادي «الإخواني» البارز كمال الهلباوي عن اعتقاده بأن مصر قادرة على استيعاب حزب ذي مرجعية مسيحية على غرار الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بشرط فتح العضوية أمام الجميع، هل تتفق مع هذا الرأي؟

- أتفق تماما مع هذا الرأي، ففكرة المرجعية تعني أن الشخص الذي يضع برنامج الحزب لديه خلفية معينة يستمد منها آراءه، ولكل إنسان الحق في أن يستمد أفكاره من أي مرجعية. والحرية في التفكير وتحديد الرؤى السياسية يجب أن تكون حرية كاملة. المهم هو أن يقوم الحزب على برنامج سياسي وتكون عضويته مفتوحة أمام الجميع.

* هل تعتقد أن مصر قد تشهد بالفعل في الفترة المقبلة ظهور حزب ذي مرجعية مسيحية؟

- في الواقع لدي توقع آخر، وهو أن أي حزب يحمل مرجعية مسيحية سيكون معبرا عن أحد الاختيارات والبدائل داخل الرؤية المسيحية، فهو إما أن يكون أميل إلى الليبرالية أو أميل إلى المحافظة. وإذا وضعنا برنامجا سياسيا يقوم على مرجعية مسيحية فسيختار منها الخيارات المحافظة، وسيكون مثله مثل برنامج حزب الحرية والعدالة، وهذه هي النقطة التي غابت عن الكثيرين الآن، وهي أن البرامج السياسية المحافظة، أيا ما كانت مرجعيتها الدينية، متداخلة ومتشابهة إلى حد بعيد. من بين الأدلة على ذلك في الواقع السياسي الغربي أن المسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة يؤيدون، في معظمهم، الحزب الجمهوري المستند إلى تيار اليمين المسيحي، لأن سياساته الداخلية تناسبهم تجاه قضايا مثل الإجهاض والمثليين، وهو الأمر المتوقع تكراره في مصر لولا حالة الاحتقان الديني والشق الذي حدث في مصر. وبوجه عام، أعتقد أنه لو ظهرت أحزاب ذات مرجعية مسيحية فستكون إضافة مفيدة سيشعر بداخلها المسيحي بنوع من الألفة.

* ألا تعتقد أن إنشاء حزب له مرجعية مسيحية من شأنه زيادة حالة الاستقطاب في المجتمع؟

- في البداية، يجب أن يكون المبدأ العام هو الحرية للجميع. بعد ذلك، ستكون الأهمية الكبرى للحكمة في التصرف، فمثلا إن من يستلهم أفكاره من المسيحية يجب أن يقدمها باعتبارها تعبر عن الجميع، ويجب أن يقدم أفكاره في صورة تعتمد على القيم المشتركة.. والحل حتى لا يحدث نوع من التراشق أن نعمل من داخل الأطر المشتركة، وهو ما يعني؛ أولا: أن نجعل الهوية العامة التي تتفق عليها غالبية المجتمع هويتنا جميعا. ثانيا: أن تتحالف جميع القوى والتيارات سواء الليبرالية أو العلمانية أو المحافظة. واللافت هنا أن الكتلتين الوحيدتين اللتين لم يحدث بينهما تواصل في مصر هما المسيحي المحافظ والمسلم المحافظ، في حين أن الليبراليين يتعاونون بيسر؛ لذا يجب سد هذا الشق لنصل إلى حالة طبيعية تقوم على هوية مشتركة مع وجود اختلافات سياسية.

* وجود أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية تساعد على رأب الصدع أم تعميقه؟

- أنا لدي رؤية مستمدة من التاريخ، أرى فيها أن المسيحيين المصريين في حاجة ماسة إلى بناء تنظيمات مسيحية شعبية في إطار المجتمع المدني تكون عضويتها قاصرة على المسيحيين وتكون مهتمة بشؤون المسيحيين وقضاياهم الأساسية.. مثل هذه الكيانات ستوفر إطارا تنظيميا للمسيحيين يستطيعون من خلاله رعاية جميع القضايا الخاصة بهم، علاوة على توفير إطار لعمل مسيحي منظم خارج إطار الكنيسة، ويرفع الحرج عن الكنيسة في أن يحدث العمل المسيحي المنظم داخلها، كما أن وجود جماعات مسيحية منظمة وجماعات إسلامية منظمة سيتيح لهذه الجماعات إقامة جسر تواصل بينها والتصدي لجميع أحداث الفتنة. بجانب ذلك، فإن علاج القضايا الخاصة بالمسيحيين من خلال تنظيمات شعبية أفضل منه من خلال الأحزاب، لأن الحزب يجب أن يكون اهتمامه موجها لكل الشأن السياسي العام.

* ما تقييمك للعلاقة بين نظام مبارك والكنيسة؟

- تقليديا، كانت الكنيسة دوما على علاقة جيدة بالدولة إداريا. بالتأكيد فضلت الدولة في ظل النظام السابق أن يكون كل المسيحيين كتلة واحدة تمثلهم الكنيسة، وأن تكون الكنيسة المعبر السياسي عنهم، وفضل الأقباط أن تكون الكنيسة هي الحامية لهم، وقيادات الكنيسة أيضا فضلت القيام بهذا الدور كوسيط بين الجماعة المسيحية والدولة، وبالتالي كل الأطراف اتفقت على هذا الوضع. وكان رهان الكنيسة على أن هذا النظام قائم وباق، وأنه يحمي المسيحيين من الحركة الإسلامية، كما أن النظام علاقته جيدة بالغرب مما يسمح بتمرير الضغوط من الغرب على النظام.. بالطبع أسقطت ثورة 25 يناير كل هذه المعادلات. الآن، تحاول الكنيسة إعادة إنتاج أدوارها بشكل مختلف، وتحاول الابتعاد عن الدور السياسي، وربما تحاول تمرير آرائها من خلال المسيحيين العاملين في الحقل السياسي، وهو أمر مقبول ومسموح به.

* هل ترى موافقة الكنيسة على معادلة النظام السابق تسببت في عزلة المسيحيين عن الحياة السياسية؟

- بالتأكيد، لقد تعرضت الجماعة المسيحية لعزلة اختيارية، وأصبحت غير متفاعلة مع المجتمع؛ لذا عندما جاءت الثورة وأصبح الشارع مفتوحا أمام الجميع، اكتشفت الجماعة المسيحية أنه ليست لديها روابط بالشارع. أتصور أن العلاقة بين الكنيسة والدولة أحرجت الكنيسة وأضرت الأقباط.

* وكيف ترى المشهد بعد الثورة؟ هل يمكن أن تستعيد الكنيسة هذا الوضع؟

- بالطبع لا.. ما دمنا أمام تداول سلمي للسلطة، فلم يعد هناك مجال لمثل هذه العلاقات بين الكنيسة والنخبة الحاكمة. الطريق الوحيد أمام المسيحيين الآن هو الاندماج في المجتمع.

* هل تتفق مع مقولة أن المسيحيين مضطهدون في مصر؟

- للمسيحيين بالتأكيد مشكلات ومظالم، لكن كلمة اضطهاد أعتبرها خطأ، لأنها تعني أن الجماعة المسلمة قررت التخلص من الجماعة المسيحية تماما، وهو غير صحيح. على رأس المشكلات قضية بناء الكنائس، ورغم الشروط الجائرة لبناء الكنائس، كان النظام أحيانا يصدر عشرات التراخيص دفعة واحدة عندما تكون علاقته جيدة مع رأس الكنيسة، ويمنعها عندما تسوء العلاقة. والمطلوب قواعد محددة تنص على أن المنطقة التي توجد بها كثافة مسيحية معينة ولا يوجد بها كنيسة، يصبح من حقهم بناء كنيسة، لكن أعتقد أن المشكلة الأخطر أمام المسيحيين هي انتشار التعصب في المجتمع المصري منذ سبعينات القرن الماضي حتى الآن. والتعصب ينتشر دوما عندما يكون المجتمع ضعيفا، ودائما ما يضر التعصب أكثر بالأقلية. حسب قناعتي، دخل المجتمع المصري في مرحلة ضعف حقيقي بعد هزيمة 1967، مما أفرز التعصب ضد الآخر، وتعمد النظام السياسي تكريسه.

* لكن هذا الأمر لا يزال قائما حتى الآن؟

- لدي رؤية معاكسة، قبل 25 يناير، كان المجتمع المصري في طريقه إلى واحد من 3 احتمالات؛ الأول: حرب طائفية، والثاني: حالة فوضى وعنف عشوائي وثورة جياع، والثالث: انتفاضة شعبية، وهو ما حدث. ومن حسن حظ المجتمع المصري أن الثورة التونسية اندلعت في اللحظة التي وصل فيها إلى أقصى درجات التأزم والقابلية للانفجار. أما ما نشاهده الآن هو أحد الأعراض الجانبية للثورة.

* ملف التحول الديني سبب فتنا طائفية لا تزال متفجرة حتى الآن.. ما تقييمك لأسلوب تعامل الكنيسة مع هذا الملف؟

- هذا ملف حدثت فيه تحولات جذرية، كان في البداية عندما يتحول المسلم إلى المسيحية لا يمكنه تغيير ديانته في البطاقة الشخصية، ثم مع قضية وفاء قسطنطين ظهر تحول جديد هو أن الكنيسة أو الجماعة المسيحية أصبحت تمنع من يريد الخروج عنها. وبذلك أصبحنا أمام إشكالية، وأصبح لدينا ملف آخر ملتهب، يجب أن يتولى حله أطراف مجتمعية ورسمية وقانونية. كان المسيحيون يرون في البداية أن عدم السماح بالتحول إلى المسيحية غبن، الآن أصبح الغبن متبادلا. العلاقة بين الكنيسة والنخبة الحاكمة السابقة أنتجت أوضاعا غير منطقية، فمقابل تأييد الكنيسة التوريث، أصبح بمقدورها تسلم مسيحيات واحتجازهن داخل مبان تابعة لها وكأنها سلطة ضبط وحجز. وبالتالي أصبحت العلاقة خارج أي نطاق منطقي أو قانوني، مما أفرز تعقيدات هائلة.