أوباما يناقض نهج أبرز معاونيه الصديق لإسرائيل

العاهل الأردني قال في اجتماع مغلق إن روس يقدم نصائح خاطئة إلى البيت الأبيض

صورة أرشيفية لمستشاري الرئيس الاميركي باراك اوباما عندما كان مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة وهم من اليسار: ريتشارد دانزيغ (الامن القومي)، وفيل غوردن (السياسة الخارجية)، وويندي موريغي (الامن القومي)، ود. سوزان رايس (السياسة الخارجية)، ودينيس روس (ملف الشرق الاوسط)، وديفيد آكسيلورد ( مدير السياسات الاستراتيجية)، اثناء زيارة اوباما لمقر رئيس الحكومة البريطانية في عام 2008 (أ.ف.ب)
TT

منذ خمسة أيام، خلال اجتماع مغلق مع مجموعة خبراء في شؤون الشرق الأوسط ومسؤولي الإدارة الأميركية وصحافيين، قدم الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، تقييمه للصورة التي ينظر بها العرب إلى الجدل المثار داخل إدارة أوباما، حول إلى أي مدى يمكن دفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات لتحقيق السلام مع الفلسطينيين.

وأشار ملك الأردن، بحسب كثيرين كانوا موجودين في غرفة الاجتماع، بقوله: «تلقينا ردود فعل جيدة» من وزارة الخارجية الأميركية، وأيضا من البنتاغون بالمثل، «ولكن ليس من البيت الأبيض، ونحن نعلم أن السبب في ذلك هو دينيس روس، كبير مستشاري الرئيس أوباما في شؤون الشرق الأوسط». وأعرب الملك عبد الله عن اعتقاده بأن روس «يعطي نصائح خاطئة إلى البيت الأبيض».

ووفقا لمعظم الروايات، فإن دينيس روس، الذي عمل مبعوثا خاصا للشرق الأوسط في عهد 3 رؤساء، والمعروف بقدرته على وضع المنهجيات الدبلوماسية بأسلوب تدريجي ومثابر في الشرق الأوسط بالطريقة التي تجنب الإدارة الأميركية تغيير قواعد اللعبة، هو حليف إسرائيل في البيت البيض وأحد أكثر الشخصيات تأثيرا وراء الكواليس في المدينة.

وفي بعض الأحيان تتناقض استراتيجيته بشكل حاد مع استراتيجية الرئيس الأميركي الذي لديه رغبة وعزم على رفع مكانة الفلسطينيين إلى مكانة مماثلة لتلك التي يتمتع بها الإسرائيليون.

ولكن الآن، مع بدء الرئيس الأميركي نهجا يضعه مجددا في خلاف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المتحفظ، فإن السؤال هو: ما قدر الخلاف الذي يرغب الرئيس في إحداثه ليس فقط مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإنما أيضا مع مستشاره للشرق الأوسط الذي اختاره بنفسه؟

إن البيت الأبيض لن يوضح أي صف أخذه روس (62 عاما) في بيان الرئيس يوم الخميس الذي ذكر فيه أن حدود إسرائيل ما قبل 1967 – التي تم تعديلها لتتوافق مع الاحتياجات الأمنية لإسرائيل والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية - يجب أن تشكل أساس تسوية وليدة مفاوضات. ولم يرد روس على طلبات التعليق لهذا المقال. ويقول أصدقاؤه والمقربون منه إن لديه اعتقادا منذ وقت طويل مفاده بأن مفاوضات السلام لن تكلل بالنجاح ما لم تنسق الولايات المتحدة جهودها بدقة مع الإسرائيليين.

وفي الوقت الذي جاء فيه رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حادا على بيان أوباما، فإن الحقيقة هي أن النهج الذي طرحه أوباما يوم الخميس كان أكثر اعتدالا بكثير مما أيده بعض مستشاريه في البداية.

وخلال الجدال المحتدم داخل الإدارة الأميركية على مدار الأشهر الماضية، أوضح روس أنه كان معارضا لفكرة قيام أوباما بالضغط على إسرائيل بوضع خطة أميركية شاملة تهدف إلى التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين، بحسب مسؤولين شاركوا في النقاش حول هذا الموضوع.

وقد أيد جورج ميتشل، الذي كان مبعوثا خاصا للرئيس أوباما في الشرق الأوسط، جنبا إلى جنب مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، الاقتراح الأميركي الشامل الذي سيضم الحدود والأمن ومستقبل القدس واللاجئين. غير أن روس أبدى اعتراضه، على حد ذكر مسؤولين بالإدارة الأميركية، مشيرا إلى أنه ليس من الحكمة أن تظهر الولايات المتحدة كما لو كانت تعلن عن قطع علاقاتها مع إسرائيل.

وينظر نتنياهو وأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة إلى روس باعتباره مفتاحا أساسيا لكبح جماح ما ينظرون إليه باعتباره تعاطفا مع وجهات النظر المؤيدة للقضية الفلسطينية من جانب ميتشل (مبعوث أوباما السابق لعملية السلام)، ومستشار الأمن القومي الأول السابق للرئيس الجنرال جيمس إل جونز، بل وحتى الرئيس أوباما نفسه.

وقال أبراهام إتش فوكسمان، المدير الوطني لمنظمة مكافحة التشهير وصديق روس: «بدءا بميتشل وجونز، كانت هناك أكثرية من المستشارين ممن أبدوا تعاطفا أكثر مع الجانب الفلسطيني عن الجانب الإسرائيلي».

ويعد روس أبرز كبار أعضاء حلقة الدبلوماسيين الأميركيين الذين قدموا استشاراتهم لرؤساء أميركيين بداية من رونالد ريغان. وعلى عكس كثير من أقرانه، فقد عمل روس بنجاح في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية.

«ينظر إلى دينيس باعتباره شخصية ذات شأن تسحر وزراء الخارجية والرؤساء»، هذا ما قاله أرون ديفيد ميلر، خبير في شؤون الشرق الأوسط عمل معه في عدة إدارات ويقول إنه من معجبيه. وأضاف قائلا «غير أنه في نهاية المطاف يكون الرئيس هو من يتخذ القرارات النهائية».

وتحدث دينيس ماكدونو، نائب مستشار الأمن القومي قائلا «دينيس يضيف للمحادثة إدراكا للأهمية الحيوية للسلام بالنسبة لجميع الأطراف، ولكن أيضا للولايات المتحدة. وهو يكرس قدرا كبيرا من حياته المهنية عادة بصور لتحقيق تقدم في هذا الشأن».

وبدأ روس عمله في إدارة أوباما كأحد كبار واضعي السياسات الخاصة بالعلاقات مع إيران في وزارة الخارجية. ولكن في صيف 2009، بعد أشهر قليلة من توليه وظيفته في الوزارة، انتقل روس إلى البيت الأبيض، حيث احتفظ بتخصصه في الشأن الإيراني وتولى دورا أوسع نطاقا أتاح له المشاركة في تشكيل رد فعل أوباما تجاه الثورات في العالم العربي.

وقد تزامن انتقاله للعمل في البيت الأبيض مع المواجهة بين البيت الأبيض ونتنياهو حول بناء المستوطنات الإسرائيلية. وبمرور الوقت، حسبما يشير مسؤولون بالإدارة الأميركية، تولى روس دورا أكبر في التأثير على سياسة التعامل مع الصراع العربي - الإسرائيلي. وفي سبتمبر (أيلول) 2009، تخلى أوباما عن إصراره على تعليق بناء المستوطنات في مواجهة الاعتراض من قبل الجانب الإسرائيلي.

وقال فوكسمان: «لو كان دينيس روس من ضمن الحلقة المقربة في الأيام الأولى، لما وقعت الإدارة في ذلك الخطأ الجسيم فيما يتعلق بقضية المستوطنات. فقد كان سيقول: (لا تفعلوا هذا).».

وفي وقت ما في البيت الأبيض، لعب روس دورا على قدر كبير من الأهمية، على حد ذكر مسؤولين بالإدارة، ليس فقط بسبب علاقته الوثيقة بنتنياهو، ولكن أيضا لعلاقته القوية بإسحاق مولكو، كبير مفاوضي السلام الإسرائيليين في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وقد أظهر روس نفوذه المتزايد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقتما كانت الإدارة تضغط على نتنياهو للموافقة على مد قرار تعليق بناء المستوطنات لثلاثة أشهر أخرى. ورفض نتنياهو.

لذلك، قام روس بإعداد حزمة ضخمة من الحوافز لإسرائيل، شملت 20 طائرة مقاتلة أميركية وضمانات أمنية أخرى ووعدا أميركيا بمعارضة قرارات الأمم المتحدة بشأن سيادة الدولة الفلسطينية. وأعرب كثير من محللي شؤون الشرق الأوسط عن دهشتهم من أن الإدارة ستقدم الكثير لإسرائيل في مقابل إجراء يتم اتخاذه لمرة واحدة، وهو مد فترة تعليق بناء المستوطنات 90 يوما.

وفي النهاية، أوقف أوباما جهده المبذول في هذا الشأن، مستنتجا أنه حتى إذا أقنع نتنياهو وزارته بالموافقة على مد فترة التعليق، فمن غير المحتمل أن تحقق التقدم في المحادثات، الذي تأمله الولايات المتحدة. سرعان ما انتهت المحادثات المباشرة بين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ووضع عباس خططا للتوجه إلى الأمم المتحدة في سبتمبر للتصويت على سيادة الدولة الفلسطينية.

وفي أبريل (نيسان)، أرسل ميتشل خطاب استقالة إلى أوباما. وقال أحد المسؤولين العرب إن ميتشل كثيرا ما كان يلوح للفلسطينيين بروس بوصفه مثالا لمن يمكنهم أن ينتهوا إليه إذا ما ترك منصبه. ووفقا لبعض الروايات، فإن أحد أسباب استقالته هو عدم قدرته على الوصول إلى اتفاق مع روس.

وقال ديفيد روثكوف، مسؤول سابق بإدارة كلينتون، الذي كتب عن مجلس الأمن القومي: «أراد ميتشل شيئا أوسع نطاقا وأكثر نظرا للأمام، ويبدو أن دينيس يتخذ موقفا أكثر تقليدية».

غير أنه يتعين على أوباما، كما قال روثكوف، أن يضع في اعتباره الحقائق الناشئة في العالم العربي، ومن بينها الفكر الشعبي الجديد الذي ولدته الحركة الديمقراطية التي ربما تدفع حكومات لم تكن تتخذ موقفا عدائيا تجاه إسرائيل، مثل حكومتي مصر والأردن، إلى الإصرار على دعم القضية الفلسطينية.

وقال: «ربما تكون التجربة مفيدة، لكنها يمكن أيضا أن تمثل عقبة في طريقة رؤية الأمور بصورة جديدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»