قدرة السوريين على العودة إلى الشارع رغم حملات القمع والترويع.. أدهشت الكثيرين

معارض سوري: ما كان الشارع يقبله أمس لن يقبله غدا

جنود سوريون يرفعون علم بلادهم فوق أحد المواقع المستحدثة في قرية العريضة القريبة من الحدود اللبنانية أمس (أ ب)
TT

نزل الآلاف من السوريين إلى الشوارع في كافة المناطق بمختلف أرجاء البلاد يوم الجمعة، فيما تبدو وكأنها إشارة على زخم جديد وتحول خطير محتمل في ثورة بدأت قبل تسعة أسابيع. ويقول نشطاء إن القوات الأمنية قتلت 26 شخصا، على الأقل، وجرحت مئات من المواطنين.

ويبدو أن قدرة المتظاهرين على التكيف مع الأوضاع والعودة إلى الشوارع قد أدهشت الجميع بما في ذلك النشطاء أنفسهم. وكان مفاد الرسالة التي جاءت من كثير من المظاهرات الممتدة من العاصمة السورية دمشق إلى أقصى الشرق وصولا للمدن التي كانت هدف عمليات قمع شديدة، أن قتل المئات واعتقال الآلاف لن يعوق معارضة حكم استبدادي استمر على مدار أربعة عقود. وكان أحد الشعارات يقول: «لا حوار مع الدبابات والجنود».

وكان هناك علامات تنذر أيضا باحتمالية نشوب خلافات عرقية واندلاع أعمال عنف في اختبار لحكومة أسست شرعيتها على وعد بالاستقرار. وقد فاقمت الاضطرابات من توترات عرقية داخل سوريا، التي تحتوي على أغلبية سنية وتشكيلة كبيرة من الأقليات الدينية والعرقية تضم مسيحيين وأكرادا وعلويين وطوائف مسلمة أخرى.

ونشبت بعض من أسوأ الاضطرابات على خلفية خلافات بين سنة وعلويين في مدن بانياس واللاذقية وحمص. وتشير تقارير، لم يتسن التأكد منها، إلى حدوث عمليات اغتيال لأفراد في الأمن وسقوط دماء على خلفية خلافات طائفية.

وبالنسبة للأقليات والطبقة الوسطى ونخبة قطاع الأعمال، فقد نبهت الحكومة إلى أنه إما «هي أو الفوضى». ولكن يقول محلل مقيم في دمشق إن القمع ربما يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار. وقال المحلل، طالبا عدم ذكر هويته بسبب المخاطر التي يطرحها الموقف حاليا: «إذا لم يكن في مقدورك استعادة الاستقرار، يصبح الأمر (نحن والفوضى)».

يُذكر أنه خلال الأسبوع الحالي قامت إدارة أوباما بزيادة الضغوط على الرئيس بشار الأسد، الذي وصفه مسؤولون أميركيون في وقت قريب خلال شهر مارس (آذار) الماضي بأنه إصلاحي. وفرضت الإدارة عقوبات عليه وعلى ستة مسؤولين بارزين آخرين، وحذر مسؤولون أوروبيون من أنهم قد يفرضون المزيد من العقوبات الأسبوع المقبل. وفي خطاب أوباما يوم الخميس، استخدم بعض أشد المفردات التي استخدمها حتى الآن في التعليق على الإجراءات الصارمة، وقال إن الأسد أمامه الاختيار. وأضاف: «يمكنه أن يقود هذا الانتقال، أو التنحي جانبا».

ووفقا لمختلف التقارير، فقد أبدت الحكومة عزمها على الاستمرار في إجراءاتها الصارمة، على الرغم من أنها قدمت عرضا مشوبا بالحذر يدعو لإجراء حوار مع بعض الشخصيات المعارضة. وحملت الحكومة عصابات مسلحة مسؤولية أعمال العنف يوم الجمعة، وقال نشطاء إنها عبأت الجيش في مدينة أخرى وهي معرة النعمان، كما شنت حملة أخرى من الاعتقالات داخل بانياس.

وفي مختلف أنحاء البلاد كانت هناك علامات على اضطراب في عمل القوات الأمنية المعروف بأنها غير خاضعة للمساءلة. وفيما استخدمت بعض القوات المدافع وأطلقت القذائف في الهواء، قامت قوات أخرى بإطلاق النيران على المحتجين في أماكن مثل حمص، وهي مدينة في وسط سوريا تبدو كنقطة تحد لسلطة الأسد معرة النعمان، وهي مدينة في الشمال تعتبر، مثل حمص، مدينة هامة للمسلمين السنة والعلويين.

وداخل مدينة على الحدود مع العراق، قال سكان محليون إن محتجين أضرموا النيران في مبنى تابع للإدارة المحلية، واقتحموا سجنا وحرروا معتقلين كانوا داخله. وفي المنطقة الأكثر اضطرابا داخل حمص، يقول نشطاء إنهم رفعوا أعلاما تعود إلى ما قبل حكم عائلة الأسد.

وعلى الرغم من هجوم الجيش على بانياس، على ساحل البحر المتوسط، عاد الآلاف إلى الشوارع هناك، في إشارة إلى أنه بمجرد انسحاب الدبابات ستجد الحشود طريقا لتنظيم المزيد من الاحتجاجات.

ويقول وسيم طريف، المدير التنفيذي لمنظمة «إنسان» الحقوقية السورية، إنه قابل شبابا تعرضوا للتعذيب قبل أيام قليلة. وكان أحدهم يقود الاحتجاجات يوم الجمعة في بانياس، وقد اقتلعت أظافره. وقال: «لم يعد في مقدورهم تخويف المواطنين، هذا دليل ولكنهم لم يستوعبوه. لم تعد الإجراءات الصارمة تؤتي ثمرتها».

ويقول مسؤولون سوريون إن الحكومة لديها اليد العليا، ويشيرون إلى أن الإجراءات الصارمة يمكن أن تجلب الهدوء في نهاية المطاف. وقال الأسد نفسه في مقابلة مع صحيفة سورية هذا الأسبوع إن الاضطرابات سوف تنتهي قريبا.

ولكن حذر نشطاء وشخصيات معارضة من أن المأزق الحالي بين حكومة عاقدة العزم على القمع واحتجاجات لا تزال صغيرة نسبيا ولكنها مستمرة قد يكون خطيرا، مع تزايد التوترات الطائفية وورود تقارير عن لجوء بعض المحتجين إلى السلاح. ويقول البعض إن الوقت ينفد. ويقول لؤي حسين، وهو معارض قابل مسؤولين حكوميين: «كلما استمرت هذه الأزمة، طالت المدة التي ستأخذها الحكومة حتى تعترف بشرعية المتظاهرين ومطالبهم، ومن ثم كبرت الفجوة بين الاثنين». وأضاف: «ما كان الشارع يقبله أمس، لن يقبله غدا. أخشى من كافة السيناريوهات لأن الشارع يحكم الواقع».

وقبل أشهر قليلة، كان الأسد يحظى بشعبية نسبية داخل سوريا، حيث كانت تنتشر قصص عن لمساته الإنسانية التي تنم عن قربه من المواطنين العاديين وقيادته سيارته الشخصية وتردده على المطاعم الشعبية مع عائلته. وفي الأسابيع الأخيرة ظهر تيار غضب عميق موجه ضد الأسد.

* خدمة «نيويورك تايمز»