اليمن: صالح يهدد بشبح الحرب الأهلية بعد رفضه التوقيع على المبادرة الخليجية

أنصار النظام اليمني يحاصرون الوسطاء في السفارة الإماراتية بصنعاء.. وكلينتون: «يجب عليه نقل السلطة».. والمعارضة «ستقتلعه»

جانب من احتفالات أقامها المناوئون لنظام الرئيس صالح بمناسبة ذكرى إعادة توحيد اليمن في صنعاء أمس (أ ب)
TT

غادر الوسطاء الخليجيون العاصمة اليمنية صنعاء، مساء أمس، بعد أن تراجع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن وعده بتوقيع المبادرة الخليجية، وفي خطاب تلفزيوني، هدد الرئيس اليمني بحرب أهلية، في حين وقع حزبه والأحزاب الصغيرة الموالية له المبادرة، ودخل النظام اليمني، أمس، في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، وذلك بعد أن حاصر أنصار الرئيس علي عبد الله صالح الوسيط الخليجي، الدكتور عبد اللطيف الزياني، وعدد من السفراء العرب والأجانب داخل مبنى السفارة الإماراتية، بصنعاء، في إشارة إلى تأييد النظام ورفض التوقيع على المبادرة الخليجية، وبعد أن رفض الرئيس صالح التوقيع على اتفاق المبادرة الخليجية للمرة الخامسة في غضون الشهرين الماضيين.

وهدد الرئيس علي عبد الله صالح بحرب أهلية في البلاد، وحمل أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) مسؤولية جر البلاد إلى تلك الحرب.

من جانبه، وقع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وحلفاؤه من أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي على المبادرة الخليجية، إثر الأحداث التي شهدتها البلاد، أمس، لكن الرئيس علي عبد الله صالح رفض التوقيع عليها إلا بحضور المعارضة، وقد غادر وفد الوساطة الخليجية العاصمة دون توقيع صالح، وهو الأمر الذي لا يجعل المبادرة الخليجية قابلة للتنفيذ لأن الشخص المعني بها لم يوقعها، وقالت مصادر رسمية إن التوقيع تم في دار الرئاسة بحضور الرئيس علي عبد الله صالح ورئيس حكومة تصريف الأعمال، الدكتور علي محمد مجور، وقد وقع المبادرة «كل من النائب الثاني لرئيس المؤتمر الشعبي العام، الدكتور عبد الكريم الإرياني، والأمناء المساعدين للمؤتمر الشعبي؛ صادق أمين أبو رأس، والدكتور أحمد عبيد بن دغر، والدكتورة أمة الرزاق علي حمد، ورئيس مجلس التحالف الوطني الدكتور قاسم سلام».

وقال أحمد عبد الله الصوفي، سكرتير الرئيس اليمني للشؤون الإعلامية في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن: «المعارضة وقعت على الاتفاقية في مقيل (جلسة خاصة) عند باسندوة، وهذا اتفاق دولي فيه أطراف دولية وإقليمية وداخلية وكان على المعارضة التوقيع على الاتفاق في مكان رسمي تابع للدولة اليمنية، وليس في مكان خاص»، وأضاف الصوفي: «المعارضة يفترض أنها ستكون شريكا في حكومة الوحدة الوطنية التي سترث مؤسسات الدولة؛ فكيف لا ترغب في التوقيع على الاتفاقية في دار الرئاسة حين يقول محمد قحطان الناطق باسم المعارضة: نحن لن نوقع في قصره».

وكانت المعارضة اليمنية قد حذرت الرئيس علي عبد الله صالح من أن الثورة «ستقتلعه» إذا لم يوقع على المبادرة الخليجية التي تنص على تنحيه، بينما قام أنصار الرئيس بقطع طرقات رئيسية رفضا للمبادرة بموازاة تحرك قد يكون الأضخم للمحتجين المطالبين بإسقاط النظام.

وقال المتحدث باسم المعارضة اليمنية، محمد قحطان، لوكالة «فرانس برس» إنه «إذا لم يوقع صالح (على المبادرة) فالثورة ستقتلعه وتطرده من السلطة، وسيخرج منها مذموما مذلولا».

وشهدت العاصمة اليمنية صنعاء وباقي المحافظات أحداثا أمنية غير مسبوقة منذ اندلاع ثورة الشباب المطالبة بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح، حيث قامت قوات الأمن وقوات الحرس الجمهوري ومجاميع البلطجية وغيرهم من الموالين للنظام، بقطع الطرقات وتقطيع المدن إلى أوصال، أولا لمنع وصول حشود غفيرة من المواطنين إلى عواصم المدن للاحتفال بالذكرى الـ21 لقيام الجمهورية اليمنية (الوحدة)، وثانيا في صنعاء من أجل حصار الوسطاء الخليجيين والغربيين داخل سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة.

وقال شهود عيان إن مجاميع من مؤيدي صالح حاصروا السفارة الإماراتية المجاورة للسفارة السعودية بشارع الدائري الجنوبي في صنعاء، حيث كان يوجد بداخلها الدكتور عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الذي يقود الوساطة الخليجية لحل ما يوصف بالأزمة في اليمن، الذي عاد إلى صنعاء، مساء أول من أمس، وباشر إجراءات توقيع المبادرة الخليجية بتوقيع المعارضة في تكتل أحزاب «اللقاء المشترك» عليها.

وحسب مصادر دبلوماسية في صنعاء، فإنه تم نقل أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وسفراء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهم من السفراء الوسطاء، من مبنى السفارة الإماراتية المحاصر بواسطة مروحيات عسكرية إلى دار الرئاسة اليمنية، في وقت طالبت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة اليمن بحماية سفاراتها بصنعاء، جاء ذلك في اتصال هاتفي بين وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ونظيره اليمني، الدكتور أبو بكر القربي، وقالت مصادر إماراتية إن أبوظبي طالبت صنعاء بتأمين وحماية سفارتها والعاملين فيها، حسبما تنص عليه القوانين والتقاليد الدبلوماسية.

وكانت الأوساط اليمنية والدولية تنتظر أن يفي الرئيس علي عبد الله صالح بوعده بتوقيع اتفاق المبادرة، الذي ينص على أن يتنحي الرئيس اليمني في غضون 30 يوما، من التوقيع بعد أن يمنح ضمانات قانونية بعدم الملاحقة القضائية، إلا أن صالح، وقبيل موعد التوقيع بوقت قصير، انتقد مسألة توقيع المعارضة قبله «في غرف مغلقة»، كما قال، وطالب بأن يتم التوقيع بصورة مشتركة وفي زمان ومكان واحد.

من جانبها، جددت الولايات المتحدة الأميركية التأكيد على ضرورة أن يوقع الرئيس صالح المبادرة الخليجية، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون إنه «يتوجب على الرئيس صالح الالتزام بنقل السلطة»، وأضافت، في رسالة تهنئة للشعب اليمني بمناسبة ذكرى قيام الوحدة: أنه أيضا «يجب على الحكومة اليمنية أن تستجيب إلى إرادة الشعب المشروعة»، وقالت: «إنها مناسبة خاصة للاحتفال مع العائلة والأصدقاء بتكريم تاريخكم العريق، وشاب هذا الاحتفاء المرور بهذه الأوقات العصيبة، التي يتم فيها قمع الأصوات اليمنية وقتل المدنيين الأبرياء في جميع أنحاء البلاد»، وإن الولايات المتحدة «ستواصل دعم الشعب اليمني، وهو يعمل نحو يمن موحد ومستقر وديمقراطي لمستقبل مزدهر. وإننا نواصل الدعوة في الانتقال السلمي للسلطة بحيث يتسنى للمواطن اليمني في أحد الأيام من تحقيق طموحاته».

ودخل اليمن، أمس، في فوضى من قبل من يوصفون بأنصار النظام المسلحين، حيث لم تتوقف الفوضى عند محاصرة السفارة الإماراتية، بل امتدت إلى محاصرة السفارة القطرية في حي «شيراتون» بصنعاء، وقام المسلحون بقطع الطرقات المؤدية إلى «ساحة التغيير» بصنعاء والساحات الأخرى في باقي المحافظات، كما قاموا بقطع الطريق الذي يربط بين العاصمة صنعاء ومحافظتي تعز وعدن، والذي يمر بعدد من المحافظات الأخرى، حيث تجمهر المسلحون في منطقة «قحازة»، حيث توجد إحدى النقاط الأمنية المهمة، التي يشرف عليها الحرس الجمهوري، وبحسب شهود عيان، فإن المسلحين ينتمون لمنطقة سنحان التي ينتمي إليها الرئيس علي عبد الله صالح، وهي ذات النقطة الأمنية التي احتجزت، خلال اليومين الماضيين، عددا من الصحافيين والنشطاء الحقوقيين.

واحتفل اليمن، أمس، بالذكرى الـ21 لقيام الوحدة اليمنية بين شطري البلاد الشمالي والجنوبي، واحتشد مئات الآلاف من اليمنيين في ساحة شارع الستين بالعاصمة صنعاء لإحياء الذكرى لأول مرة من دون مشاركة رسمية من قبل الرئيس علي عبد الله صالح، وجاءت تلك الحشود على الرغم من القيود الأمنية التي فرضت على مداخل ومخارج «ساحة التغيير»، وجرى التأكيد، في الاحتفال، على وحدة الشعب اليمني ووجهت انتقادات للنظام بتجزئة اليمن ووحدته الوطنية عبر سياساته، حسب المعتصمين والمتظاهرين.

وكانت اللجنة العامة (المكتب السياسي) للمؤتمر الشعبي العام الحاكم، انعقدت، أمس، برئاسة صالح، وأكدت، في بيان صادر عنها، أنه «في الوقت الذي يتم فيه الترحيب بالمبادرة لحل الأزمة والمدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، فإنه يؤكد على ضرورة الالتزام بها كمنظومة متكاملة غير قابلة للانتقاء والتجزئة، وفي إطار آلية تنفيذية مزمنة وواضحة، وفي مقدمتها إزالة عناصر التوتر السياسي والأمني وضمان النهج الديمقراطي التعددي واحترام الدستور، وبما يحول دون أن تؤدي تلك المبادرة إلى خلق أزمة أكثر خطورة وتعقيدا».

وأقر الاجتماع «ضرورة أن تجري مراسم التوقيع على اتفاقية المبادرة في القاعة الكبرى بالقصر الجمهوري، وبحضور كل الأطراف السياسية المعنية بالتوقيع؛ المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي، وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي وسفراء الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وسفراء الدول الصديقة والشقيقة المعتمدين لدى بلادنا، ووسائل الإعلام، وبما يجعل من هذه المناسبة حدثا تاريخيا يجسد الحكمة اليمانية والحرص على تجنيب الوطن الفتنة وإراقة الدماء، التي أكد دوما الأخ رئيس الجمهورية الالتزام بها من منطلق استشعاره العالي بمسؤوليته الوطنية وحرصه على الوطن وسلامته وعلى منجزات الشعب ومكتسباته التي حققها في ظل مسيرة الثورة اليمنية 26 سبتمبر (أيلول) و14 أكتوبر (تشرين الأول)»، وأشار إلى أن «أي توقيع في الغرف المغلقة لا يمكن الاعتراف به ويعكس نوايا سيئة تجاه المبادرة والالتزام ببنودها».

وعقد، أمس، اجتماع موسع لقيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان اليمنية، وحسب مصادر رسمية، فقد ناقش الاجتماع «عددا من القضايا المرتبطة بجوانب البناء العسكري والجاهزية القتالية والفنية لوحدات القوات المسلحة»، ووقف «المجتمعون أمام التطورات الراهنة في الساحة الوطنية، وما يمر به الوطن من أزمة تستهدف الأمن والاستقرار وإثارة الفوضى وأعمال التخريب»، وكذا «الجهود المبذولة للخروج من هذه الأزمة بما يضمن الحفاظ على وحدة الوطن وأمنه واستقراره»، وأكدوا «تأييد القوات المسلحة للقيادة السياسية فيما تتخذه من إجراءات للخروج من الأزمة الراهنة، وما يجنب الوطن الانزلاق إلى الفوضى والتخريب والدمار».

واعتبر وزير السياحة اليمني المستقيل، نبيل الفقيه، وهو أول من دعا صالح إلى إجراء انتخابات مبكرة في اليمن قبل أن يستقيل، أن ما يحدث من حصار للوسطاء الخليجيين والسفراء الأجانب «يعتبر وصمة عار علينا كيمنيين، والكل يجب أن يعي أن الإساءة إلى الإخوة الأشقاء والأصدقاء ستنعكس سلبا على اليمن بشكل عام، وعلى الرئيس علي عبد الله صالح إن كان يعي أن يقوم بذلك» بشكل خاص، ولعل الجميع كان، ولا يزال، يؤمل في المبادرة وفي الوسطاء الخليجيين لإخراج البلاد مما تعانيه؛ حيث أشفق الجميع على اليمن، حتى أعداؤه، وينشد القريب والبعيد لليمن السلام والاستقرار، فمن العار أن يقابل الجميل بالتصرفات اللامسؤولة.

وأضاف، فيما يخص دعوة الرئيس إلى انتخابات رئاسية مبكرة: «يجب أن نعترف بأن الوقت قد أزف للقبول بمثل هذا الطرح، لو أن الأخ الرئيس أخذ بما قُدم إليه من البداية وأعلن قبوله بالانتخابات المبكرة لاستطاع أن يسحب البساط ويكسب الوقت لصالحه ولصالح الوطن، كما قلت الوقت أزف والقبول بالمبادرة الخليجية بصيغها المختلفة جعل الكل ينظر إلى مغادرة الرئيس كرسي الحكم من باب الوساطة الخليجية وليس من الباب الذي كان يوما ما بيده، ليس بمقدور الرئيس اليوم القيام بتنفيذ ما دعا إليه من انتخابات مبكرة، ولعل ما يحدث الآن من شد وجذب ونظرة أحادية للحل هو ما سيفاقم الأوضاع في اليمن.. التغيير مقبل لا محالة، إلا أن الإخراج النهائي للتغيير بالطرق السلمية المشرفة للرئيس هو ما يجب أن يعيه الأخ الرئيس وأركان النظام، على أن الخروج من هذه المحنة بالشكل السلمي والآمن، ما زال بيد الأخ الرئيس الذي يجب أن يدرك أن ما كان متاحا بالأمس أصبح غير متاح اليوم».