حرب بين الحكومة والفلاحين على الأراضي في الهند

السلطات تتسلح بقانون من فترة الاستعمار.. وعناد المزارعين يوقف مشاريع بعشرات مليارات الدولارات

مزارع يتظاهر ضد إقامة مشاريع صناعية على أرضه في مدينة بوبانيسوار شرق الهند (أ.ب)
TT

يخوض الفلاحون في الهند صراعا مع الحكومة، التي تحاول إشباع النهم الذي لا يتوقف للأراضي من أجل الصناعة والبنية التحتية والمساكن الحضرية.

فلم يعد يجدي النهج الذي دأبت الحكومة على انتهاجه المتمثل في مصادرة الأراضي وفق قانون يعود لفترة الاستعمار البريطاني مقابل دفع تعويضات بسيطة للفلاحين ثم إجبارهم على الاستسلام لذلك. فقد توقفت مشاريع بعشرات مليارات الدولارات نتيجة رفض الفلاحين المدعومين من السياسيين والقنوات الإخبارية التي نقلت رفضهم.

ويقول المؤرخ والمعلق السياسي ماهيش رانجاراجان: «هناك عملية تصنيع ضخمة تجري حاليا في الهند، تعد الثانية من حيث التوسع في العالم بعد الصين، لكن الأفراد الذين تغتصب أراضيهم هنا هم يشاركون في الانتخابات».

عملية التصنيع على هذا النطاق، في ديمقراطية تنافسية وبشكل مكثف في عصر المعلومات، لم يسبق له مثيل في العالم - دولة يبلغ عدد سكانها 1.1 مليار نسمة تنافس للحصول على معدل سريع من التنمية الاقتصادية يسير بمعدل يزيد على 8 في المائة.

لكن المزيج كان أكثر تفجيرا عبر حقيقة أن الكثير من أفضل الأراضي الخاصة بالصناعة والبنية التحتية أرض خصبة وذات كثافة سكانية عالية وقريبة من المدن والطرق وموارد المياه - أي أنها نوعية من الأراضي التي لا يرغب المزارعون في فراقها. ففي شرق الهند شرعت شركة «بوسكو» الكورية الجنوبية في شراء الأراضي هذا الأسبوع من المزارعين - بعد مواجهة مكثفة استمرت لمدة خمس سنوات مع المزارعين - لبناء مصنع للصلب بتكلفة 12 مليار دولار. وعلى الرغم من ذلك لم يتخل الناشطون عن الأمل في عرقلة المشروع والزعم بالتواطؤ الجنائي بين الشركة والحكومة والاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة.

هناك الكثير من المشاريع الأخرى التي كانت أقل حظا والتي لم يسلط عليها الضوء بهذه الكثافة، فخطط شركة «تاتا موتورز» لبناء أرخص سيارة في العالم في سنغور بغرب البنغال فشلت في عام 2008 عندما شكا الفلاحون من أنهم تعرضوا للضغط وسلبت منهم أرضهم. وكان على شركة «سالم» الإندونيسية أن تتخلى عن خططها لإنشاء مصنع للكيماويات في نانديغرام في غرب البنغال أيضا بعد مقتل 14 شخصا في الصدامات بين الشرطة والمزارعين.

أرسلت هاتان الحادثتان موجات صادمة في الأوساط السياسية الهندية. فقد حكم الحزب الشيوعي غرب البنغال لمدة 34 عاما لكن العنف الذي صاحب مصادرة الأراضي في سنغور ونانديغرام قلل من الدعم السياسي للحزب. وهو ما جعل ماماتا بانرجي التي تبنت قضية الفلاحين في إزاحة الشيوعيين عن السلطة لتصبح أول سيدة تنتخب رئيسة للوزراء في الإقليم. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تكون فيها الأراضي عاملا حاسما في الانتخابات العامة الهندية.

ويقول براون ميترا، مدير معهد الحرية وخبير قضايا الأراضي، مشيرا إلى أن قضية غرب البنغال ستترك تأثيرها على قضايا الأراضي الأخرى البلاد: «هذا أكبر نذير سياسي تشهده الهند منذ سنوات، فهذه هي المرة الأولى التي ينظر الأفراد فيها إلى الأراضي على أنها حق لهم».

يذكر أن قانون مصادرة الأراضي لعام 1894 وضع الحكومة في مركز عملية مصادرة الأراضي، ومنحها حق انتزاع ملكية الأراضي للاستخدام العام أو الشركات. وقد تركها ذلك كحكم في المنافسة بين الصناعة والزراعة، وهو حكم غالبا ما يحصل على حصة من الأرباح عندما تصادر الأراضي.

لكن المزارعين لم يعودوا يقبلون بعدم حيادية الحكم ورفضوا استكمال المباراة وفق هذه القوانين. ومع تزايد الإحباط من كلا الطرفين يتفق الجميع الآن على أن القواعد لا بد أن تتغير لكن التساؤل الذي يفرض نفسه هو كيف؟

وقد وعدت سونيا غاندي، رئيس حزب المؤتمر الحاكم، أن تقدم الحكومة تشريعات جديدة إلى البرلمان في القريب العاجل.

ووفق أحد المقترحات الجديدة، ستتخلى الحكومة عن الكثير من سلطاتها في الاستحواذ على الأراضي وتترك لأصحاب المشاريع الصناعية والمطورين العقاريين مهمة التفاوض مع أصحاب الأراضي من الفلاحين بصورة مباشرة.

ويرى كايوشيك باسو، كبير المستشارين الاقتصاديين في وزارة المالية الهندية، أن مشكلة إيجاد الأراضي الصالحة لإقامة مشاريع صناعية تعيق قطاع التصنيع في الهند. وأن هناك إمكانات كبيرة للنمو إذا ما أمكن تيسير هذه العملية.

ويقول: «سيزيد هذا بالطبع من الطلب على القوى العاملة ويساعد على الاستقرار السياسي، وهذه قضية بالغة الأهمية لأنها إحدى القضايا المحورية».

وأشار ميترا إلى أن المقترحات خطوة في الطريق الصحيح لكن لا يزال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به للسماح لقوى السوق بتحديد السعر الأنسب للأراضي. فعلى سبيل المثال فإن سجلات الأراضي في الهند في حالة من الفوضى، إذ لم يتم القيام بمسح شامل للأراضي في الدولة منذ الاستقلال عام 1947.

ويثير هذا الأمر قلق أصحاب الشركات الصناعية الذين أوضحوا أنهم ليسوا في موقف للفصل بين شخص يزعم ملكية الأرض بناء على ورقة من عدة عقود وحتى قطعة قماش، وبين شخص يشغل ويزرع هذه الأرض منذ تلك الفترة تقريبا. ويقول تشاندراجيت بانيرجي، المدير العام لاتحاد الصناعات الهندية، في بيان له إن «أي محاولة من جانب الحكومة لنقل هذه المهمة المتشعبة إلى الصناعة دون تطوير النظام سيكون لها تأثير سيئ على التنمية والاقتصاد بشكل عام في البلاد». وفي قرى بهاتا وبارساول، التي تبعد ساعة بالسيارة عن نيودلهي، أُبلغ الفلاحون بأن عليهم أن يفسحوا المجال لشق طريق سريع جديد وإقامة مشاريع تنمية صناعية. لكن المشكلات نشبت بعدما اكتشفوا أن أراضيهم تم الحصول عليها لأغراض سكنية بدلا من الاستخدام الصناعي، وهو ما يجعل قيمتها تزيد أضعاف الأسعار التي قدمت لهم. وتقاسمت الحكومة وشركات الإنشاءات كل الأرباح.

بلغت الاحتجاجات ذروتها خلال الاجتماع العلني في قطعة غير معبدة من الأراضي الواقعة على أطراف بهاتا في 7 مايو (أيار)، حيث قال الفلاحون إن الشرطة أطلقت النار على الحشود وقتلت ثلاثة أفراد، وهو ما أدى إلى وقوع حالة من الفوضى في كلتا القريتين حيث تعرضت النساء للضرب وأحرقت المنازل وأعلاف الماشية والسيارات، فيما قالت قوات الشرطة إن اثنين من جنودها قتلا خلال الاشتباكات.

واليوم تحاط القريتان بمئات من رجال الشرطة المسلحين والحافلات والشاحنات متوقفة عند كل تقاطع والضباط وقوات مكافحة الشغب يقفون في كل مكان. وعندما يدخل رجال الشرطة القرية يتفرق السكان في المنازل والشوارع الجانبية في الحال.

وفي بهاتا يقوم باوان كومار، 32 عاما، مع أشقائه الثلاثة بكسب عيشهم من زراعة القمح والبقول والأرز وقصب السكر، وقال إن الحكومة وعدتهم بالحصول على قطعة أرض جديدة ووظائف، لكن أيا من هذا لم يتحقق في الوقت الذي لم يكف فيه المال الذي حصل عليه، لشراء قطعة أرض أخرى. وقال: «أكثر ما يمكننا عمله بالنقود هو بناء منزل صغير أو أن ندفع تكاليف زفاف أحد أفراد الأسرة. ثم ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»