في هضبة الجولان.. الأعين تتطلع بلهفة نحو الشرق

حيث يمتزج الولاء القوي لسوريا بالخوف من حكومة يترأسها بشار الأسد في دمشق

اجتماع لأفراد عائلة مقسمة على جانبي الحدود بين اسرائيل وسوريا («نيويورك تايمز»)
TT

حتى دخول خدمات الإنترنت إلى هذه القرية من قرى الدروز الخاضعة لحكم الاحتلال الإسرائيلي بهضبة الجولان، في أواخر التسعينات من القرن الماضي، اعتاد السكان الذهاب إلى منطقة معروفة باسم «تل الصراخ»، واستخدام مكبرات الصوت في التواصل مع أقربائهم عبر الحدود في الوطن الأم سوريا. ومن النقطة المرتفعة بقرية مجدل شمس، تطل قرية سورية من خلف منحدر التل عبر الوادي، التي تفصلها عن دمشق 40 دقيقة بالسيارة.

في هذه المنطقة منذ أسبوع مضى، اخترق نحو 100 فلسطيني يعيشون في سوريا الحدود الفاصلة، وتدافعوا إلى مجدل شمس في مظاهرة، احتجاجا على الاحتفال بالذكرى السنوية لقيام إسرائيل، وأزمة اللاجئين الفلسطينيين الذين يطالبون بحق العودة. ولقي أربعة أشخاص مصرعهم هنا، حينما فتحت القوات الإسرائيلية النيران في منطقة الحدود، مما قضى على حالة الصمت التي سادت هذه المدينة لأكثر من ثلاثة عقود، وسلط الضوء على المستوى الدولي على هذه القرية التي طالما اتسمت بالهدوء، والواقعة بالقرب من جبل حرمون.

ولكن بالنسبة للعرب البالغ عددهم نحو 20 ألفا، المنتمين إلى طائفة الدروز الدينية ممن يعيشون في قرية مجدل شمس والقرى المجاورة، تعد هذه منطقة تابعة لسوريا، مع أن إسرائيل قد احتلت هذه البقعة الاستراتيجية منذ حرب 1967، وفرضت القانون الإسرائيلي بها.

وأثناء الشهرين منذ اندلاع الانتفاضة في سوريا، انشغل الدروز في منطقة هضبة الجولان، وانقسموا على خلفية الأحداث الجارية على الجانب الآخر من الحدود.

وقد جعلت وسائل الاتصال الحديثة التواصل مع الأقارب أكثر سهولة، غير أنها لم تساعد في التقليل من درجة تعقيد حقيقة ملتوية بالأساس. فهنا، يمتزج الولاء القوي لسوريا بالخوف من حكومة يترأسها بشار الأسد في دمشق، ولدى السكان مشاعر متضاربة حول القدر النسبي من الحريات التي يتمتعون بها في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

قال سلمان فخر الدين (56 عاما)، أحد المدافعين عن حقوق الإنسان بالمرصد؛ المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان في مجدل شمس: «لا يمكننا الحديث عن السياسة مع أقاربنا على موقع (سكايب) أو عبر الهاتف أو على شبكة الإنترنت»، وأضاف: «لست بحاجة لأن تكون على قدر كبير من الذكاء لكي تدرك السبب».

ومن بين العدد المحدود من السكان هنا ممن هم على استعداد للحديث علانية لدعم الانتفاضة في سوريا شفاء أبو جبل (25 عاما)، الناشطة التي تساعد في نشر أخبار عن المظاهرات والقمع الوحشي لها، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لا يستخدم أي من المعلقين أسماءهم الحقيقية.

وتقول أبو جبل، خريجة جامعة حيفا في شمال إسرائيل، حيث درست القانون والاتصالات، إن أكثر من 15 شخصا من هضبة الجولان شاركوا في هذا الجهد. وأشارت إلى أنه، نظرا لأن إسرائيل مجتمع مفتوح، «نتمتع جميعا بإمكانية الدخول على جميع المواقع الإلكترونية»، غير أنها أضافت أن المؤيدين للأسد على موقع «تويتر» قد اتهموا النشطاء بأنهم عملاء لإسرائيل.

ويقول السكان إن غالبية الدروز في منطقة هضبة الجولان منقسمون بين أولئك الذين يؤيدون حكومة الرئيس الأسد، وأولئك الذين لا يرغبون في المشاركة.

ومن أسباب تأييد الأسد إدراك حقيقة أن كل شيء يجري في الجولان سرعان ما يتنامى إلى علم السلطات في دمشق، والخوف على مئات الآلاف من الدروز داخل سوريا، والمخاوف بشأن ما يحتمل حدوثه لهم إذا تم الاستبدال بالقيادة الحالية قيادة الإخوان المسلمين السنة.

ولم تكن طائفة الدروز، التي تمارس شعائر دينية سرية في الأغلب، والتي عادة ما توصف بأنها منبثقة عن الطائفة الإسماعيلية، قد عانت بشدة تحت حكم الأسد، الذي ينتمي إلى طائفة دينية أخرى من طوائف الأقلية وهي طائفة العلويين. وكان أحد الدوافع الأخرى لعدم معارضة النظام هو أن نحو 800 طالب من منطقة هضبة الجولان يدرسون في الجامعات السورية مجانا. وعاد نحو 20 طالبا إلى أرض الوطن مؤخرا في ظل ترتيبات خاصة بسبب الاضطرابات داخل سوريا.

وفي حالات عدة، ظلت المواقف السياسية الحقيقية للناس غامضة تماما، وفي أغلب الأحيان يشير الناس هنا إلى أن 10 في المائة من طائفة الدروز بالجولان متعاطفون بشكل واضح مع المتظاهرين في سوريا. وفي هذا المجتمع المتحفظ، يواجهون خطر النفي من دون محاكمة. ويعرب كثير من سكان منطقة الجولان عن أنهم ضد العنف وإراقة الدماء، بينما يتفق آخرون مع الرأي الحكومي الرسمي في دمشق، قائلين إن المتطرفين الإسلاميين من الدول الأخرى هم من يجب أن يلقى عليهم اللوم.

وفي منتصف أبريل (نيسان)، احتشد عدد صغير من السكان بهدوء في ساحة مجدل شمس تضامنا مع المتظاهرين في سوريا، وقالت أبو جبل: «لم ننبس ببنت شفة، ولكننا حملنا لافتات». ونظم أنصار الأسد مظاهرة أضخم في بقعاتا، إحدى القرى المجاورة. وبعد مقتل جندي من الدروز تابع للجيش السوري في حمص، أقام أهله في ماسادا، قرية أخرى في الجولان، نصبا تذكاريا.

وقد اختارت نسبة تقل عن 10 في المائة من الدروز بهضبة الجولان الجنسية الإسرائيلية. ويقول كثيرون إن شعورهم بالانتماء إلى سوريا، حتى بعد أكثر من 40 عاما من الاحتلال الإسرائيلي، ليس موضع شك. فهم يرون أنهم سوريون، أيا كان الجانب الذي هم فيه.

وقال نايف الدين، صاحب متجر في ماسادا: «السياسات لا تعنينا. نحن سوريون، بصرف النظر عمن يحكمنا».

«نحن في سوريا الآن. لقد عشنا حياتنا بأكملها فيها»، هكذا قال عطا فرحات (39 عاما)، الذي يعمل بشركة إنتاج تلفزيوني محلية في مجدل شمس وأحد أقوى أنصار الأسد.

وتقدم شركة الإنتاج التلفزيوني أخبارا وصورا من هضبة الجولان لمحطات التلفزيون السورية في الأغلب، وأحيانا لبعض المحطات الإسرائيلية.

درس فرحات في دمشق من 1995 إلى 2002، وقال إنه قد تم اعتقاله من قبل السلطات الإسرائيلية في طريقه للعودة، بسبب أنشطته السياسية أثناء فترة الدراسة، وتم سجنه لمدة عام. وذكر أنه بعد عمله في محطة التلفزيون السوري، أمضى ثلاث سنوات في سجن إسرائيلي بتهم التخابر مع عملاء العدو، وتم إطلاق سراحه بعد بضعة أشهر.

أما أحد زملائه الآخرين، الصحافي حماد عويضات (28 عاما)، وهو واحد من أنصار الأسد الآخرين، فقد درس تكنولوجيا المعلومات في سوريا، ثم سافر إلى جامعة تل أبيب لدراسة هندسة البرمجيات. ويمتلك عويضات جواز سفر إسرائيليا يفيد بأن محل ميلاده هو إسرائيل، وجنسيته «غير محددة».

* خدمة «نيويورك تايمز»