القمة تبدأ الخميس بحضور الزعماء الثمانية واجتماع اللجنة الرباعية المؤجل

قادة العالم الثمانية يبحثون في دوفيل قضايا السلام وتطورات «الربيع العربي»

TT

تفتتح بعد غد (الخميس) في منتجع دوفيل البحري (شمال غربي فرنسا) قمة الثماني للدول الأكثر تصنيعا، وسط إجراءات أمنية وعسكرية صارمة لحماية مقر المؤتمرات الدولي، الذي سيستضيف زعماء أهم بلدان العالم، فضلا عن رئيس الاتحاد الأوروبي، ورئيس المفوضية الأوروبية، والأمين العام للأمم المتحدة، ورؤساء 8 دول أفريقية (دول «النيباد» وثلاث دول أفريقية عرفت انتخابات ديمقراطية مؤخرا) ورئيسي وزراء مصر وتونس، ممثلين لـ«الربيع العربي»، ومسؤولي المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وعلى الرغم من أن القمة الـ37 مخصصة أساسا للمواضيع الاقتصادية والمالية العالمية، فإن وجود هؤلاء الزعماء (الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، اليابان، إيطاليا، كندا) في دوفيل سيجعل قمتهم بمثابة «مجلس إدارة» لشؤون العالم ولقضاياه الساخنة، وعلى رأسها التحولات الجارية في العالم العربي، وتحديدا في ليبيا وسوريا واليمن وموضوع السلام في الشرق الأوسط والإرهاب والنووي الإيراني، وصولا إلى أفغانستان وباكستان.

ورجحت مصادر دبلوماسية فرنسية أن تشهد دوفيل اجتماعا للجنة الرباعية الدولية المؤجل لمتابعة ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، للاستفادة من فرصة وجود الأطراف الأربعة (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا).

وسبق لواشنطن أن مارست ضغوطا على اللجنة لتأجيل اجتماع أول في باريس منتصف مارس (آذار) الماضي، ثم منتصف شهر أبريل (نيسان). وفي أي حال، سيكون الملف موضع تشاور خلال عشاء العمل للقادة والمسؤولين الدوليين في دوفيل.

وترى باريس أن أربعة أسباب رئيسية (على الأقل) تجعل هذا الملف ملحا، وهي تباعا: الضغوط التي تمارسها تحولات العالم العربي الديمقراطية، وصعوبة الدفاع عن الجمود القائم على صعيد النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، والمصالحة الفلسطينية والحاجة لتحديد موقف منها ومن مشاركة حماس في السلطة، والموقف الأميركي «الجديد» الذي برز في خطابين أخيرين للرئيس الأميركي أوباما، وأخيرا استحقاق سبتمبر (أيلول) المقبل، وعزم السلطة الفلسطينية على مطالبة الجمعية العامة بالاعتراف بدولة فلسطين.

وتريد فرنسا الاستفادة من القمة لحسم موضوع عقد مؤتمر باريس للدول والهيئات المانحة لفلسطين في شهر يونيو (حزيران) المقبل، ورغبتها في إعطائه بعدا سياسيا ودبلوماسيا، ومناسبة لإعادة إطلاق مفاوضات السلام وعدم الاكتفاء بأن يكون فقط إطارا لتحديد حجم المساعدات المقبلة للسلطة الفلسطينية.

والحال أن إسرائيل تعارض وواشنطن «غير متحمسة» وفق ما كشفته مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط». وتختلف مواقف الغربيين على جانبي الأطلسي من مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث تعارض واشنطن الخطوة، بينما أعلن الاتحاد الأوروبي عن استعداده لتبنيها. وتقول باريس إنه في حال بقيت المفاوضات مجمدة فلن يكون هناك «مناص» من الإقدام عليها.

وسيكون للملفين السوري والليبي مكان متميز على جدول المباحثات، وللنظر في «الخطوات اللاحقة» بعد العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة الأميركية ثم الاتحاد الأوروبي، أمس، على الرئيس السوري بشار الأسد وعدد من كبار المسؤولين الذين لم تشملهم السلة الأولى من العقوبات التي أقرت قبل أسبوعين.

وتفيد المصادر الفرنسية بأن سلة العقوبات الثانية تشكل «محطة جديدة» في الضغط على الرئيس السوري لحمله أولا وبشكل فوري على وضع حد لعلميات القتل والقمع بكل أشكاله، والبدء بعلمية إصلاح حقيقية، و«ليس الاكتفاء بالإعلان عن إصلاحات افتراضية لم يظهر منها شيء حتى الآن».

وتعتبر باريس أن «الخطوة اللاحقة» في التعامل مع النظام السوري ستكون بالذهاب مجددا إلى مجلس الأمن الدولي. ولذا، فإن قمة دوفيل مهمة بسبب وجود الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الذي أجهضت بلاده محاولة أولى في مجلس الأمن، ولذا، فإن عشاء العمل، مساء الخميس، وكذلك اللقاءات الثنائية ستكون أساسية لتصور ملامح المرحلة المقبلة.

وبحسب المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن استمرار القمع وعدم استجابة الرئيس الأسد سيدفع الأوروبيين والأميركيين إلى النظر في خطوة «تصعيدية» جديدة، هي اعتبار الرئيس السوري «فاقدا الشرعية»، مما يفتح الباب لمطالبته بعد ذلك بـ«الرحيل».

وكان الرئيس أوباما قد قال الأسبوع الماضي إن أمام الأسد أحد حلين: إما أن يقود التغيير أو أن يتنحى. وترى باريس أن مجريات الأمور في سوريا تظهر أن النظام «حسم» موقفه نهائيا، واختار القمع سبيلا لوضع حد للانتفاضة الشعبية، ولذا فإن باريس ترى (ومعها واشنطن ولندن وبرلين) أنه «لا أمل» في أن يستجيب النظام تحت ضغط العقوبات؛ أقله في الوقت الحاضر.

أما في ليبيا، فإن التوجه الدول الأربع يذهب أيضا باتجاه تشديد الضغط العسكري على العقيد القذافي، مما يفسر تدمير الأسطول البحري الليبي في الساعات الأخيرة، وقرار باريس استخدام الطوافات العسكرية لتوجيه ضربات أكثر دقة لكتائب القذافي، غير أن استطالة الحرب و«جمود» خطوط القتال، على الرغم من أسابيع القصف الجوي، بدآ بإظهار بعض التشقق داخل صفوف التحالف.

وحتى الآن، عاملت دول التحالف المبادرة الأفريقية بكثير من الازدراء، واعتبرتها لخدمة القذافي، وينتظر أن يدرس قادة الدول الثمانية، منفردين وفي لقائهم مع القادة الأفارقة في إطار «النيباد»، صباح الجمعة، «إطار» الحل السياسي الذي لا يعني بأي حال بقاء القذافي أو أن يلعب أي دور فيه.

يبقى أن ما سيخرج، عمليا، عن قمة دوفيل هو الشراكة الاستراتيجية بعيدة المدى مع الديمقراطيات العربية الناشئة، وتحديدا مصر وتونس. وبحسب المصادر الرئاسية، فإن الغرض هو مواكبتها على طريق ترسيخ الديمقراطية ودعم اقتصادها وتحريرها من القيود.

وتعتبر الدولة المنظمة أن توفير وسائل النجاح لمصر وتونس أمر أساسي للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي وفتح باب التطور الاقتصادي.

وينتظر أن يكون اجتماع الجمعة مع رئيسي وزراء مصر وتونس نقطة الانطلاق لهذه الشراكة ومعرفة حجم المساعدات التي ستعطى لهما، والجهات التي ستشارك فيها وتلك التي ستتابع تنفيذها.