عبد المنعم الحر لـ«الشرق الأوسط»: تحرير ليبيا بات وشيكا ولدينا معلومات بمكان القذافي.. و3 سيناريوهات تحدد نهايته

ممثل المجلس الانتقالي الليبي في القاهرة: لا يوجد دور للقبلية في تشكيلتنا

عبد المنعم الحر
TT

بعد زيارة قصيرة إلى ليبيا عاد إلى مصر المعارض الليبي الدكتور عبد المنعم الحر، ممثل المجلس الانتقالي الليبي في القاهرة، الذي يعد في الوقت الحالي الممثل الشرعي للشعب الليبي في الحديث أمام الهيئات والمنظمات الدولية بعد الاعتراف به سياسيا من جانب الكثير من الدول.

«الشرق الأوسط» التقت في القاهرة الحر الذي كشف عن طبيعة الأوضاع في ليبيا، سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية وكذلك طرابلس، لافتا إلى أن عملية تحرير الأراضي الليبية باتت وشيكة بعد سيطرة الثوار على غالبية المناطق في البلاد، وكذلك على المنافذ الحدودية، وخضوع غالبية السواحل الليبية لسيطرة قوات التحالف التي تمنع وصول الإمدادات إلى قوات القذافي.

وأوضح الحر، وهو أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة، أن معمر القذافي أصبح معزولا داخليا وإقليميا ودوليا، مشيرا إلى معلومات وصلت إلى قيادة الثوار تؤكد أنه غير موجود في باب العزيزية، ووجوده في مكان آخر، وأن الثوار يعرفونه من خلال تصميم الحجرة التي تحدث منها. وفيما يلي نص الحوار.

* بداية، كيف تكون المجلس الانتقالي؟

- في أعقاب انهيار في المنطقة طالبنا بسد الفراغ الذي نشأ، وكانت هناك مناشدات تطالب بتدخل الحكماء وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات، وكان هناك اتفاق على اختيار رئيس المحكمة العليا وأمين (وزير) العدل السابق مصطفى عبد الجليل رئيسا له، انطلاقا من نزاهته ولأنه الوحيد الذي وقف في وجه القذافي. كما أنه مناهض للفكر الذي حاول القذافي غرسه في نفوس الليبيين باللعب على فزاعة القبائل. وكان البيان الأول للمجلس الانتقالي ينص على أن طرابلس ستظل عاصمة ليبيا الأبدية، والذي يدل على أنه لا توجد رغبة لتقسيم ليبيا.

* ما هي الدول التي اعترفت بالمجلس حتى الآن؟

- يسعى المجلس إلى الحصول على الاعتراف به سياسيا كممثل للشعب الليبي، وبالإضافة إلى اعتراف فرنسا وإيطاليا، هناك الكثير من الدول التي اعترفت بالمجلس من الدول العربية مثل قطر والإمارات وهناك اعتراف ضمني من الكويت، وهناك الكثير من الاعترافات غير المعلنة، والتي وإن كانت ضمنية إلا أنهم يتعاونون مع المجلس الانتقالي في تقديم المساعدات للشعب الليبي. أضف إلى ذلك قيام جامعة الدول العربية بتجميد عضوية ليبيا في الجامعة، وتكليف عبد المنعم الهوني بتولي منصب مندوب المجلس الانتقالي لديها، وهو دليل على اعترافها بالمجلس.

* وما صحة ما نشر عن إجراء رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل اتصالا هاتفيا مع الرئيس السنغالي عبد الله واد للحصول على دعم السنغال في الاعتراف بالمجلس؟

- الحقيقة أننا لا نعول كثيرا على الاتحاد الأفريقي، لأنه القطب الأضعف في كل المنظمات الدولية، وأنا أتوقع تداعي الاتحاد قريبا، لأن قاعدته هشة مبنية على المصالح، وأن الداعمين الأكبر له كانا ليبيا ومصر، ومن ثم فإن سقوط نظامي مبارك والقذافي سيكون السبب الأكبر في تداعي هذا الكيان. ومن جانب آخر، هناك الكثير من الدول الموجودة في الاتحاد التي لا تزال تدعم القذافي لأنها كانت تحصل منه على الدعم والكثير من قادتها وصولوا إلى سدة الحكم بمساعدات من القذافي.

* لماذا احتوى المجلس على عدد من رموز النظام السابق؟ وهل المجلس مكون على أساس قبلي أم حكومة تكنوقراط؟

- المجلس في هذه المرحلة وزعت حقائبه الوزارية بحسب المناطق، ولا يوجد دور للقبلية في المجلس، فهذه ليست سوى فزاعة حاول القذافي اللعب عليها للبقاء في الحكم. كما قام بتشكيل كتائب أمنية بأسماء أبنائه لحماية نظامه، ولم نجد منظمات مجتمع مدني للخضوع إليها لتسيير الأمور اليومية، ومن ثم عندما تقوم بالثورة، ولا تجد منظمات مجتمع مدني تحتضن هذه الثورة فالحل الأمثل هو الرجوع إلى الدائرة الأولى وهي القبيلة، إضافة إلى ذلك فالمجلس يضم في صفوفه الآن عددا من التكنوقراط الذين كانوا ضمن النظام السابق، والذين اشتهروا بالكفاءة ولم تتلوث أيديهم بدماء الشعب الليبي، منهم الدكتور محمود جبريل وعلي العيساوي.

* عدت من بنغازي مؤخرا، ما هي طبيعة الأوضاع في ليبيا في الوقت الحالي؟

- في المنطقة الشرقية بدأت الأوضاع في العودة إلى سابق عهدها، وتم تغيير بعض مسميات بعض الأجهزة، فجهاز الأمن الداخلي على سبيل المثال تم تغيير اسمه إلى جهاز الأمن الوطني، وعادت المستشفيات إلى العمل بكامل طاقتها مرة أخرى، وتتوافر السلع الغذائية في البلاد في جميع المناطق، كما تتواصل فيها المظاهرات المؤيدة للثورة. أما في المنطقة الغربية فهناك قتال عنيف أسفر عن سيطرة الثوار على معبر دهيبة والمعبر الحدودي مع تشاد ومدينة الكفرة ومعبر ليبيا مع السودان. وهناك عمليات كر وفر مع كتائب القذافي داخل مدينة طرابلس. وقد التقينا ممثلي زوارة والجبل الغربي في بنغازي، وقد أتوا ليؤكدوا دعمهم للمجلس الانتقالي وأن المجالس المحلية في المناطق التي لم تحرر تؤيد المجلس وترى فيه الممثل الشرعي للشعب الليبي في الحديث أمام الهيئات والمنظمات الدولية.

* ما هو موقف سكان طرابلس من العمليات، هل يؤيدون الثوار أم أنهم موالون للقذافي؟

- هناك ثمانية آلاف معتقل شاب داخل طرابلس، فكل من خرج في مظاهرة سلمية موالية للثوار تم اعتقاله، ولا يزال نظام القذافي يستخدمهم كدروع بشرية.

* إذا طالت الأمور أكثر من ذلك، فهل تتوقعون إجراء انتخابات جديدة للمجلس أو إنشاء حكومة مؤقتة؟

- نحن لا نستطيع إجراء أي انتخابات إلا بعد تحرير جميع مناطق ليبيا، لأننا الآن مجلس مؤقت لإدارة الشؤون الداخلية والخارجية، كذلك يعتقد المجلس أن إنشاء حكومة مؤقتة ربما يسهل على القذافي رغبته في تقسيم البلاد إلى دولتين، لكن تشكيل الحكومة وإنشاء البرلمان وكتابة الدستور سيتم بعد تحرير باقي المناطق.

* وهل تعتقد أن هذا التحرير بات وشيكا؟

- نعم، فغالبية السواحل الليبية خاضعة لسيطرة قوات التحالف التي تمنع وصول الإمدادات إلى قوات القذافي، والثوار يسيطرون على غالبية المناطق في البلاد، كما يسيطرون على المنافذ الحدودية مع الدول المجاورة، حيث يسيطرون على معبر السلوم مع مصر، وعلى المنفذ الحدودي مع تشاد، وكذلك المعبر مع السودان ومعبر دهيبة مع تونس، ولم يتبق للقذافي سوى معبر رأس جدير الذي يسيطر عليه ولا يستطيع استغلاله لأن صفحته صارت سوداء مع الحكومة التونسية بعد قصفه للأراضي التونسية بالصواريخ. أضف إلى ذلك أن القذافي بات محاصرا في طرابلس وأن الخناق يضيق يوما بعد يوم.

* على الجانب الاقتصادي، ما هي أهم الحقول النفطية التي تمكنتم من الاستيلاء عليها؟

- غالبية النفط الليبي يتركز في المنطقة الشرقية، ولا يوجد سوى حقل واحد في المنطقة الغربية وبالتحديد في الزاوية، يخضع لسيطرة القذافي ويسمى حقل البوري.

* ما هي الدول التي أبرمت اتفاقات نفطية مع المجلس الانتقالي؟

- تعاقد المجلس مع شركة قطرية تتولى تصدير النفط الليبي في هذه المرحلة للدول الراغبة في شراء النفط الليبي. والمجلس والشعب الليبي بصفة عامة سيجعل الأولية في الاستثمار في مجال النفط أو الغاز وإعادة إعمار ليبيا إلى الدول التي مدت يد العون للشعب الليبي في هذه المرحلة.

* كيف تتغلبون على مشكلة ضعف التدريب لدى الثوار؟

- نظرا لوجود الكثير من الخسائر في صفوف الثوار، لأنهم وجدوا أنفسهم «بين نارين» الأول أنهم قاموا بثورة والتراجع سيكون نوعا من الخسران، والثاني التقدم إلى الأمام ومواجهة التشكيلات القوية للقذافي، فتم تشكيل قوات برئاسة اللواء عبد الفتاح يونس، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في نظام القذافي، والعقيد خليفة حفتر، واللذين قاما بتنسيق الصفوف، واستقر الرأي على عودة المدنيين غير المدربين، وتصدر القتال اللواء يونس وكتيبة الصاعقة، والثوار يعززون المقاتلين.

* لكن بعض وكالات الأنباء ذكرت أن هناك توترا بين خليفة حفتر وعبد الفتاح يونس؟

- المجلس كان فطنا، فتم استثناء عبد الفتاح يونس وخليفة حفتر من رئاسة وزارة الدفاع وتم تعيين وزير دفاع مدني تفاديا لما قد ينشأ من صراع عسكري، والاثنان يمثلان القيادة الميدانية ويتم التنسيق مع وزير الدفاع. لكن نظام القذافي يحاول الكيد بكل السبل لشق الصف بين خليفة وعبد الفتاح، لأنهما يشكلان جبهة ضغط قوية، وهو ما جعل المجلس يلجأ إلى تعيين وزير دفاع مدني.

* تحدث البعض عن وجود عناصر من الجماعة الليبية المقاتلة ضمن صفوف الثوار، وأنهم يتولون قيادة بعض الخلايا، مثل عبد المنعم مختار الذي قتل في أجدابيا، ما قولك؟

- أود أن أؤكد على أن الغرب لو شك للحظة بأن ليبيا ستكون كأفغانستان، وأن «القاعدة» لها موطئ قدم راسخ في ليبيا، لما فكر في دعم الثوار، فهم متأكدون من أن الثورة في ليبيا ثورة شعبية لا علاقة لها بـ«القاعدة» أو الحركات السلفية الجهادية، أضف إلى ذلك أن ليبيا ليست أرضا خصبة يمكن أن تزدهر فيها هذه الحركات.

* هل القذافي لا يزال موجودا في باب العزيزية أم أنه انتقل إلى وجهة أخرى؟

- بناء على المعلومات التي وصلت إلى قيادة الثوار فإن القذافي غير موجود في باب العزيزية، وقد وصلت إلينا معلومات تؤكد وجوده في مكان آخر، والثوار يعرفونه من خلال تصميم الحجرة التي تحدث منها، ويستحيل على أي شخص أن يتوقع أن يكون القذافي موجودا فيه.

* هل يعني ذلك تكرار لحالة أبو مصعب الزرقاوي، الذي تم تحديد مكانه عبر الشريط المصور الذي ظهر فيه وهو يطلق الرصاص من بندقية؟

- نعم، وقد تأكدت هذه المعلومات من خلال الأفراد الذين انشقوا على القذافي من كتيبة «المقريف» وهي الكتيبة الخاصة بحماية القذافي.

* برأيك لماذا لا يزال القذافي صامدا حتى الآن؟

- القذافي لم يعد كما كان في البداية عندما وصف الشعب الليبي بالجرذان، فأصبح يتنقل الآن خفية لأنه مقتنع أنه صار مستهدفا، وباتت كل حركاته محسوبة، فهو غير قادر الآن على التحدث في الهاتف خشية تحديد مكانه، كما أنه أصبح معزولا داخليا وإقليميا ودوليا.

* هل تخشون من اندلاع ثورة مضادة بعد سقوط القذافي تكون في شكل حرب قبلية؟

- لا أعتقد ذلك، وقد اتخذ المجلس احتياطاته لذلك، فقام بتشكيل لجنة مصالحة منبثقة عن المجلس خرجت بناء على رغبة أهل الوطن، ولا أعتقد أن ليبيا ستشهد مثل هذا الوضع، لأن القوة المفرطة التي استخدمها القذافي ضد الشعب الليبي جعلته أكثر تلاحما.

* وكيف سيتعامل المجلس مع القبائل التي دعمت القذافي؟

- لا أعتقد أن هناك قبائل موالية للقذافي إلا أبناء عمومته من القذاذفة، وهؤلاء ليسوا على قلب رجل واحد، فهناك من كان ينتظر مثل هذه الفرصة ليقفوا في وجهه. وما قيل عن قبيلة «الورفلة»، فهذه القبيلة شكلت مجلسا محليا موجودا في بنغازي يمثل مدينة بني وليد.

* من هم المحيطون بالقذافي. أهم مرتزقة أم كتائب أمنية ليبية؟

- هناك بعض الشباب الذين غرر بهم، فمنذ قيام ثورة تونس مرورا بالثورة المصرية وبداية الثورة الليبية تم حجب وسائل الإعلام عنهم، وأذيع خطاب عليهم بأن إخوانهم في المنطقة الشرقية يتعرضون لهجمات من قبل جماعات إرهابية يقتلون أهلها ويعيثون فسادا في المنطقة، فذهبوا إليها في محاولة منهم للدفاع عنها، وفي المنطقة الشرقية علموا أنهم يقاتلون إخوانهم الليبيين، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، حين يتم أسره من قبل الثوار يجد أن هؤلاء الشباب يتغير سلوكهم بعد خمسة أيام، وهو ما دفع المجلس إلى إجراء تحاليل لهؤلاء الشباب، والتي توصلت إلى أنهم تدس لهم حبوب الهلوسة في القهوة والشاي والأطعمة التي تقدم لهم. ولا أعتقد أن هناك شابا ليبيا يمكن أن يقوم بقتل واغتصاب بنات بلده. وقد لاحظنا أن الكثير منهم يتحركون وهم غير واعين بما يقومون به.

* وجه المجلس في السابق اتهامات لأحمد قذاف الدم باستقدام مرتزقة للقذافي، هل لديكم أدلة موثقة على ذلك؟

- الحقيقة أن هذه الاتهامات وردت على لسان رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل خلال زيارته للكويت تحديدا، لكني لم أطلع على أي مستندات أو وثائق بهذا الخصوص، لكن بكل صدق أحمد قذاف الدم خرج ببيان على الإعلام وأعلن استقالته من نظام القذافي، وقد سمعنا أنه قام بتجهيز مساعدات غذائية بعث بها إلى مرسى مطروح لإدخالها إلى ليبيا بالتنسيق مع اللجنة التي تسير مثل هذه المساعدات.

* برأيك هل يمكن أن يفكر القذافي في الهرب إلى دولة أخرى، يدفعه إلى ذلك الحفاظ على البقية الباقية من أبنائه؟

- لا أعتقد بمسألة هروبه، فشخصية القذافي لا تخاف، القذافي سيظل في ليبيا إلى آخر لحظة. أما بخصوص أبنائه فمنذ الأيام الأولى عندما قام أحد الثوار بقيادة طائرته وقصف قوات القذافي في منطقة البريقة ورأس لانوف وتوجه إلى باب العزيزية وأسقط طائرته هناك، وصلت بعض الأخبار من أطباء في مستشفى الحروق، وأكدوا لنا وفاة خميس القذافي. في القصف الأخير وردت الأنباء عن مقتل سيف العرب، وثلاثة من أحفاد القذافي، لكننا نشكك في هذه الرواية فكيف يعقل أن يموت طفل عمره ثلاثة أشهر دون أن تجرح أمه.

* إذن فأنتم تتوقعون ألا يخرج حتى النفس الأخير؟

- هناك ثلاثة سيناريوهات تخص العقيد، إما أن يقتل على يد الثوار، أو يتم قتله على يد أحد المقربين منه، أو أن ينتحر. وهو لذلك يلتزم الحذر إلى حد بعيد.

* وهل وضع المجلس سيناريو ما بعد القذافي؟

- نعم، المجلس وضع تصورا لليبيا ما بعد القذافي، ليبيا تقوم على الديمقراطية والحرية، يكون الولاء فيها للوطن وليس لأحد من الناس أو لقبيلة من القبائل.