ديفيد هيدلي حلقة الوصل بين الاستخبارات الباكستانية و«عسكر طيبة»

اعترف بالقيام بمهمة استطلاعية قبل تنفيذ هجمات مومباي

رسم لديفيد هيدلي خلال مثوله أمام محكمة شيكاغو أمس (أ.ب)
TT

اعتلى إرهابي باكستاني أميركي معترف منصة الشهود في محكمة شيكاغو يوم الاثنين الماضي وأوضح التحالف الوطيد بين الاستخبارات المركزية وعسكر طيبة، زاعما أن الاستخبارات الباكستانية جندته ولعبت دورا محوريا في التخطيط لهجمات مومباي عام 2008.

إجابة شهادة ديفيد كولمان هيدلي التي طال انتظارها في بداية محاكمة كان لها أصداء واسعة النطاق على أهم سؤال. وبفضل تلك الإجابة لم يتردد المدعون الفيدراليون في الربط بين الاستخبارات الباكستانية والهجمات التي أسفرت عن مقتل 166 شخصا من بينهم 6 أميركيين.

اعترف هيدلي بقيامه بمهمة استطلاعية في مومباي ويعد من أهم شهود الحكومة ضد شريكه في الجريمة طاهور رانا. وقال هيدلي في شهادته إن عسكر طيبة «كانوا يعملون تحت مظلة الاستخبارات الباكستانية» حتى بعد أن تم حظر الجماعة الإرهابية في باكستان عام 2001 وإنه كان هناك تنسيق بين الاستخبارات الباكستانية وعسكر طيبة، حيث قدمت المساعدة المالية والعسكرية والدعم المعنوي للجماعة.

وقال هيدلي إنه بعد أن تدرب لمدة 3 سنوات مع عسكر طيبة، جنده «الرائد علي» من الاستخبارات الباكستانية عندما تم إلقاء القبض عليه بالقرب من الحدود الأفغانية عام 2006. وأحاله الرائد علي إلى ضابط يعرف باسم «الرائد إقبال» الذي أصبح المسؤول عنه وعمل وحده لكن بالتنسيق مع قادة عسكر طيبة وأدار العملية الاستطلاعية التي قام بها هيدلي في الهند ومنحه 25 ألف دولار لتمويل العملية.

وأضاف هيدلي أنه كان يطلع إقبال أولا قبل عسكر طيبة. وشارك إقبال في التخطيط لهجمات مومباي من خلال اختيار الهدف وطريقة الهجوم البرمائي وتأمين منزل آمن لمسلحي عسكر طيبة على سبيل المثال. وقال: «لقد كان كل هذا يتم من خلال التنسيق، لكن كان الرائد إقبال هو من يصدر التعليمات».

ونفى المسؤولون الباكستانيون مرارا وتكرارا أي ضلوع للاستخبارات الباكستانية في هجمات مومباي. لكن من المرجح أن تعزز شهادة يوم الاثنين الماضي المزاعم بأن باكستان كانت متورطة في لعبة مزدوجة في الحرب ضد الإرهاب خاصة أنه قد تم اكتشاف أن بن لادن مختبئا في بلدة بها تواجد عسكري كبير داخل باكستان.

بعد أكثر من عام من الصمت الرسمي بشأن هذه القضية الحساسة، قدم استجواب الادعاء لهيدلي الدليل على تورط الاستخبارات الباكستانية في هجوم على نمط هجمات القوات الخاصة استهدف قتل أميركيين ويهود ومواطنين ذوي جنسيات غربية أخرى.

ولإثبات ودعم مزاعم هيدلي، قدم مدعو وزارة العدل الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية المتبادلة بينه وبين إقبال. وقال هيدلي في شهادته إنه كان يتصل بإقبال عندما يكون في مومباي على رقم هاتف بكود من نيويورك حتى لا يستطيع أحد تتبعه، «حيث كان يتم مراقبة كل المكالمات الهاتفية تقريبا الصادرة من الهند إلى باكستان».

وتقوم هذه القضية بالأساس على مصداقية هيدلي، تاجر المخدرات السابق المخبر لدى إدارة مكافحة المخدرات. كان هيدلي يقضي عدة أشهر في مساعدة الادعاء في التحضير في قضايا المخدرات ويتعاون بحماس في تلك القضايا في الماضي.

لكن بدا هيدلي هادئا الاثنين الماضي حين اعتلى الرجل الطويل الأصلع عريض المنكبين البالغ من العمر 50 عاما منصة الشهود وهو يرتدي بزة رياضية زرقاء وعلى وجهه سمت الوقار. وطلب دانييل كولينز، مساعد المدعي الأميركي، أكثر من مرة أن يرفع صوته. وكان كثيرا ما يتنهد هيدلي، كثير الأسفار الذي يجيد أكثر من لغة بنبرة باكستانية، أثناء إجابته عن الأسئلة.

جاء جزء من المعلومات التي تضمنتها شهادة هيدلي في التقرير الهندي الخاص بالتحقيقات وكشف محققون هنود وغربيون عنها لـ«برو بابليكا». لكن تضمنت الشهادة التي بثت على الهواء من قاعة المحكمة الفيدرالية التي كانت تعج بصحافيين أميركيين وهنود ودنماركيين أيضا تفاصيل جديدة. أوضح هيدلي العلاقة الوثيقة مع كبار قادة عسكر طيبة وقال إنهم كانوا يلمحون إلى تحالفهم مع الاستخبارات الباكستانية. وجاء في شهادة هيدلي أنه نصح خلال غداء عام 2004 حافظ سعيد، زعيم عسكر طيبة، وزكي الرحمن لخفي، القيادي بالجماعة بمقاضاة الحكومة الأميركية بسبب اعتبار عسكر طيبة تنظيما إرهابيا.

وقال هيدلي في شهادته: «قال زكي إنه ينبغي علينا استشارة الاستخبارات الباكستانية قبل القيام بهذه الخطوة». أضاف هيدلي في شهادته أن أحد الضفادع البشرية في البحرية الباكستانية قدم استشارة عسكرية تكتيكية خلال اجتماع في مقر لعسكر طيبة خاص بالتخطيط لمسار الهجوم البحري. وقال هيدلي إنه تمت الإشارة خلال المناقشة حول موقع الرسو إلى أن الضفدع البشري سوف يصطحب المسلحين إلى مومباي. وكذلك قال إن الضفدع البشري حذر المخططين من إن الاقتراب من موقع محدد بالقرب من قاعدة هندية بحرية سوف يدفعه إلى تبادل إطلاق النار مع السلطات الهندية.

ويعد رانا، صديق طفولة هيدلي، هو المتهم الوحيد في هذه المحاكمة، حيث يواجه المتهمون الآخرون ومنهم إقبال و3 من قياديي عسكر طيبة و2 من قياديي تنظيم القاعدة اتهامات بالإشراف على مهمة هيدلي الاستكشافية لمخطط إرهابي تم إحباطه في الدنمارك. ويواجه رانا اتهاما بتقديم الدعم المادي للإرهابيين من خلال السماح لهيدلي باستغلال شركة الهجرة التي يديرها في شيكاغو كغطاء لمهمته الاستطلاعية المتعلقة بهجمات مومباي.

وقال محامي رانا في بداية مرافعته إن هيدلي استغل زوجاته والجماعات الإرهابية والهيئات الحكومية. وطرح تشارلز سويفت احتمال أن يكون هيدلي استمر في العمل لحساب الحكومة الأميركية بعد أن بدأ التدريب مع عسكر طيبة. كذلك اتهم هيدلي بتعديل روايته حتى يخون رانا ويتجنب الحكم عليه بالإعدام.

وتوجه سويفت إلى لجنة المحلفين متسائلا: «هل يخدعنا ديفيد هيدلي؟ أنا على يقين من أنه لن يخدعنا. لا بد أن يلقى المسؤولون عن هذه الجريمة جزاءهم. المأساة في أننا عقدنا صفقة معهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»