الإعصار «متعدد الدوامات» ينبئ بعام من الكوارث الطبيعية

باحثون أميركيون يستخلصون نمطا للأعاصير من ارتفاع عددها

TT

كان إعصار جوبلين الاستثنائي - الأكثر دمارا منذ بدأ المسؤولون عام 1950 في إعداد سجلات بالأعاصير التي سجلت أرقاما قياسية – ظاهرة مدمرة نادرة الحدوث، عرفت باسم «الإعصار متعدد الدوامات»؛ إذ يخفي إعصارين حلزونيين أو أكثر.

وقد تسبب الإعصار الذي وقع يوم الأحد الماضي في تحطيم مستشفى مدينة ميسوري الواقع جنوب غربي المدينة، فلم يخلف سوى حطام أشجار في وسط ما كان أحياء سكنية، وأودى بحياة 116 شخصا على الأقل، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الوفيات. كما تسبب الإعصار في إصابة 500 شخص بجروح، ودمر ما لا يقل عن ألفي مبنى.

إضافة إلى الأعاصير البالغ عددها 875 إعصارا، التي ضربت أنحاء المدينة في أبريل (نيسان) الماضي، فقد دفع الإعصار الأخير الخبراء إلى التساؤل عن السبب وراء حدوث هذا العدد الهائل من الأعاصير المدمرة خلال العام الحالي 2011. وفي الوقت الذي لم يتوصل فيه الباحثون إلى الأسباب الفعلية لهذا الموسم الذي ضرب رقما قياسيا من حيث عدد الأعاصير، ثمة حقيقة مؤكدة هي أن الأعاصير الكبرى عادة ما تعصف بالأماكن ذات الكثافة السكانية العالية.

وقال جاك هايز، مدير خدمة الأرصاد الجوية الوطنية، في إشارة إلى فئتي الأعاصير الأكثر ضراوة: «شهدنا عددا من أعاصير (إف 4) و(إف 5) أكبر منه في الأعوام السابقة». وبدلا من أن تضرب الأعاصير مزارع وحقولا، عصفت بمدن مثل جوبلين وتوسكالوسا بولاية ألاباما.

ويشير عدد من الأبحاث إلى هبوط دوري في درجات الحرارة في المحيط الهادي، باعتباره أحد أسباب هذه الموجة العاتية من الأعاصير. وتستمر الدورة، التي عرفت باسم «لا نينا»، نحو 5 أشهر على الأقل، وتتكرر كل 3 إلى 5 سنوات. هذا العام، تدفع دورة «لا نينا» الإعصارية تيار رياح غربية شرقية عاتية مقبلة من أميركا الشمالية جهتي الشرق والجنوب، على نحو يغير اتجاه الرياح السائدة. ويدفع تيار الرياح الغربية الشرقية العاتية المحملة بالهواء البارد على ارتفاع في الغلاف الجوي تيارا هوائيا أكثر دفئا ورطوبة من أسفل إلى أعلى، مكونا عاصفة رعدية عملاقة.

وقد تسبب هذا النمط في حدوث أكثر من 300 إعصار ضربت المنطقة من مسيسبي إلى تينيسي في نهاية أبريل، موديا بحياة 365 شخصا على الأقل، بحسب خبراء. ولا يزال الوقت مبكرا جدا بالنسبة لهم للوقوف على ما إذا كانت دورة «لا نينا» وحدها هي السبب في موسم البراكين المدمرة المحطمة للأرقام القياسية، كما أشار غرادي ديكسون، خبير الأعاصير في جامعة ولاية مسيسبي، الذي قال: «ربما تكون دورة (لا نينا) أحد أسباب هذه الظاهرة، لكنها ليست السبب الوحيد لها».

وقد توقع خبراء الأعاصير موسما مدمرا هذا العام.. كما بدأ كثيرون في محاولة تحديد ما إذا كان تغير المناخ في العالم يسبب عواصف رعدية مولدة للأعاصير بشكل متكرر أكثر وبحدة أكبر. هذه المحاولة لم تزل في مرحلة مبكرة، مما يجعل من الصعب استخلاص استنتاجات منها.

«سيكون هذا موضوع بحث ثريا»، قال راسيل شنايدر، مدير مركز التنبؤ بالعواصف في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في مدينة نورمان بولاية أوكلاهوما.

إن الهواء الدافئ والرطوبة وأنماطا معينة من الرياح هي المكونات المميتة التي تمتزج لتكون الأعاصير، وتؤثر التغيرات المناخية على واحد من هذه المكونات على الأقل، بزيادة كمية الرطوبة التي يمكن أن يحملها الهواء.

وقال روبرت هينسون، عالم الأرصاد الجوية في المؤسسة الجامعية للبحوث الجوية: «قد يعزز تغير المناخ أحد تلك المكونات (المكونة للأعاصير)، لكنه يعتمد على مدى امتزاج هذه المكونات معا».

بلغت سرعة دوران الإعصار العنيف الذي ضرب مدينة جوبلين يوم الأحد نحو 200 ميل في الساعة، مما جعله يصنف ضمن فئة «إف 4»، وهي الفئة التي تسبق مباشرة أعلى الفئات في مقاييس الأعاصير. وقد وصل عدد الوفيات، التي تسبب بها يوم الاثنين، إلى 116 شخصا، وفقا لوكالة «أسوشييتد برس»، على نحو يزيد بمقدار 481 مرة على عدد من قتلوا جراء الأعاصير التي حدثت ربيع هذا العام، قبل 5 أسابيع من انتهاء هذا الموسم.

وقال شنايدر: «نحن على أعتاب عام تسجل فيه نكبات الأعاصير رقما قياسيا» منذ بدء تسجيل الأرقام القياسية للأعاصير عام 1950.

لقد حطم إجمالي عدد الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة في أبريل الذي بلغ 875 إعصارا، الرقم القياسي السابق الممثل في إجمالي 267 إعصارا في أبريل 1974. وقد اتسم أول أسبوعين من شهر مايو (أيار) بالهدوء النسبي إلى أن اندلعت موجة الأعاصير نهاية هذا الأسبوع.

ضرب إعصار جوبلين الاستثنائي غرب المدينة في الساعة 5:41 مساء، وأحدث حالة من الدمار الشامل الذي غطى مساحة 3 أرباع الميل عرضا و6 أميال طولا، وتسبب في تدمير مستشفى وتحطيم سيارات والقضاء على كل شيء، ما عدا جذوع أشجار محطمة، في منطقة كانت بها أحياء سكنية، مثلما أفادت وكالة الأنباء «رويترز».

وذكر خبراء الأعاصير أن ثمة سحابة قمعية ضخمة تختبئ داخل إعصارين حلزونيين أو أكثر، وهي ظاهرة تعرف باسم «الإعصار متعدد الدوامات» أو «الإعصار القمعي». وتصبح مراكز تلك الدوامات الهوائية الحادة غير مستقرة ومتذبذبة، ويدور بداخلها عدد يتراوح بين إعصارين و6 أعاصير صغيرة. وتتولد الأعاصير الثانوية قصيرة الأجل والحادة من طرف السحب، وتدور بسرعة تفوق الإعصار القمعي الأم الأوسع نطاقا بنحو 80 ميلا في الساعة، حسبما ذكر إرنست أغي، باحث في الأعاصير بجامعة بوردو. وعادة ما يكون لتلك الأعاصير مسار مدمر معين يسوي المباني بالأرض على إحدى حواف قمع الرياح، في حين تبقى الهياكل القريبة سليمة نسبيا.

وفي مقطع فيديو نُشر على الإنترنت لأحد الناجين من إعصار جوبلين، هدأ دوي الإعصار لبضع ثوانٍ قبل أن يحدث دوي آخر – مؤشرا لإعصار متعدد الدوامات، على حد قول أغي.

كان ديكسون، خبير الأعاصير بولاية مسيسبي، يتبع مسار العاصفة الرعدية العملاقة العنيفة، بينما كان 8 طلاب في عربة بالقرب من حدود جوبلين قد توقفوا عن تتبع مسار الإعصار. وقال ديكسون: «لقد توقفنا عن محاولة التحكم في الأمر، فقط بات المكان محفوفا بمخاطر جسيمة».

ومع فتح نوافذ العربة، شعر ديكسون والطلاب بهبات الهواء الساخن، بينما كانوا يتابعون مؤخرة الإعصار العملاق – علامة على عاصفة مدمرة بشكل غير معتاد، كما ذكر ديكسون. وقال: «في المعتاد، يكون الهواء باردا في مؤخرة الإعصار؛ لذلك توقعنا أن يكون إعصارا ضخما، لكن عندما توقفنا عن متابعته، لم يكن لدينا اعتقاد أنه سيلحق كل هذا الكم من الدمار».

وعلى مدار العقد الماضي، ساعد الفهم العميق لكيفية تكون الأعاصير وتحركها – المقترن بتقدم إمكانات أجهزة الرادار التي يمكن أن تتعقب الدوامات الدالة عند مركز إعصار – في إطالة مهلة التحذير من احتمال وقوع إعصار، التي تبثها خدمة الأرصاد الجوية الوطنية. وفي يوم الأحد، بثت الخدمة تحذيرا من احتمال وقوع إعصار في جوبلين الساعة 5:17 مساء، ووقع الإعصار بالفعل بعد 24 دقيقة – مهلة «لحدوث الظاهرة»، كما قال ديكسون. ويبلغ متوسط المهلة أو فترة الانتظار على مستوى الدولة 14 دقيقة، طبقا لخدمة الأرصاد الجوية الوطنية.

وعلى الرغم من هذا التحذير، فإنه من المحتمل أن يسجل هذا الإعصار الضخم رقما قياسيا بوصفه أكثر الأعاصير دمارا في تاريخ الولايات المتحدة. وقد تسبب الإعصار الأكثر دمارا السابق له في مصرع 116 شخصا في مدينة فلينت بولاية ميتشيغان عام 1953، تلك السنة الاستثنائية التي شهدت أيضا مصرع 114 شخصا جراء إعصار ضرب واكو بولاية تكساس، في حين قضى 90 آخرون نحبهم نتيجة إعصار ضرب وورستر في ماساتشوستس في شهر يونيو (حزيران) من ذلك العام.

وقد وقعت الأعاصير المدمرة يوم الأحد أثناء انشغال الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ بتوسيع نطاق جهودها للتعامل مع 11 كارثة أخرى حدثت هذا العام مرتبطة بالأعاصير. وفي يوم الاثنين صرحت الوكالة بأنها قد دفعت 79 مليون دولار هذا العام لأكثر من 20 ألف ناج من الإعصار و3.3 مليون دولار أخرى للمدن للبدء في إعادة بناء المدارس والمكتبات ومحطات الإطفاء وغيرها من المنشآت العامة الأخرى المتضررة من الأعاصير. وذكرت متحدثة باسم الوكالة أنه من المتوقع تقديم مزيد من مطالب إعادة بناء البنية التحتية العامة في الأسابيع المقبلة.

وذكرت الوكالة الفيدرالية أن الناجين من أعاصير يوم الأحد مخول لهم بالفعل التقدم بطلب الحصول على إعانة، بعد إضافة إقليمين متضررين إلى إعلان عن كارثة سابقة حلت بولاية ميسوري.

*خدمة و«واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»