حقوقيون ينتقدون القضاء والأمن اللبنانيين لتوقيفهما نازحين سوريين وتسليمهم لبلادهم

الهدوء يخيم على الحدود الشمالية للبنان.. والتعزيزات العسكرية السورية على حالها

TT

بينما لا يزال الهدوء مخيما على منطقة وادي خالد، وعلى طول الحدود اللبنانية الشمالية، بقي الانتشار الكثيف والتعزيزات غير المسبوقة للقوات السورية على حالها في الجهة الأخرى من الحدود، خصوصا في البلدات السورية المقابلة لوادي خالد وبلدتي العريضة والبقيعة. وأفيد بأن إغلاق الجيش السوري لجميع المعابر والمنافذ يمنع نزوح أي مواطن سوري باتجاه لبنان، كما يحول دون تمكن نازحين من عبور الحدود لتفقد منازلهم وأرزاقهم التي تركوها وفروا منها منذ أسبوعين.

أما على صعيد الأوضاع الاجتماعية والإنسانية والصحية للنازحين، فقد عبرت مصادر مهتمة بمجال حقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» عن ارتياحها «للتحسن الكبير في مجال تقديم المساعدات لهؤلاء، التي تتولاها الهيئة العليا للإغاثة والجمعيات الطبية والهيئات المانحة والأهالي الذين يستضيفون النازحين في بيوتهم». ولفتت إلى أن المؤسسات المذكورة «وضعت إحصاءات دقيقة لأعداد هؤلاء النازحين وحاجياتهم، لا سيما الحالات المرضية ومستلزمات كل مريض من الأدوية وتقديم العلاجات الصحيحة والسليمة لهم بإشراف أطباء مختصين»، لكنها رأت أن «هذا الانفراج لم ينسحب على حال عدد من الشبان السوريين الذين أوقفتهم أجهزة أمنية لبنانية بحجة عدم حيازتهم أوراقا ثبوتية، أو التذرع بدخولهم الأراضي اللبنانية خلسة وبطريقة غير مشروعة».

وأكدت المصادر أن «الضغوط التي مارستها مؤسسات حقوق الإنسان جمدت التوقيفات التي كانت تطال بعض الشبان النازحين، إلا أن هناك 13 موقوفا لم يطلق سراحهم حتى الآن، على الرغم من الوعود التي قدمتها الأجهزة التي أوقفتهم بإطلاق سراحهم»، مشيرة إلى أن «الأمن العام لا يزال لديه 7 موقوفين تسلمهم من مخابرات الجيش اللبناني، بالإضافة إلى وجود 4 آخرين في سجن القبة في مدينة طرابلس وجريحين في مستشفى طرابلس الحكومي، هما أيضا قيد التوقيف». وحمَّلت هذه المصادر «القضاء اللبناني، بشكل عام، والنيابة العامة الاستئنافية، بشكل خاص، مسؤولية تجاوزات بعض الأجهزة الأمنية من خلال تسلم الأخيرة موقوفين سوريين من بين النازحين والادعاء عليهم وملاحقتهم بجرم دخول لبنان خلسة، مع ما قد يترتب على ذلك من خطر على هؤلاء في حال تم ترحيلهم أو تسليمهم إلى السلطات السورية، كما حصل قبل أيام مع الجنود الثلاثة».

في هذا السياق، أبدى المحامي اللبناني طارق شندب، المتخصص في القانون الدولي والناشط في مجال حقوق الإنسان، استغرابه «لما يحصل على صعيد إحالة نازحين سوريين إلى القضاء وملاحقتهم»، معتبرا أن «هذه التوقيفات والملاحقات سياسية بامتياز، ولا تمت إلى القانون بصلة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال متابعتنا لهذه التوقيفات اتضح لنا أن بعض الموقوفين سلموا إلى سوريا والبعض الآخر ادعت عليه النيابة العامة دخوله لبنان خلسة، مع ما يستتبع ذلك من إمكانية الحكم عليه، ومن ثم ترحيله إلى بلاده بحسب ما ينص عليه القانون، وبتجاهل كلي للظروف القاهرة التي دفعت هؤلاء إلى الهرب إلى لبنان».

وأكد أن «السلطات الأمنية والقضائية في لبنان تخالف، بشكل سافر، روح اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقع عليها لبنان في 24 مايو (أيار) 2000، والتي تنص، في مادتها الثالثة، على ما حرفيته: لا يحق لأي دولة طرف (في المعاهدة) أن تطرد أي شخص أو أن تعيده إلى بلاده أو تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد أنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب، وعلى السلطات المختصة أن تراعي تحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة مع جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية».

وشدد شندب على أن «ما يحدث في هذا المجال يعرض لبنان للمساءلة الدولية»، لافتا إلى أن «المنظمات الدولية مثل (هيومان رايتس ووتش)، ومنظمة الكرامة لحقوق الإنسان، والجمعية اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان، رفعت تقارير موثقة إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حول المخالفات القانونية التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية». داعيا وزير العدل (في حكومة تصريف الأعمال، إبراهيم نجار) إلى «التدخل لوضع حد لهذه التجاوزات والحيلولة دون وضع لبنان على لائحة الدول المخالفة لهذه الاتفاقية مع ما يعرض الدولة اللبنانية إلى خطر المساءلة والمحاسبة».

إلى ذلك، سأل عضو كتلة «المستقبل»، النائب محمد كبارة، عن مغزى «التغطية على عمليات خطف المواطنين السوريين، التي تتم على الأراضي اللبنانية، وتسليمهم إلى النظام السوري»، مطالبا النيابات العامة والنائب العام التمييزي (القاضي سعيد ميرزا) بـ«وضع حد لهذه التجاوزات»، معتبرا أن الذين «يقومون بهذه الأفعال لا يدركون خطورة ذلك والمسؤوليات التي قد يتحملها لبنان أمام المجتمع الدولي».