«عندما تستقل التاكسي في دمشق فالتزم الصمت» نصائح يتناقلها السوريون على الـ«فيس بوك»

ازدياد انتشار رجال المخابرات في شوارع العاصمة ينشر الخوف بين السكان

TT

«عندما تركب تاكسي في دمشق فتجنب فتح أي حديث مع السائق، ليس لك مصلحة في ذلك» نصيحة يحذر ناشطون سوريون على موقع «فيس بوك» من أنها تتكرر في الشارع السوري منذ اشتداد الأزمة، إذ لا أحد يتكهن إلى أين يمكن أن يقود حديث عادي مع السائق.

أيام اشتداد الثورة في مصر، وحينها لم يكن أحد يتخيل أن تصل عدوى الثورة إلى الشارع السوري، استقلت يارا تاكسي في دمشق وفتح السائق معها حديثا حول الوضع في تونس ومصر وكيف أضرم بوعزيزي النار في نفسه مشعلا نار الثورة. قالت له يارا: «الله يجيرنا»، فرد السائق بغضب «لا يا أختي.. الله لا يجيرنا.. عندما يشقى المواطن طوال اليوم ومن ثم يأتي الشرطي ليسرق تعبه، ماذا يفعل؟ إذا أحرق نفسه قليل».

يارا التي كتبت ما قاله السائق على صفحتها في الـ«فيس بوك» تقول إنها ذعرت من كلامه الجريء جدا، خاصة حين راح يعدد أسماء الفاسدين في البلد، وخشيت أن يكون عنصر أمن ينصب لها كمينا، فآثرت التزام الصمت وهي تقول لنفسها «مصيبة إذا كانوا لا يكتفون باعتقال من يحكي بل ومن يسمع أيضا».

مع اندلاع الاحتجاجات، لاحظ الناس ازدياد بائعي البسطات في الأسواق وكذلك عدد عمال النظافة في الشوارع. فثمة حارات لم يكن يدخلها عمال النظافة سوى في المناسبات، الآن يدخلونها كل أربعة عمال مع بعض، وعدة مرات في اليوم الواحد. أما سائقو التاكسي فيقسم عاصم أنه ركب تاكسي أخبره سائقه أنه «عسكري في الفرقة الرابعة». ويكتب عاصم على صفحته «تسمرت على الكرسي وبلعت لساني» بعدما قال إنه «عسكري وتوعد لو أنه أمسك بأي شخص من الذين يخرجون في المظاهرات سيعمل من لحمه وجبة كباب». عاصم لم يتظاهر لكنه يؤيد الاحتجاج حسب ما تظهره مشاركاته في الـ«فيس بوك»، ويضع قائمة بمعلومات «كيف تعرف تاكسي المخابرات» مع نصائح ذهبية لضمان السلامة.

1- إذا كانت السيارة جديدة «طخ». 2 - فرش المقاعد غير مغبر.

3 - إذا كانت الإذاعة التي يسمعها السائق إف أم موالية للنظام أو أغاني علي الديك وأخواتها.

4 - إذا كان السائق يبدو عليه القلق والضجر وعيناه تتحركان مثل الرادار المجنون في كل الاتجاهات.

5- شكل السائق يشبه الممثلين الذين يظهرون في كليبات المغني علي الديك ووفيق حبيب.

6 - إذا كان غير مهتم بالنظر للعداد ولا بأخذ زيادة على العداد.

7- لديه شهوة جامحة للخطابة والاستعراض وكيل الشتائم لكل من يمس «بأمن البلد».

8- إذا علقت تعليقا لم يعجبه وبادر برفع صوت الإذاعة على أغنية تتغزل بالرئيس، بدل أن يقول لك «سد نيعك أحسن لك» أي أغلق فمك.

أما النصائح الذهبية للنجاة من سائقي المخابرات فيعددها عاصم كالتالي:

1- تجنب إبداء الرأي والاكتفاء بهز الرأس بالموافقة على كل ما يقولونه.

2- تبريد الأعصاب وضبط النفس وعدم الاستفزاز.

3- إظهار الرضا وحسن الاستماع لما يقال في الإذاعة مهما كان كاذبا. 4- لا داعي للبطولات والطلب من السائق خفض الصوت.

5 - تكرار جملة واحدة لا موقف فيها «الله يحمي البلد». 6 - تدرب على إبقاء ملامح وجهك محايدة مثل الحائط لا تعابير فيها مهما سمعت، لأنهم مدربون على قراءة ما خلف السطور أما السطور فلا يقرؤونها البتة.

7 - النزول من التاكسي عند أقرب فرصة دون الالتفات إلى الخلف. ويتابع عاصم إذا «كانت السيارة عتيقة مهرهرة، والسائق مرهق وليس له طاقة على الكلام، فهذا سائق تاكسي أصلي، ومع ذلك لا تبادر إلى الكلام ودعه هو الذي يبدأ، ولا تأخذ راحتك فورا انتظر حتى تجس نبضه، فإذا كان يسمع برنامج الشكاوى في إذاعة دمشق وفجأة غيرها إلى أغنية تافهة، فاعلم أن الحال من بعضه، وحالته بالويل. وربما كان يبادلك سوء الظن ويعتقد أنك أنت من الأمن».

إلا أن النصيحة الأهم - كما يقول عاصم - لتجنب كل ذلك هي «التزام الصمت». أما القصة المتداولة بين الناشطين وبما يشبه الطرفة، فهي عن صحافية عربية دخلت سرا إلى سوريا، وذات يوم جمعة ركبت تاكسي وطلبت بكل براءة من السائق أخذها إلى مكان فيه مظاهرات، وبدوره رحب السائق بطلبها، وقام على الفور بأخذها إلى أقرب فرع أمن. ريما كتبت في أحد تعليقاتها على كثافة الوجود الأمني في الشارع، أن سائق تاكسي بدا قلقا يوم الجمعة وشكا لها همه «أنا عسكري يوم الجمعة ننزل بالتاكسي ولو تمكنت اليوم من القبض على متظاهر سأسلمه لأذهب إلى البيت أرتاح». وبمجرد إظهارها تعاطفا مع وضعه، راح يستعرض لها القدرات الهائلة لدى الأمن لسحق كل من يخطر له المساس بسوريا «والسيد الرئيس»، ويروي لها قصصا وحشية عن «المندسين الذين يستحقون الإعدام». تقول ريما كنت «أسمع ويدي على قلبي، وأقول في سري يا رب ينتهي المشوار على خير»، في حين أن خالد المتحمس الذي كان يتمنى لو استقل تاكسي سائقه يعمل بالأمن، لم تتحقق أمنيته، والمرة الوحيدة التي ظن فيها أن السائق رجل أمن وراح يتحدى أن يكون الإعلام السوري صادق في أي قصة يرويها عما يجري. سارع السائق إلى تغيير الإذاعة من إف أم موالية للنظام إلى إذاعة للأغاني الشبابية وراح يكيل الشتائم للإعلام الكاذب في الداخل والخارج، وقال لخالد «الواحد ما بقى يعرف من يصدق الكل يكذب».