نجلا مبارك في زنزانة واحدة.. والعادلي في زنزانة خيرت الشاطر.. والوجبات تأتي من أحد الفنادق الفاخرة

«الشرق الأوسط» تدخل «بورتو طرة» سجن المشاهير «طرة سابقا»

TT

أطلق عليه نشطاء صفحات التواصل الاجتماعي (فيس بوك) والثوار اسم «بورتو طرة.. من أجلك أنت».. إنه سجن مزرعة طرة في مصر الذي يضم كبار رموز النظام المصري السابق، وعلى رأسهم علاء وجمال نجلا الرئيس السابق حسني مبارك، ورئيس ديوانه زكريا عزمي، ووزير داخليته حبيب العادلي، ومجموعة من الوزراء والمسؤولين السابقين وكبار رجال الأعمال.

«الشرق الأوسط» اقتحمت هذا السجن العتيق.. الذي أنشأه الزعيم الوفدي التاريخي مصطفى النحاس باشا عام 1928 عندما كان وزيرا للداخلية آنذاك بهدف تخفيف الزحام الذي شهده سجن أبو زعبل في ذلك الوقت.. لتنقل للقارئ عن كثب صورة حية لمكوناته وما يجري بداخله وكيف يقضي رموز النظام السابق أوقاتهم، وهل يلاقون معاملة تفضيلية عن باقي السجناء كما تردد.

حاولت «الشرق الأوسط» لقاء أركان النظام السابق، لكنهم رفضوا ذلك بشدة.. حيث يوجد علاء وجمال مبارك في زنزانة واحدة وهو ما اعتبره مسؤولو السجن أمرا قانونيا، بينما يقبع زكريا عزمي رجل النظام القوي الذي كانت بيده مفاتيح الأبواب المغلقة، في زنزانة واحدة مع خمسة من رجال الأعمال الذين كانوا يتقربون منه زلفى في ما مضى.. أما فتحي سرور وصفوت الشريف أشهر الرموز التشريعية للنظام فيرقد كل منهما وحيدا في زنزانة انفرادية، مثلهما مثل رجل النظام القوي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي.. وأنت في «طرة لاند» لا تسأل عن الطعام، فالوجبات جميعها تأتي من أحد الفنادق الفاخرة. كانت بداية رحلة دخولنا إلى السجن مع ركوب حافلة خاصة بقطاع مصلحة السجون ثم التوقف أمام الباب الرئيسي للسجن الذي تتمركز أمامه مدرعتان للجيش وعدد من ضباط القوات المسلحة.

وعلى الرغم من وجود ضباط من قطاع مصلحة السجون بالحافلة، فإن ضابط جيش برتبة نقيب أصر على الاطلاع على تصريح الدخول قبل فتح باب السجن، وبعد فتح الباب قمت بالدخول إلى بوابة الاستقبال الخاصة بالسجن، حيث مررنا ببوابة إلكترونية للكشف عن المعادن ثم جرى تفتيشنا بواسطة عصي إلكترونية قبل أن يتم سحب هواتفنا الجوالة ووضعها في الأمانات لحين انتهاء الزيارة منعا للتصوير.

جاءت اللحظة المنتظرة بالدخول إلى سجن المشاهير وبدأت ببوابة السجن بنية اللون وبها نافذة حديدية صغيرة للغاية ويعلوها لافتة مكتوب عليها (سجن المزرعة العمومي)، وأمامها مجندان برفقتهما كلبا حراسة ضخمان مكممان.. وبعد الدخول من بوابة السجن، دخلنا إلى حجرة مأمور السجن العقيد أحمد عبد الرازق الذي نشرت بعض الصحف والمواقع الإخبارية المصرية خبرا عن قيامه بتأدية التحية العسكرية لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي لدى دخوله السجن أول مرة، وهو ما حرص مأمور السجن على نفيه لي تماما في بداية اللقاء.

وقال عبد الرازق لـ«الشرق الأوسط» في جولتها التي استمرت أكثر من ساعة ونصف الساعة داخل السجن، وبدأت بعد الخامسة مساء أي بعد موعد إغلاق السجن، مما اضطره إلى عمل محضر رسمي لي بالدخول، إنه يتعامل مع جميع نزلاء السجن باعتبارهم سجناء مثلهم مثل أي سجين آخر حتى يتمكن من السيطرة عليهم داخل السجن، مع احترام حقوقهم الدستورية والقانونية بشكل كامل.

تم تسجيل الاسم وإذن الزيارة ثم اصطحبني للدخول، فمررت على بوابة تفتيش إلكترونية قبل الدخول إلى المحتوى الداخلي للسجن، وعقب اجتيازها ظهر على يميني ممر الزيارة؛ حيث وجدت ساحة بمساحة نحو 50 مترا مربعا مسقوفة بالصاج، وبها نحو 20 منضدة و80 مقعدا بلاستيكيا وملحقا بها كافيتريا صغيرة لخدمة الزائرين والسجناء، ثم عدنا مرة أخرى إلى ممر الدخول واجتزنا بوابة حديدية قبل الدخول إلى منطقة العنابر التي تنقسم إلى عنبرين.

ولدى خروجي من الباب ظهر في المواجهة مبنى المطبخ وخلفه مباشرة المخبز الخاص بالسجن ويعلو كل منهما 4 مجندين مسلحين، وأوضح مأمور السجن أنهم يتسلمون الأسلحة عقب دخول السجناء إلى زنازينهم في الساعة الخامسة مساء وعند خروجهم في السابعة صباحا كما تنص لائحة السجون، يتم تسليم الأسلحة واستبدالها بهراوة الشرطة خشية حدوث أي احتكاكات بالمجندين من قبل السجناء والحصول على أسلحتهم.

وعلى اليمين من البوابة، يوجد ملعب كرة سلة وآخر لكرة الطائرة في حالة مزرية يقعان بجوار عنبر «1» المخصص للسجناء الجنائيين، ثم ملعب كرة قدم من النجيلة وبه مرميان من دون شباك وعلى يمينه آخر رملي بمرميين بشباك، وبجانبه مستشفى سجن طرة العتيقة التي يعلوها لافتة مكتوب عليها (مستشفى مزرعة ليمان طرة 1941م – 1360هـ) وأسفلها بقليل على جدار جانبي جدارية من الرخام مكتوب عليه أنه تم تطوير المستشفى في عهد اللواء محمود وجدي رئيس قطاع مصلحة السجون الأسبق (وزير الداخلية السابق) في 21 فبراير (شباط) 2005.

ويتكون المستشفى من طابق واحد، يقع على يمين مدخلها غرفة المدير وأمامها وحدة الفم والأسنان ويليها وحدة الرعاية المركزة، وهي تلك الوحدة التي من المفترض نقل الرئيس المصري السابق إليها، في حالة صدور قرار رسمي بذلك من النائب العام المستشار عبد المجيد محمود وبعد موافقة وزير الداخلية، وداخل الغرفة منضدة ومقعدان بلاستيكيان ونافذة حديدية طويلة الشكل وسريران طبيان، وبجانب كل منهما أحد الأجهزة الطبية، بالإضافة إلى كشافي إضاءة بسقف الغرفة، ثم أمامها غرفة الأشعة ويليها عنبرا المرضى أحدهما به 10 أسرة والآخر به 12 سريرا وبكل عنبر 8 مراوح سقف وجهاز تلفاز.

وبعد الخروج من مستشفى السجن، جاء وقت الدخول إلى عنبر المشاهير الذي يتوق كل المصريين إلى رؤيته وهو العنبر رقم «2» المواجه لعنبر السجناء الجنائيين ويفصلهما سور عليه حراسة مشددة.. ذلك السجن الذي يحظر على أي سجين أو ضابط أو أي من أفراد الشرطة غير العاملين به من الاقتراب من بوابته ويعلوه 6 قناصة. وبعد اجتياز البوابة، يوجد 6 مجندين من الأمن المركزي كحراسة داخلية على تلك البوابة.

ثم استدرت يمينا لأجد بوابة أخرى يتم الدخول منها إلى الزنازين، وأمامها مجندان برفقتهما كلبا حراسة مكممان، ولدى دخولنا من تلك البوابة وجدنا على الجانب الأيمن ملعب كرة طائرة من الرمال ومحاط بسياج من البوص والأشجار القصيرة، وهو المكان المخصص للسجناء لممارسة الرياضة، وخلفه عنبر السجناء وهو عبارة عن باب حديدي صغير بداخله زنازين السجناء، وكل زنزانة مواجهة للأخرى، وكل باب زنزانة بني اللون وبعرض نحو 45 سم، ولم يظهر على مبنى العنبر أي آثار لوجود أجهزة تكييف بعكس ما تناقلته بعض التقارير الإعلامية التي أشارت إلى وجود أجهزة تكييف داخل عنبر المشاهير. وقال عبد الرازق إن بداخل كل زنزانة مروحة وثلاجة صغيرة.

ويأتي بعد ملعب كرة الطائرة ملعب التنس الشهير الذي تحاكت عنه العديد من وسائل الإعلام المصرية ووصفته بأنه تم إنشاؤه خصيصا لرفاهية رموز النظام السابق، ولكنه بدا ملعبا قديما متهالكا، وكان قد أنشئ إبان الاحتلال البريطاني لمصر ليقوم ضباط الاحتلال بممارسة اللعبة به، ثم يأتي مسجد السجن الذي قيل إن رئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف يؤم السجناء فيه لأداء صلاة الجمعة، وهو ما تبين عدم صحته أيضا، حيث يوجد به شيخ من وزارة الأوقاف معين بالسجن ليؤم المصلين.

وبسؤال الضابط المختص عن السجن - الذي رفض نشر اسمه - عن أحوال السجناء ومدى طلبهم لأي مطالب خارجة عن القانون أو تلقيهم أي معاملة تفضيلية، قال إن جميع السجناء بعنبر المشاهير يعاملون مثلهم مثل أي سجين ولا يطلبون أي مطالب غير قانونية خشية الإحراج جراء رفضها من إدارة السجن، خاصة أنهم يعلمون عدم إمكانية تحقيقها.

وأضاف أن نجلي الرئيس السابق جمال وعلاء مبارك في زنزانة واحدة خلفية لا تطل على مكان التريض، وأن وضعهما هذا قانوني، موضحا أن اللواء سمير سلام، مدير قطاع مصلحة السجون الأسبق، أضاف إلى لائحة السجون إمكانية حبس أي شقيقين في زنزانة واحدة في حالة طلبهما.

وأوضح أن زنزانة نجلي الرئيس السابق كان بها قبل دخولهما القيادي الإخواني البارز الدكتور محمد علي بشر، أما زنزانة اللواء حبيب العادلي الانفرادية فكان بها القيادي الإخواني خيرت الشاطر، في حين يقبع أحمد عز أمين التنظيم السابق بالحزب الوطني المنحل، ووزير السياحة السابق زهير جرانة، ووزير الإسكان السابق أحمد المغربي في زنزانة واحدة.

أما رئيس مجلس الشعب المنحل الدكتور أحمد فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى المنحل صفوت الشريف، ورئيس مجلس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد نظيف، فيقبع كل واحد منهم في زنزانة انفرادية، في حين يتقاسم الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق مع 5 من رجال الأعمال زنزانة كبيرة، بينما يجلس الرموز الإعلامية للنظام السابق وزير الإعلام أنس الفقي، ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ في زنزانة بمفردهما.

وأشار الضابط إلى أن جميع السجناء لا يواظبون على الخروج إلى مناطق التريض يوميا أو بشكل دائم؛ حيث يقومون بالتريض بالمشي أمام الزنازين من الداخل وقلما يظهرون خارج مبنى العنبر باستثناء يوم صلاة الجمعة لأداء الصلاة في مسجد السجن، كما أن إدارة السجن تحرص على عدم جلوسهم بعضهم مع بعض في مجموعات كبيرة من خلال تغيير ساعات التريض الخاصة بكل زنزانة أو زنزانتين.

وحول نوعية الطعام الذي يتم صرفه لهم، أوضح الضابط أنه من حق كل سجين احتياطي الحصول على طعامه من خارج السجن إن أراد، وهو ما يفعله جميع رموز النظام السابق؛ حيث يصل مندوب من أحد الفنادق الفاخرة يوميا وهو يحمل ما لذ وطاب من الأطعمة الشهية التي تكفي كل منهم طوال اليوم.