رئيس الحكومة الليبية يبرئ ساحة القذافي ويعلن تحمله المسؤولية عن كل ما جرى

المحمودي: طرابلس جادة في قرار وقف إطلاق النار شريطة التزام كل الأطراف خاصة الناتو

مقاتلون من صفوف الثوار يستريحون بعد مواجهات مع قوات القذافي في غرب مصراته أمس (أ.ب)
TT

سعى الدكتور البغدادي المحمودي، رئيس الحكومة الليبية، أمس، إلى تبرئة ساحة العقيد معمر القذافي من المشهد السياسي والعسكري الراهن في ليبيا. وقال إن الحكومة بمن فيها رئيسها يتحملون كافة المسؤولية عما حدث منذ اندلاع الثورة الشعبية للمطالبة بتنحية القذافي عن السلطة في 17 فبراير (شباط) الماضي.

وكرر البغدادي، في مؤتمر صحافي مفاجئ، عقده بعد ظهر أمس في طرابلس، مقولات القذافي بأنه لا يحكم، مؤكدا أن رحيل القذافي يعني رحيل الشعب الليبي كله.

وأعلن البغدادي أن القذافي بخير، وفي صحة جيدة، ويزاول كل مهامه، ويتمتع بكامل لياقته الصحية، ويمكن أن يظهر إعلاميا في اللحظة التي يريدها، مضيفا: «وعندما نحتاجه نتصل به للاطمئنان عليه ليس إلا، والعكس صحيح».

ورد المحمودي، عن سؤال من أحد المراسلين الأجانب عن حقيقة تعرض القذافي لنحو خمس محاولات اغتيال نفذتها قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال غاراتها على ليبيا، بسؤال الصحافي نفسه عن عمره، وعندما رد الصحافي «أنا كبير وعمري 56 عاما»، قال المحمودي ضاحكا «القائد (القذافي) أصغر منك بعشرين عاما وما زال قويا».

واعتبر المحمودي أن الحديث عن تنحي أو رحيل القذافي، يعني أن «العيب فينا نحن لأننا لم نسوق تجربتنا السياسية في ليبيا»، مشيرا إلى أن من يحكم في ليبيا هي المؤتمرات واللجان الشعبية، وأنه من الخطأ التعامل مع القذافي على أنه رئيس ليبيا، مؤكدا أن الحديث عن تنحي القذافي يعني تنحي المؤتمرات واللجان الشعبية.

وردا على سؤال بخصوص اتفاق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن ضرورة تنحي القذافي عن السلطة وعدم ممارسته لأي سلطات، قال البغدادي «القذافي قائد الشعب الليبي وزعميه، وهو من يقرر ماذا يرى الشعب الليبي، وهو في قلب كل ليبي، ولو رحل لرحل الشعب الليبي كله».

واعترف المحمودي بضراوة قصف الناتو خلال المدة الماضية، وما نتج عنه من أضرار بشرية، وتدمير للبنية الأساسية، معتبرا أن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك أجندة مبرمجة وفق مواعيد تكفل إصابة أكبر عدد من المواطنين، خاصة من المدنيين بالذات.

ولاحظ المحمودي أن هذا القصف يتم في ساعات متأخرة من الليل عندما تكون الأسر والعائلات موجودة في مساكنها، مبينا أن هذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الهدف هو ضرب المدنيين وليس حماية المدنيين، وكذلك القضاء على الشعب المسالم القليل في عدده، القوي في إرادته.

وعبر المحمودي عن مشاعر المرارة من بعض الدول العربية التي قال إنها باعت ضميرها، وتسعى إلى تدمير الشعب الليبي بتمويل ودفع فواتير قصف ليبيا وقصف بنيتها التحتية. وقال «إننا متأكدون رغم هذه المرارة أن كل الشعوب العربية تقف معنا ومع الشعب الليبي، وخير دليل على ذلك ما تقدمت به القبائل العربية بالأمس (أول من أمس) من مبادرات إلى ما يسمى بـ(الجامعة العربية)؛ إن كانت ما زالت هناك جامعة عربية».

وقال المحمودي «إننا بالتالي فعلا نشعر بالمرارة والحزن من موقف إخواننا العرب الذين جاءوا خلال السنة الماضية 2010، مرتين إلى ليبيا، وفي كل مرة كانوا يعبرون عن تأييدهم للقذافي، وحرصهم على أن يظل في رئاسة القمة العربية، ولكن للأسف إن الأقوال غير الأفعال؛ فهم يمولون الآن كل ما يتعرض له الشعب الليبي من قصف وتدمير»، على حد تعبيره.

وسعى رئيس الوزراء الليبي إلى تبرئة القذافي من الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الليبي وثورته الشعبية. وقال إنه مستعد للمحاكمة والمثول أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان) والمؤتمرات الشعبية للتحقيق في أي تقصير تم بشأن أداء الأجهزة التنفيذية والحكومية.

وأعلن البغدادي مجددا أن القذافي ليس هو من يحكم ليبيا، ساخرا من إعلان لويس أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بأن المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد القذافي هو من يتولى فعليا إدارة شؤون الحكومة الليبية، مشيرا إلى أن اللجان الشعبية هي المنوطة بمحاسبة المقصرين أمام الشعب، ونحن ندعوها لمحاسبتنا، فالتنصل من المسؤولية ليس من شيمنا.

وامتدح المحمودي روسيا قائلا «نثمن الدور الروسي الذي لم يلطخ يده بالدماء وما صدر عنه من مواقف تستحق كل تقدير، سواء الرئاسة أو الحكومة أو الشعب الروسي، ونرحب بأي دور له في القضية، كما أن الصين كان لها دور متميز في القضية الليبية، ولنا تعاون جاد مع الصين نأمل في استمراره».

وتطرق المحمودي للحديث عن علاقة ليبيا بالولايات المتحدة قائلا «علاقتنا بأميركا شابها بعض المشكلات في الماضي، ولكننا جلسنا سويا وتمكنا من معالجة كل الملفات وانطلقنا للأمام ووقعنا اتفاقات للكثير من الشركات الأميركية على الأراضي الليبية، ولا تزال العقود قائمة ولا نزال نطمح لصداقة أفضل قائمة على الاحترام المتبادل ونطمح في علاقات مثمرة بيننا، ونحن حريصون على التعاون مع الجميع فما زال هناك خط نلتقي عنده».

وتحدث المحمودي عن الثوار وقال: «أما ما يتعلق بالحديث عن إخواننا الذين لديهم وجهة نظر معينة في بعض الأحيان فأحملهم مسؤولية ما يحدث بسبب تصرفاتهم التي تسببت في مجيء قوات الناتو لليبيا ولولا هم ما حدث ذلك، فهم من تسبب في قرار مجلس الأمن وما صدر عن الجامعة العربية، بما عرض الشعب الليبي لتلك القرارات والتاريخ سيحاسبنا جميعا على ما حدث».

واستطرد قائلا: «ليبيا تهمنا جميعا وجاء الوقت لمعالجة أنفسنا بأنفسنا والوصول لنقطة تفاهم لكل شيء لإنهاء الوضع السيئ الذي نتعرض له جراء قصف الناتو بأن نحكم العقل، ولا يعني ذلك أننا ضعاف، ولكننا أقوياء بالشعب الليبي وأصدقائنا وقارتنا الأفريقية».

وتابع قائلا «لن نرضخ للتركيع، والتزام ليبيا خلال الشهور الماضية واضح للجميع، وهو أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريا، فلا بد من النقاش بين الليبيين في حوار هادئ وبعيد عن القنابل والصواريخ لنعطي وقتا للالتزام بالقرارين رقم 1970 و1973 (اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق المأهولة بالمدنيين والمهددة في ليبيا بما في ذلك بنغازي) ووقف إطلاق النار».

وقال «ليبيا كدولة وإدارة ملتزمة وطلبنا من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تحديد موعد معين لوقف إطلاق النار وإرسال مراقبين دوليين إلى البلاد».

ورفض المحمودي فكرة وقف إطلاق النار من جانب قوات القذاقي وعودة القوات المسلحة التابعة له لثكناتها، مشيرا إلى أنه طالب الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بوقف إطلاق النار من كل الجهات، وهو أمر له ترتيباته الخاصة التي يعرفها العسكريون.

وفيما يتعلق بالحوار مع المجلس الانتقالي، أشار المحمودي إلى أن كل ليبي له الحق في الجلوس على طاولة المفاوضات، مضيفا «لا فيتو ضد أحد، ونحن لم نرفض الحديث إليهم، ولكن ممثلي المجلس هم من رفضوا الحديث إلينا، وليبيا كدولة تتحدث مع أي شخص له وجهة نظر، فالديمقراطية المباشرة نظريتنا ولا نهمش أحدا، وبالمناسبة هناك أناس كثيرون من قيادات المجلس الانتقالي كانوا في الحكومة ولو هناك أخطاء فكلنا مسؤول عنها باعتبارنا الجهاز التنفيذي في ليبيا وليس القذافي».

وأضاف قائلا: «أما الطرف الثاني (الثوار) فيتكلمون ويبرئون أنفسهم من كل شيء ومنهم بالأمس من كان مسؤولا عن الناحية الأمنية والاقتصاد والتخطيط والسياسة النقدية في المصرف المركزي، والآن أصبحوا (شطارا) بإمكانهم أن يصبحوا معارضين فهم يعارضون سياستهم»، لكنه استدرك قائلا «نحن ما زلنا إخوة ومسؤولين أمام الشعب الليبي والقائد (القذافي) هو رمز للشعب وغير مسؤول عن الأمور التنفيذية، فنحن المسؤولون عنها».

وكشف النقاب عن أن نظام القذافي يستعين بمجموعة من المحامين لمقاضاة الناتو بدعوى تعريضه حياة المدنيين للخطر، ولمح إلى أن المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر لم يتقدم بأي شيء للقذافي، قائلا «نرحب بأي دور من مصر، وكنا نعول على إخواننا العرب كثيرا، ولا نزال نعول على بعضهم».

وشدد على تمسك نظام القذافي بالحل السلمي من أي جهة تقترحه، مشيرا إلى أنهم أفرجوا عن كل الصحافيين المعتقلين في سجون القذافي. واختتم حديثه بالقول «ليبيا جادة في قرار وقف إطلاق النار شريطة التزام كل الأطرف خاصة حلف الناتو».

وقالت إسبانيا، وهي إحدى أعضاء الناتو المشاركين في عمليات في ليبيا أمس إنها تلقت اقتراحا من المحمودي بوقف إطلاق النار فورا، حسب ما ذكرت «رويترز».

وقال متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسباني «تلقينا الرسالة وسنتخذ نفس موقف باقي أوروبا». وأضاف «الجميع يتطلع للتوصل إلى اتفاق. لكن لا بد من اتخاذ خطوات بعينها أولا وهي لم تتخذ حتى الآن».

وكانت صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية قد ذكرت أمس أن المحمودي كتب رسائل إلى عدد من الحكومات الأجنبية يقترح فيها وقفا فوريا لإطلاق النار تراقبه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

وفي سياق ذلك، قال نائب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض بن رودس، أمس، إن الولايات المتحدة لا تعتبر أحدث عرض من ليبيا لوقف إطلاق النار ذا مصداقية لأنه ليس مصحوبا بفعل، حسب ما ذكرت «رويترز».