أوغلو: الأسد عليه العلاج بالصدمة إذا كان لديه أمل في إنهاء الأزمة

أردوغان طالب مبارك بالتنحي قبل أميركا.. واعتبر سوريا حالة مختلفة

أحمد داود أوغلو
TT

صرح وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو أول من أمس، بأنه يتعين على الرئيس السوري بشار الأسد إجراء إصلاحات تشكل ما يمكن أن يوصف بـ«العلاج بالصدمة» لدولته، إذا كان لديه ذرة أمل في إنهاء أزمة امتدت لتسعة أسابيع والتي أثارت حالة من الاضطراب في المنطقة.

وقد اتخذت تعليقات وزير الخارجية التركي صورة التماس مقدم من تركيا، التي تنظر لسوريا باعتبارها أهم شؤون سياستها الخارجية ونقطة الارتكاز في استراتيجيتها الطموحة الهادفة إلى دمج أجزاء من الشرق الأوسط في اقتصادها المزدهر. ومنذ بضعة أشهر مضت، وصف داود أوغلو ومسؤولون أتراك آخرون الروابط القوية مع سوريا، الدولة التي كانت تركيا على وشك الدخول في حرب معها في 1998، باعتبارها أعظم النجاحات في سياستها الخارجية.

ويعرب المسؤولون الأتراك الآن عن مخاوفهم المتزايدة من احتمال أن يؤدي النزاع في سوريا إلى غزو اللاجئين السوريين حدودهم التي تبعد بمسافة 550 ميلا عن سوريا، كما تساور بعض المسؤولين مخاوف دفينة من احتمال أن تحاول سوريا زيادة حدة التوترات مع الأكراد داخل تركيا.

وكآخرين، يظل المسؤولون الأتراك غير واثقين مما إذا كان الأسد يعتزم – أو لديه القدرة على – القيام بالإصلاحات التي من شأنها أن تضع حدا لسطوة نخبة حاكمة تربطها روابط قبلية وطائفية وشخصية. وبعد حديثهم مع الأسد، تساءل بعض المسؤولين الأتراك والعرب عما إذا كان حتى يقدر بحق حجم وطبيعة الاحتجاجات العنيفة التي شكلت أخطر تهديد لحكمه الممتد منذ 11 عاما.

وتحدث أوغلو في مقابلة أجريت معه أثناء إدارته حملته الانتخابية في مدينة كونيا، موطنه الأصلي، استعدادا لدخول الانتخابات المزمع إجراؤها الشهر المقبل لشغل مقعد في البرلمان، قائلا: «ما يحتاجه (الأسد) الآن هو علاج بالصدمة لكسب قلوب شعبه». وأضاف: «على أن يكون ذلك في أقرب فرصة ممكنة». وعند سؤاله عما سيحدث في حالة عجز الرئيس السوري عن القيام بإصلاحات مؤثرة، رد داود أوغلو قائلا: «نحن لا نعلم. ولهذا استخدمنا اسم العلاج بالصدمة».

لقد ظهرت تركيا في غضون سنوات قليلة كأكثر الدول تأثيرا في المنطقة، مع ظهور تأثيرها السياسي الذي اكتشف حديثا وازدهار حصتها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. وهي تواجه الآن تحديا متزايدا ممثلا في اجتياز اضطرابات الربيع العربي. وعلى الرغم من أن العلاقات التي تربط تركيا بمصر لم تكن قوية بدرجة كبيرة، فقد طالب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الرئيس المصري السابق حسني مبارك بالتنحي، فيما كان مسؤولون أميركيون ما زالوا يفكرون في تفعيل عملية انتقال تدريجي للسلطة. وتم بث بيان أردوغان على الهواء مباشرة في ميدان التحرير الذي علت فيه هتافات المتظاهرين، على نحو دعم سمعته الطيبة بوصفه، على حد قول محرر تركي، «حبيب الشارع العربي».

وعقب محاولته التفاوض مع معمر القذافي على وقف إطلاق النار وفشله في تلك المحاولة، طلب أردوغان من القذافي التنحي هذا الشهر، في خطوة أتت متأخرة، ومنذ ذلك الحين بدأ المسؤولون الأتراك في استمالة المعارضة الليبية في دولة كانت حتى وقت قريب تملك استثمارات قيمتها 15 مليار دولار على الأقل والتي ساعدت في توفير فرص عمل لأتراك عددهم 25 ألفا يقيمون في سوريا.

وفي مقابلة أجريت معه هذا الأسبوع، كان أردوغان واضحا في قوله إن سوريا حالة مختلفة.. قال أردوغان: «الوضع في سوريا يماثل السياسات الداخلية في تركيا»، لافتا إلى أن تركيا «منزعجة وغاضبة جدا» من الأحداث الجارية هناك.

وقال أوغلو عن العلاقات التركية ــ السورية في السنوات الأخيرة: «كانت قصة نجاح بالنسبة لنا». وليس هناك مجال للشك في أن تركيا تنظر إلى ارتباطها بعلاقة مستقرة مع سوريا باعتباره أمرا بالغ الأهمية. ولكن على غرار المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، يبدو أنه لا أحد في تركيا لديه فكرة واضحة حول كيفية إجراء التفاوض بشأن مرحلة انتقالية في الدولة التي قد أوشك فيها مسؤولون سوريون، في محادثاتهم مع بعض الدبلوماسيين السوريين، على مساواة بقاء القيادة ببقاء طائفة العلويين الأقلية التي تدعم الجيش والاستخبارات والأسرة الحاكمة ذاتها.

وقال سولي أوزيل، أستاذ علاقات دولية في اسطنبول: «تركيا عاجزة كجميع الدول الأخرى عن دفع بشار الأسد إلى اتخاذ خطوة للأمام، حتى وإن رغب في اتخاذ إجراء ما». وعلى الرغم من أن تركيا قد سعت لتصعيد علامات عدم رضاها عن إجراءات القمع المشددة من قبل النظام السوري – من انتقادات تم التعبير عنها خلال اجتماع مدته ثلاث ساعات عقده أوغلو مع الأسد في أبريل (نيسان) إلى بيانات أشد لهجة أدلى بها أردوغان والتي أثارت حنق مسؤولين سوريين – يبدو عازما على إبقاء سبيل واحدة على الأقل لإشراك القيادة في دمشق. وأشار داود أوغلو نفسه إلى أنه يعتقد أن الأسد لا يزال بإمكانه القيام بإصلاحات. غير أنه أضاف قائلا: «سنرى ما يمكن أن يقدمه».

لقد حث مسؤولون أتراك الأسد على إجراء حوار وطني يشمل الإخوان المسلمين، وربما يسفر عن إدخال الجماعة في الحكومة بمنحها وزارتين فيها. كما اقترحوا أيضا شن حملة مكافحة للفساد، والتي ستطال دون شك الحلقة المقربة من الرئيس الأسد، وسن إجراءات أقوى لمحاسبة قوات الأمن التي عادة ما تمتلك صلاحيات تكفل لها العمل كما يحلو لها.

وحتى الآن، لم تتخذ أي من تلك الخطوات المقترحة، بخلاف مبادرة أحد مستشاري الحكومة بمقابلة مجموعة من قادة المعارضة في دمشق، وحذر داود أوغلو من أن الحكومة السورية تدور في «حلقة مفرغة من العنف». وأضاف قائلا: «لسوء الحظ، نشهد كل أسبوع وكل يوم جمعة سقوط المزيد من القتلى».

ويشكل شبح النزاع الطائفي في سوريا، الدولة التي تضم أغلبية من المسلمين السنة وأقليات ضخمة من المسيحيين والطوائف الإسلامية ذات الآراء الهرطقية، تحديا لأردوغان نفسه. فنظريا، تربط بعض الأحزاب في حكومته علاقات قوية بجماعة الإخوان المسلمين السورية، والتي قد أمضى بعض قادتها مؤخرا فترة في اسطنبول. وحذر أردوغان من أن المنطقة لا ترغب «في رؤية حماة جديدة»، في إشارة إلى قمع الجيش السوري لثورة إسلامية سنية اندلعت في 1982 والتي راح ضحيتها 10 آلاف قتيل على الأقل. كان هذا بيانا نظر إليه البعض من داخل القيادة السورية بنظرة طائفية متعصبة.

لقد احتشد المتظاهرون في اسطنبول احتجاجا على مصير السنة في سوريا، معبرين عن غضب دائرة انتخابية واحدة على الأقل يحظى أردوغان بشعبية كبيرة داخلها هنا. وفي الوقت الذي بالغ فيه أردوغان في تصوير نفسه كمناهض للتعصب الطائفي - بزيارته أضرحة الشيعة هذا العام في بغداد والنجف، على سبيل المثال – فقد طالبه بعض المتظاهرين في سوريا بمد يد العون لهم، رافعين صورا وشعارات له للتعبير عن امتنانهم للتصريحات التي أدلى بها. وقال جنكيز كاندار، كاتب أعمدة تركي بارز ومحلل متخصص في الشؤون العربية في اسطنبول: «ولكن يبدو أن قلوبهم تخفق تعاطفا مع السنة في سوريا».

* خدمة «نيويورك تايمز»