تحذيرات في الرباط من «تشويش» جهات إقليمية ودولية على دعوة المغرب للانضمام لمجلس التعاون الخليجي

مسؤول في الخارجية المغربية ينتقد موقف الجزائر حول ما سمته «الموت النهائي» للحلم المغاربي

TT

حذر مشاركون في ندوة ناقشت مسألة «انضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي» من التشويش الذي تمارسه بعض الأوساط الدولية والإقليمية على هذه المبادرة. وخلص المشاركون في الندوة التي نظمها معهد أماديوس أول من أمس في الرباط إلى أن دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون لا يمكن فهمها إلا كامتداد طبيعي للعلاقات الاستراتيجية العريقة والمتميزة التي تجمع المغرب بدول الخليج، من جهة، وكامتداد طبيعي أيضا لتجربة مجلس التعاون الخليجي الناجحة، والتي بلغت مرحلة النضج وبدأت تتحول من تكتل جغرافي إلى تكتل استراتيجي عبر الانفتاح على بلدان عربية من خارج النطاق الجغرافي للخليج، من جهة ثانية.

ورأى المشاركون في الندوة أن الانفتاح على المغرب والأردن هو مرحلة أولى في هذا التوجه الجديد لمجلس التعاون، والذي يتجه نحو إقامة فضاء عربي جديد مؤسس على قيم التضامن والتكامل والفعالية. وقال محمد أزروال، المفتش العام لوزارة الخارجية المغربية، إن هذه الدعوة لا يمكن اعتبارها مفاجأة، أو ربطها بسياق آخر غير سياقها الطبيعي المتمثل في التراكم التاريخي على مستوى العلاقات الاستراتيجية العريقة والقوية بين المغرب ودول الخليج، والتي كانت دائما مطبوعة بالتضامن القوي بينهما، والتطابق التام في المواقف والرؤى. وأشار أزروال إلى أن المغرب كان سباقا لأخذ المبادرة وموقف جريء خلال غزو العراق للكويت، كذلك مواقفه بالنسبة للجزر الإماراتية التي تحتلها إيران، وغيرها من القضايا التي كانت دائما للمغرب مواقف واضحة وصادقة بشأنها. وقال أزروال «لسنا بصدد دخول حسابات استراتيجية جديدة، كل ما في الأمر أن هناك سعيا لوضع إطار جديد واستراتيجيات جديدة لمواصلة واستمرار تطوير علاقات عريقة وقديمة. والمغرب يستمد مصداقيته من كون علاقاته الخارجية مبنية على القناعات والمصالح».

إضافة إلى ذلك يرى أزروال أن هذه الدعوة تعتبر رسالة قوية ومؤشرا إيجابيا على وزن المغرب في محيطه، سواء المتوسطي والأفريقي أو العربي الإسلامي. وانتقد أزروال الموقف الجزائري المتسرع من المبادرة الخليجية. وقال «لم يكن هناك أي رد فعل رسمي واضح على المبادرة من أي جهة، باستثناء الجزائر التي جاء ردها مفاجئا وقويا، وعلى أعلى مستوى». وتأسف أزروال لكون الجزائر اعتبرت أن انضمام المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي بمثابة إعلان للموت النهائي للحلم المغاربي، وقال «هذا مخالف للحقيقة التي عبر عنها المغرب مند اللحظة الأولى، إذ أكد المغرب بوضوح، في البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية عقب إعلان الدعوة الخليجية، أن خيار اتحاد المغرب العربي أساسي بالنسبة للمغرب. فلو قرأ حكام الجزائر بيان الخارجية المغربية بشيء من حسن النية لما تحدثوا عن قتل اتحاد المغرب العربي». وأضاف أزروال أن الجزائر هي التي تقف وراء توقف اتحاد المغرب العربي وليس المغرب الذي «بذل أقصى الجهود وقدم كل المبادرات والتصورات الممكنة لكي ينطلق البناء المغاربي بشكل متناسق ومتوازن، من أجل بناء فضاء مغاربي تشاركي ومشترك ويعود بالفائدة على الجميع، ويسهم فيه كل واحد حسب إمكانياته».

من جانبه، اعتبر العصري سعيد الظاهري، سفير الإمارات في الرباط، أن البحث في الأسباب التي كانت وراء الدعوة الخليجية للمغرب وآفاق هذه الدعوة وآليات التعاون الجديدة التي ستتمخض عنها بحث في غير محله وسابق لأوانه، مشيرا إلى أن الأسئلة كثيرة لكن عندما يلتقي مسؤولو البلدين وتبدأ المشاورات والنقاش بينهم من أجل وضع أسس الإطار الجديد للعلاقات، فستتم الإجابة عن كل هذه التساؤلات. وقال «الآن هناك دعوة، وهناك تاريخ حافل من العلاقات الجيدة والمتينة. وانضمام المغرب لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا».

وبدوره، اعتبر تاج الدين الحسيني، الباحث المغربي في العلاقات الدولية، أن دعوة انضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي تشكل حدثا أعمق من الظرفية الجغرافية والمصالح الآنية. وقال الحسيني «إن المنطقة العربية تعرف منذ أربعة شهور ما يمكن أن نسميه الموجة الثانية من العولمة. حيث كانت الموجة الأولى اقتصادية، أما هذه الموجة فهي سياسية، ولن يصمد أمامها إلا الأقوياء». وأضاف الحسيني أن دول الخليج تعاملت مع هذه الموجة بحكمة وتبصر. وأضاف الحسيني أن انفتاح مجلس التعاون الخليجي على الأردن والمغرب سيعيد تشكيل التوازنات في المنطقة، خاصة اتجاه الخطر الإيراني. وتوقع انضمام المغرب إلى اتفاقية الدفاع المشترك وإلى درع الخليج. غير أنه أشار إلى أن الاندماج يجب أن يتم على مراحل وبشكل متدرج.

ومن جهته، أشار محمد بن حمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، إلى أنه بمجرد الإعلان عن المبادرة وبوقت قصير جدا ظهرت قوى مضادة تحاول نسف الأمر، سواء في الخليج أو شمال أفريقيا، والتي سخرت وسائل إعلام ومثقفين للتصدي للمبادرة وتشويهها وتكوين رأي عام معارض لها. واستعرض بن حمو مجموعة من الأفكار المغلوطة التي يتم الترويج لها للتشويش على المبادرة. وقال «لسنا إطلاقا في منطق نادي الملكيات المحافظة في مواجهة نادي الجمهوريات المتقدمة كما يحاول البعض أن يصوغه. كما أن الأمر لا يتعلق بالأوضاع الداخلية للبلدان المعنية التي تختلف عما تعرفه دول أخرى في المنطقة. فالمغرب يواصل مسلسل الإصلاحات السياسية التي أطلقها مند سنين، ودول الخليج تدير دفة المرحلة بالحكمة نفسها التي أدارت بها في السابق دفة التحولات الاقتصادية، فيما دول أخرى في المنطقة تعيش مخاض التغيير بكثير من الألم، وبعضها يعيشه بشكل تراجيدي، والبعض الآخر يجري فيه خنق كل مبادرة للتغيير». وانتقد بن حمو ربط الدعوة الخليجية بالرغبة في الاستفادة من القوة العسكرية والأمنية للمغرب، واعتبر ذلك «عبثا فكريا وغباء سياسيا»، مشيرا إلى أن دول الخليج ليست في حاجة لمثل هذه المساعدة. وأضاف بن حمو أن دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون تأتي في سياق محاولة بناء نظام عربي جديد. وقال «الجامعة العربية معطلة، والاتحاد المغاربي يعيش حالة فشل وإعاقة، والهيكل العربي الوحيد الذي يشتغل هو مجلس التعاون الخليجي، لذلك لا غرابة أن يكون مصدرا للمبادرات والابتكار بهدف إخراج الوضع العربي من حالته والتأثير في التوازنات الكبرى للمنطقة»، مشيرا إلى أن هذه المبادرة تأتي في وقت تقوم فيه كل القوى الدولية الكبرى بإعادة بناء علاقاتها مع المنطقة سواء تعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي أو الصين أو أميركا.

الخبير الاقتصادي المغربي إدريس بن علي، تحدث عن المعوقات التي تواجهها المبادلات الاقتصادية بين المغرب ودول الخليج، مشيرا إلى بعد المسافة، واختلاف ثقافة الأعمال بسبب هيمنة المدرسة الفرنكفونية في المغرب والمدرسة الأنغلوساكسونية في المشرق. وقال بن علي إن الأسواق الخليجية أسواق حرة ومفتوحة، مما يجعل دخول المنتجات المغربية إليها صعبا بسبب المنافسة الشرسة التي تسود فيها. ويرى بن علي أن رهان تحسين العلاقات الاقتصادية بين الطرفين يمكن كسبه في إطار تعاون بين الدول وانخراط أقوى للصناديق السيادية الخليجية والاستثمارات الخليجية في تطوير البنيات التحتية وترقية الاقتصاد المغربي.

من جهته، قال رجل الأعمال المغربي عمر أكوري، رئيس فيدرالية الصيد البحري، إن الاندماج في مجلس التعاون الخليجي لا يشكل أي عقدة بالنسبة له نظرا لعامل الانتماء المشترك إلى الفضاء الثقافي نفسه. وأضاف أن على دول الخليج دعم مجهودات المغرب في مجال البنيات التحتية، مشيرا على الخصوص إلى مشروع بناء الربط القار بين المغرب وأوروبا عبر مضيق جبل طارق، والذي لا يزال يراوح مكانه رغم أهميته القصوى بالنسبة للمغرب وتنافسية منتجاته في أوروبا. ودعا المستثمرين الخليجيين إلى الاهتمام بكل الفرص التي يتيحها الوضع المتقدم بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، تحدث محمد أزروال عن تجربة التجارة الحرة بين المغرب والإمارات، والتي قابلتها بعض أوساط الأعمال المغربية في بدايتها بسلبية وبكثير من التخوف. وقال «سمعنا ملاحظات كثيرة عند إطلاق اتفاقية التجارة الحرة مع الإمارات. لكن للأسف لم يواكب قطاع الأعمال هذه الاتفاقية، ولم يتم استغلال الفرص التي تتيحها». وأشار أزروال إلى أن الاتفاقية تشكل تجربة مهمة ونافدة على الأسواق الخليجية. وأضاف أن المبادلات التجارية بين المغرب ودول مجلس التعاون عرفت مؤخرا طفرة قوية، إذ ارتفع حجم التجارة بين المغرب ودول الخليج بنسبة 55 في المائة خلال سنة 2010، وأصبح يشكل 5 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للمغرب بعد أن كان لا يتجاوز 3.6 في المائة العام السابق.