قمة دوفيل: الحضور الروسي يخفف لهجة بيان الثمانية الكبار إزاء سوريا وليبيا

شراكة ومساعدات مالية إلى دول «الربيع العربي» بشرط مواصلة الإصلاحات الديمقراطية

قادة الدول الثماني الكبرى في دوفيل أمس (إ.ب.أ)
TT

«دوفيل في حالة حصار».. هكذا يمكن وصف الترتيبات الأمنية الصارمة التي فرضت على المنتجع البحري الواقع على بعد 200 كلم شمال غربي باريس، الذي يجتذب أثرياء باريس بفنادقه الفخمة والكازينو وشاطئه الشهير.. 12252 رجل أمن ودرك وجيش وبوارج حربية في عرض البحر وأنظمة دفاع جوي وطوافات وطائرات حربية وأخرى من غير طيار: كل ذلك للحفاظ على أمن قمة الثمانية الكبار وضيوفهم من قادة أفريقيا واثنين من العالم العربي. وللوصول إلى دوفيل وخصوصا إلى وسطها، يتعين اجتياز العشرات من الحواجز الأمنية التي تدقق في كل شيء. أربعة أطواق دائرية أمنية أقيمت منذ أول من أمس. وعلى كل مفترق طرق وكل زاوية، وقف رجل أمن يراقب ويدقق. ولا سبيل للمزاح. المفتاح السحري الوحيد الذي يفتح كل الأبواب، باستثناء الوصول إلى قاعة المؤتمرات نفسها أو أماكن نزول القادة الثمانية وضيوفهم، مثل الأمين العام للأمم المتحدة أو رئيس الاتحاد الأوروبي ورئيس المفوضية، هو التصريح الخاص من رئاسة القمة والواجب حمله باستمرار.

وبررت الرئاسة الفرنسية التدابير الاستثنائية بالرغبة في «تفادي المفاجآت» بعد مقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن واعتداء مراكش الإرهابي.

وتقدر تكلفة القمة بعشرين مليون يورو. وحرص المنظمون على إبعاد الحركات الاحتجاجية عن مدينة دوفيل ومحيطها إلى مدينة «لو هافر» حيث لن يراها أحد من المشاركين ولن تزعج «نادي الأغنياء» الثمانية وضيوفهم.

غير أن المخاوف الأمنية لم تمنع الرؤساء الأميركي والروسي والفرنسي؛ باراك أوباما وميدفيديف ونيكولا ساركوزي، من قطع بضع عشرات من الأمتار سيرا على الأقدام لتحية المئات من السكان احتشدوا للمناسبة أمام مقر المؤتمرات.

إنها «قمة الربيع العربي» التي بدأت ظهر أمس بغداء عمل للقادة الثمانية بحضور رئيس الاتحاد الأوروبي، فان رومبوي، ورئيس المفوضية، مانويل باروسو. وسيخصص صباح اليوم اجتماع يشارك فيه القادة الثمانية ورئيسا وزراء مصر وتونس، عصام شرف، والباجي قائد السبسي، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وأمين عام الجامعة العربية الدكتور عمرو موسى، ومسؤولو المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي..)، لإطلاق «الشراكة الدائمة» التي تعني دعما سياسيا ومواكبة مالية واقتصادية للدولتين اللتين عبرتا إلى الديمقراطية، وتوجيه «رسائل» إلى الدول الأخرى لإفهامها أن خيار الديمقراطية مفيد لها ولشعوبها. وفي مؤتمر صحافي سبق غداء العمل، شدد رئيس المفوضية الأوروبية على أن المساعدات المالية لدول الربيع العربي وللدول الأخرى التي تختار طريق الديمقراطية ستكون «مشروطة»، بحيث إن «مزيدا من الإصلاحات (الديمقراطية) يعني مزيدا من المساعدات والعكس بالعكس صحيح». وكشف باروسو أن 7 مليارات يورو من الهبات ستصرف لدول جنوب المتوسط (وشرق أوروبا)، و6 مليارات إضافية من القروض.

وشدد رئيس المفوضية على رغبة الاتحاد في تطوير وتعميق وإعادة النظر في «سياسة الجوار» مع دول المتوسط، ومن ضمنها «مراجعة العلاقات مع سوريا وليبيا» بمعنى تجميدها، غير أن باروسو نبه إلى أن الاتحاد «لا يريد معاقبة السكان» في هذين البلدين؛ ما يفهم على أنه امتناع عن السعي إلى فرض عقوبات عامة على هذين البلدين.

ويشكل دعم «الربيع العربي» نقطة التفاهم الوحيدة في الميدان السياسي بين الدول الثمانية، إلى جانب الإعراب عن العزم على مساعدة القارة الأفريقية وزيادة المساعدات المالية والتعاون الاقتصادي معها، ما سيبرز اليوم عبر الاجتماع مع قادة دول برنامج النيباد الخمس، ورؤساء بلدان ساحل العاج ونيجيريا وغينيا التي عرفت مؤخرا «انتخابات ديمقراطية» وفق تفسير قصر الإليزيه. وجدير بالذكر أن مناقشات القادة الثمانية حول الربيع العربي والقضايا الساخنة (إيران، الإرهاب، مسار السلام في الشرق الأوسط؛ سوريا، ليبيا...) جرت مساء في إطار عشاء العمل. وحتى مساء أمس، كانت المناقشات حامية بين مساعدي الثمانية لإقرار البنود الخلافية في البيان الختامي الذي سيصدر اليوم رسميا، وعلمت «الشرق الأوسط» أن روسيا أثارت أكثر من وجهة نظر «معروفة» ومخالفة للموقف الغربي.

ففي الموضوع السوري، رفض الطرف الروسي تحميل مسؤولية العنف للنظام السوري وحده؛ إذ أكد أنه من «مسؤولية الجانبين»، كذلك رفضت روسيا أن يدعو البيان إلى رحيل القذافي على الرغم من أنها قبلت نصا يقول إنه «فقد شرعيته».

وفي موضوع دعوة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى استئناف فوري للمفاوضات، اعترضت كندا وطالبت الجانب الفلسطيني بأن «يوضح» موقفه أولا، بمعنى أن تلتزم حركة حماس علنا بشروط الرباعية الدولية، وهي الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وبالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، والتخلي عن العنف.