«ميدان التحرير» قبل «جمعة الغضب الثانية».. تحريض على الجيش وإقبال على «تي شيرت» الثورة

الجيش قرر عدم التواجد في أماكن المظاهرات اعتمادا على شباب الثورة

TT

يغيب «عم خلف»، صاحب كشك سجائر شهير بميدان التحرير، وسط العاصمة المصرية، للمرة الأولى عن المظاهرات المليونية التي يستعد نشطاء مصريون لتنظيم أكثرها إثارة للجدل اليوم (الجمعة)، منذ اندلاع الثورة في 25 يناير (كانون الثاني).. وبمرارة يقول «عم خلف»: «أمر الله! هنقفل بكره، وزعوا منشورات بتقول إن بكرة حيبقى ضرب وتكسير».. لا يملك «عم خلف» نسخة من البيان الذي يتحدث عنه، ولم تعثر «الشرق الأوسط» على نسخة منه بالميدان، لكن ثمة مؤشرات تعزز مخاوف الرجل، الذي أدمن الميدان وجوده به منذ سنوات طويلة.

جانب من هذا القلق تبدى في رسالة أصدرها المجلس العسكري وحملت رقم (58) على صفحته على الموقع الاجتماعي «فيس بوك» قال فيها: «يهيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بكل المصريين مراعاة الحيطة والحذر، خاصة مع ما تردد من احتمالات قيام عناصر مشبوهة بمحاولة تنفيذ أعمال تهدف إلى الوقيعة بين أبناء الشعب المصري وقواته المسلحة».

وتابع المجلس العسكري في رسالته بقوله إنه «اتخذ قرارا بعدم الوجود في مناطق المظاهرات نهائيا درءا لهذه المخاطر واعتمادا على شباب الثورة العظيمة والذي سيتولى التنظيم والتأمين»، ومضيفا أن دور عناصر الجيش ستقتصر على «تأمين المنشآت الحيوية للتصدي لمحاولة العبث بأمن مصر». وأعاد المجلس العسكري التأكيد على أن «القوات المسلحة لم ولن تستخدم العنف أو تطلق رصاصة واحدة تجاه أبناء هذا الوطن الغالي».

بدأت القصة مع إعلان نشطاء مصريين عن تنظيم مظاهرة مليونية يوم الجمعة 27 مايو (أيار)، قبل نحو أسبوعين، في أعقاب تسريبات عن رغبة الرئيس السابق حسني مبارك في تقديم طلب للعفو عنه، وهو ما تزامن مع إطلاق سراح زوجته سوزان مبارك وعدد من رموز نظامه.

حملت الدعوة المليونية شعار «أنا مش حاسس بالتغيير ونازل تاني التحرير»، لكن ما أثار تحفظ القوى السياسية بما فيها المشاركة في المظاهرة الاسم الذي أطلق على الدعوة.. «جمعة الغضب الثانية»، في إشارة إلى جمعة الغضب الأولى التي أطاحت بنظام مبارك.

أمام ماكينات صرف النقود في شارع طلعت حرب بوسط العاصمة تدافع مواطنون أمس مع انتشار أنباء حول قرار بإفراغها من النقود من قبل موظفي البنوك تحسبا لاندلاع أعمال شغب وانفلات أمني، مثلما حدث يوم 28 يناير الماضي، بعد انهيار مؤسسة الشرطة في مصر وانسحابها من الشوارع.

على الجانب الآخر من الميدان أمام مجمع التحرير اشتبك عدد من المواطنين مع مجموعة من الشباب أطلقوا على أنفسهم اسم «ضحايا 9 مارس (آذار)» وانتشروا بالميدان لدعوة المواطنين للتظاهر اليوم (الجمعة) ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة شؤون البلاد منذ 11 فبراير (شباط) الماضي.

يحمل هؤلاء الشباب أوراقا يقولون إنها وثائق تعود لإدارة سجن شديد الحراسة بطرة، المعروف بسجن العقرب، حيث أمضوا 75 يوما بعد أن ألقت عناصر الشرطة العسكرية (التابعة للقوات المسلحة المصرية) القبض عليهم قبل إحالتهم إلى القضاء العسكري.

أحدهم ويدعى «غريب عمر»، قال لـ«الشرق الأوسط» وهو يبرز ما قال إنها وثيقة صحية صادرة عن سجن طرة: «حكموا علينا أمام محكمة عسكرية بثلاث سنوات لحيازة مفرقعات ثم أطلق سراحنا بعد 75 يوما».

تخلو الوثيقة من الأختام الرسمية وتحمل عنوان «شهادة صحية»، مع توقيع لمأمور سجن شديد الحراسة، تعود إلى تاريخ 10 مارس، حيث يقول هؤلاء الشباب إنه قد تم القبض عليهم قبل ذلك بيوم واحد في ميدان التحرير لدى مشاركتهم في إحدى المظاهرات المليونية. يكمل مصطفى أحد هؤلاء الشباب الرواية بما قال إنه دليل محفور على جسده، وقد أظهر لـ«الشرق الأوسط» ما قال إنه آثار تعذيب على ظهره، مضيفا أن من قام بـ«جلده» عناصر من الجيش احتجزته داخل المتحف المصري بميدان التحرير.

أثار هذا الحديث غضب عدد من المواطنين بالميدان واشتبكوا بالأيدي مع هؤلاء الشباب.. «دول بلطجية النظام.. دا كلام فارغ!».. هذا ما كان يردده سيد عبد الخالق موظف تصادف عبوره بالمكان، قال لـ«الشرق الأوسط»: «انظر فقط لأشكالهم.. الأمر لا يحتاج إلى أي إثبات آخر.. دول أشكالهم مريبة».

يمسك أحمد خليل بهاتفه الجوال في محاولة لتحديد يوم 9 مارس.. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أهوه يوم 9 مارس كان يوم الأربعاء.. ما كنش فيه مليونية ولا مظاهرات».

يملك هؤلاء الشباب جانبا يبدو مظلما من الحقيقة لكنهم في المقابل يخفون جانبا آخر. فبالفعل كانت ثمة وقائع اعتقال يوم الأربعاء 9 مارس الماضي قامت بها عناصر من الجيش المصري، حيث تم إلقاء القبض على نحو 120 مواطنا في أحداث عنف طائفي بحي المقطم، ولقي 13 مسيحيا مصرعهم وأصيب 110 آخرون في اشتباكات بين متظاهرين مسيحيين قطعوا الطرق بمنطقة السيدة عائشة والقلعة والمقطم (شرق القاهرة)، احتجاجا على حرق وهدم كنيسة «الشهيدين» بقرية صول التابعة لمركز أطفيح بمحافظة حلوان، وبين مسلمين غاضبين من قطع الطرق، بينما دخل طرف ثالث على خط الاشتباكات هم «البلطجية».

حالة الفوضى وانتشار الشائعات والتحريض على الجيش التي سادت ميدان التحرير أمس وجدت صداها على المواقع الاجتماعية على الفضاء الإلكتروني، حيث انتشرت شائعات عن اعتقال عدد من النشطاء المصريين من حركة «6 أبريل/نيسان»، وأكد الناشط محمد عادل المتحدث الإعلامي باسم الحركة، أنه تم اعتقال 4 من نشطاء الحركة أول من أمس وأمس، هم إبراهيم عابد، وشريف محمد، والدكتورة عايدة الكاشف، وعبد الرحمن المدين، وذلك أثناء توزيعهم ملصقات تدعو للمشاركة في مليونية الغضب الثانية. وبث الموقع الاجتماعي «تويتر» أنباء عن انطلاق مظاهرات في شوارع القاهرة ترفع شعارات مناهضة للجيش، فيما حملت تعليقات أخرى على الموقع تشكيكا وارتيابا بشأن ما سموه «محاولات التخويف». لكن المسألة تعدت ذلك، حيث تصدت قوات الأمن لهجوم مجموعة من البلطجية على قسم شرطة بالإسكندرية في محاولة لإخراج عدد من المساجين، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية أمس.

وباستثناء الباعة الجائلين الذين حضروا إلى ميدان التحرير بـ«تي شيرتات الثورة» كما يطلقون عليها، وهي قمصان قطنية تحمل شعارات «ثورة 25 يناير»، التي تشهد حالة رواج، يبدو الخوف مسيطرا على الميدان، وسط حالة من الترقب والحذر قبل ساعات من انطلاق مظاهرات «الثورة المصرية الثانية» كما أطلق عليها عدد من النشطاء، التي تشكل اختبارا حقيقيا على استمرار روح الثورة وتماسكها.

يعزز ذلك دعاء «ربنا يستر».. الذي بدا كتعقيب مشترك في حديث المصريين أمس بميدان التحرير تعليقا على توقعاتهم لمظاهرات اليوم (الجمعة).