مستشار رئيس الوزراء المصري: أتشكك في أن مصر بيد مجلس رئاسي ستكون بأمان

معتز بالله عبد الفتاح في حوار مع «الشرق الأوسط» : المظاهرات السلمية حق دستوري لكن الاعتصام مرفوض.. والمعتصمون سيحاكمون عسكريا

معتز بالله عبد الفتاح
TT

دافع الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، المستشار السياسي لرئيس الوزراء المصري، عن حكومة الدكتور عصام شرف، ورفض اتهامها بالتباطؤ، قائلا «التركة التي تركها النظام السابق ثقيلة، وتباطؤ الحكومة هو تباطؤ من دخل مكانا وهو معصوب العينين فعليه أن يتلمس ما فيه ببطء وروية، لأن الأمور ليست واضحة بالقدر الكافي». وحذر عبد الفتاح، في حديث لـ«الشرق الأوسط» من أن من يحاول الاعتصام سيواجه نفس مصير من حاولوا الاعتصام أمام السفارة الإسرائيلية، وهو المحاكمات العسكرية، وقال «المظاهرات السلمية تحترم، وهي حق منصوص عليه دستوريا، لكن الاعتصام مرفوض».

وأعرب عبد الفتاح عن تشككه في قدرة مجلس رئاسي مكون من خمسة أشخاص على إدارة شؤون البلاد، وهو ما تطالب به بعض القوى السياسية، قائلا «أتشكك في أننا سنكون في أيد أمينة إن تركنا المسألة في يد خمسة أشخاص، غير واضح من هم، لا سيما أن معظم من يرغبون في ترشيح أنفسهم لانتخابات الرئاسة لن يكونوا من ضمن هؤلاء الخمسة، فالمسألة ملتبسة، وأعتقد أنه لن يعمل بهذه الفكرة.. وخبرتي المتواضعة أن أبناء النخبة المصرية من المدنيين كثيرا ما يلتقون وقليلا ما يتفقون».

* ما طبيعة دورك كمستشار سياسي لرئيس الوزراء المصري؟

- هناك ملفات كثيرة تعامل معها الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء سواء على المدى الطويل أو القصير، ويكون مطلوبا من مستشاريه، كل في مجال تخصصه، أن يساعدوه في تجميع المعلومات والاتصال بجهات مختلفة ذات صلة بالموضوعات المطروحة، وتقديم المشورة وتوسيع دائرة البدائل المتاحة أمامه، فهناك ملفات كثيرة تطرح علينا. وآخر ما توصلنا إليه الآن هو إقامة مجلس «العدالة الوطنية» كهيئة داخل مجلس الوزراء تهتم بكل ما له علاقة بالعدالة الوطنية، سواء ارتبطت بقضايا فئوية، أو مطلبية، أو دينية، إلى آخره، ونسعى من خلاله لإيجاد آلية مؤسسية سريعة يمكن لها أن تطفئ الحرائق إن حدثت، وأن تستجيب للمطالب قبل حتى أن تصل لدرجة الأزمة، وإشاعة ثقافة احترام المؤسسات والقانون والقيم الحاكمة لهذا المجتمع وعلى رأسها المواطنة. فهذا المجلس نستطيع أن نطلق عليه اسم «ديوان عام لكل من ظلم في عهد النظام السابق».

* لكن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة، أبرزها البطء في التصرف، وعدم الحسم في قراراتها.. ما ردك على تلك الانتقادات؟

- التركة التي خلفها النظام السابق ثقيلة، فلم تحدث عملية تسليم وتسلم للسلطة، فكثير من الملفات التي نناقشها ونتعامل معها نكتشفها، فنحن لا نسير على هدي نظام سابق قدم لنا معلومات موثقة ومحكمة، بل أحيانا تكون هناك قضايا فساد أو إهمال أو غيرها يتم إخفاء المعلومات المرتبطة بها والوثائق الدالة عليها. والبعض يتحدث عن تباطؤ، أنا أتفهم أنه تباطؤ من دخل مكانا وهو معصوب العينين فعليه أن يتلمس ما فيه ببطء وروية، لأن الأمور ليست واضحة بالقدر الكافي، وهذا منطقي في أعقاب الثورة. وأود أن أشير إلى أن الحكومة تقوم بمراجعة أدائها، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة أيضا يراجع أداءها.

* كثر الحديث خلال الفترة الماضية عن قرب إجراء تعديل وزاري على حكومة الدكتور عصام شرف، ما مدى صحة ذلك؟

- لا يمكنني تأكيد أو نفي ذلك، لأن التعديل الوزاري ليس قرار رئيس الوزراء فقط، وإنما هو نوع من التوافق على الأقل بين جهتين، هما المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، فنحن على يقين أن المجلس الأعلى لم يُستشر في هذا الأمر حتى الآن، ولا أعلم ماذا سيكون موقفه، إذن فكل الاحتمالات مفتوحة. لكن قطعا الوزارة في شكلها الحالي كانت إلى حد بعيد تعبر عن اللحظة التي ولدت فيها، وأؤكد أن المراجعات قائمة ودائمة.

* أصيب الشارع المصري بخيبة أمل لتولي الدكتور نبيل العربي منصب أمين العام لجامعة العربية وتركه وزارة الخارجية، هل توافق على ذلك؟

- لا شك أن الدكتور نبيل العربي رجل له قيمة، سواء كان في جامعة الدول العربية أو وزارة الخارجية، لكن دعونا نفكر بمنطق القوة الشاملة للدولة المصرية، فتأثير مصر في محيطها يرتبط بأمور كثيرة، من ضمنها أن يكون الأمين العام لجامعة الدول العربية من دولة المقر، فتولي الدكتور نبيل العربي أمانة الجامعة العربية مهمة وطنية قومية، ونحن نعلم أن الخارجية واحدة من المؤسسات العريقة التي لها تاريخ طويل في إنتاج أسماء بارزة، وأنا أتوقع أن من سيأتي بعده لن يكون أقل منه في الكفاءة والوطنية، ولا في الجانب المشرق الذي خلفه نبيل العربي في الفترة القليلة التي تولى فيها منصبه، فتفاءلوا بالخير تجدوه، والدكتور نبيل العربي قادر على أن يعيد لمصر مكانتها المنطقية في محيطها العربي.

* ما زالت مصر تعاني من حالة انفلات أمني، لماذا لا تتخذ الحكومة خطوات حاسمة في هذا الملف؟

- هناك ميلاد جديد لوزارة الداخلية المصرية، فما حدث في 25 و28 يناير (كانون الثاني) الماضي ضربة للطريقة التقليدية التي كانت تدير بها وزارة الداخلية الملفات كلها، فكل ملفات مصر كانت في النهاية من اختصاص جهاز أمن الدولة، ونستطيع أن نقول إن وزارة الداخلية ماتت وبعثت من جديد في المرحلة الحالية، ولهذا السبب هي تخطو خطواتها الأولى، ربما تتعثر، ربما تكون بطيئة، لكن السؤال هو: هل نحن اليوم أفضل مما كنا عليه من شهر؟.. أعتقد أن الإجابة نعم، فالوجود الشرطي الآن في شوارع مصر أكثر كثيرا مما كان عليه في الفترة السابقة.. هناك تعاون بشكل أكبر بين القوات المسلحة والشرطة، وهناك تسليح أكبر، وتتم إعادة بناء السجون وأقسام الشرطة التي دمرت بالكامل، وهناك دفعة جديدة تخرجت في كلية الشرطة، فهناك بعث جديد للداخلية يحدث الآن، وأتصور أننا سنعود إلى وضع أفضل مما كنا عليه، لكن الميلاد الجديد لوزارة الداخلية يتطلب وقتا، ورغم أن المؤشرات الأمنية تتحسن ببطء فإنها تتحسن في الاتجاه الصحيح.

* كيف ذلك ووزارة الداخلية شهدت مؤخرا حركة ترقيات شملت بعض الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين خلال أيام الثورة، وهو ما أثار غضب الشارع تجاه الشرطة مجددا؟

- أنا لا أستطيع أن أتحدث في هذا الموضوع بتفصيل كبير، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى، لكن ما أعرفه هو أن جهاز الشرطة من تحقيقاته الداخلية فرق بين من تعمد القتل أو التعذيب أو الإضرار بالصالح العام، ومن اضطر، ولا أعرف هل الاضطرار يصلح في هذا المقام أم لا، لكن هناك فرقا بين من يستغل منصبه من أجل النيل من الآخرين ومن الثوار وقتلهم، وبين من كان ينفذ الأوامر وصدرت منه أخطاء عفوية، وبالتالي النيابة ستحقق قطعا، ولا يوجد شخص بما في ذلك الوزراء ورئيس الوزراء فوق القانون، وفي النهاية لو كان هناك تضارب بين ما تقرره النيابة العامة وما تعتقده وزارة الداخلية بشأن ضباطها، فإن القرار النهائي سيكون للنيابة العامة.

* في رأيك، ما هي أسباب أحداث الفتنة الطائفية التي تشهدها مصر الآن؟

- أسباب الفتنة الطائفية هي: الغفلة وإساءة فهم العلاقات الإسلامية المسيحية التي هي في الأصل علاقات شراكة في وطن واحد، تقوم على المواطنة وتاريخ طويل في بناء الجماعة الوطنية المصرية، وأتصور أن مجلس «العدالة الوطنية» سيكون إحدى الأدوات المهمة التي تقوم بالدفاع عن حق الجميع، فنحن جهة وطنية محايدة، فإذا أراد شخص أن يتحول من المسيحية للإسلام أو العكس فهذا قراره الشخصي والدولة لا تتدخل فيه، إنها فقط تتأكد من الجدية، حتى لا يبدو الأمر عبثا، وتوفر لهم الحماية، إنما نحن لا نتدخل في شأن ديني، فهذا المجلس إحدى مهامه ستكون إدارة هذا الملف بكل أبعاده، وستكون له فروع في كل المحافظات، وأعتقد أن وجود هيئة مؤسسية تدير هذا الملف سيضيف لها الكثير.

* بما أنك التقيت مع المسيحيين الذين كانوا معتصمين أمام ماسبيرو، فماذا كانت مطالبهم تحديدا؟

- مظالم المسيحيين مرتبطة بفترة ما قبل الثورة، مثل غلق كنائس كثيرة، واعتقال بعض الأشخاص من دون محاكمات حقيقية، وشعورهم بأنهم لا يلاقون المعاملة العادلة وفقا للقانون، وهم يرون أن هناك فراغا تشريعيا يرتبط ببعض القوانين فيريدون استكمالها.. إجمالا هي مطالب مشروعة، لكن قبل ثورة 25 يناير كان هناك شيء من المعايير المزدوجة في التعامل مع المسيحيين، وكانت هناك لعبة توازنات ومواءمات، ولم يكن هناك إعمال واضح لصحيح القانون في كل المسائل. ولعل أبرز ما نطالب به الآن هو قانون موحد لدور العبادة، هو الذي يحدد إجراءات بناء الكنيسة والمسجد، حتى لا نجد في النهاية أنفسنا في حالة اقتتال داخلي على قضية إذا سئل فيها 99% من المصريين ما وجدوا فيها غضاضة. وهذا القانون لو تم الانتهاء منه ووافق عليه المسلمون والمسيحيون فلا يوجد مانع من إصداره الآن، لكن عدم صدوره حتى الآن لا يعني أن الكنائس لن تبنى.

* هل تتفق مع الخوف من التصاعد المتزايد لقوى السلفيين؟

- السلفيون جزء من المجتمع المصري، وأعتقد أننا كنا لفترة طويلة نعلم بوجودهم، لكن لم يكن لهم دور سياسي، الخوف الآن من أنهم أصبحوا يتحدثون في السياسة، لكن من الملاحظ أن آراءهم تتطور، فقبل الثورة كانوا يرون أن التظاهر بدعة والديمقراطية كفر، لكن بعد الثورة قالوا بما أن الأمة تراضت على كلمة ديمقراطية إذن نستخدمها ما دامت لا تتناقض مع شرع الله، لكن المشكلة أن بعض السلفيين صوروا الأمر كما لو كان انتصارا سلفيا، فأصبح هناك تخوف من السلفيين وأنهم قد خرجوا من جحورهم كما يقول البعض، لكن ما أعلمه عنهم أن الكثير منهم عقلاء وهم أغلبية ويراجعون بعض السلفيين الذين ربما يخطئون هنا أو هناك، وإجمالا الخوف المبالغ فيه للسلفيين أنا لا أؤيده.

* انتقد الكثيرون استعانة الحكومة بالشيخ محمد حسان في حل الأزمات الطائفية مثل أزمة قنا وكنيسة أطفيح، واعتبروها محاولة من الحكومة لإقحام السلفيين في الحياة السياسية، فهل هذه صحيح؟

- الشيخ محمد حسان تطوع للقيام بهذا الدور، وهناك فرق كبير بين أن يقوم رئيس الوزراء بالاتصال بأحد ويكلفه بالقيام بدور نيابة عن الحكومة، وهو ما لم يحدث، وبين أن يتدخل رجل له مكانته بين من يستمعون إليه ويذهب للتحدث مع الناس، وهناك من استجاب وهناك من لم يستجب، لكن الشيخ حسان ليس محسوبا على الحكومة المصرية، ولا هو مكلف منها، ومع ذلك كل من يستطيع أن يقدم شيئا في خدمة الوطن فعليه أن يفعل ذلك، ولا بد أن يشكر.

* ما تعليقك على رفض بعض القوى السياسية المشاركة في مؤتمر «الوفاق القومي» لرؤيتها عدم وجود مبرر للعجلة في عقد مؤتمر يضع المبادئ العامة للدستور ما دامت اللجنة التأسيسية المنتخبة من أعضاء مجلس الشعب ستتولى القيام بهذه المهمة؟

- لا أتصور أن أحدا يريد أن يصادر على لجنة المائة التي ستضع الدستور في أعقاب انتخابات مجلسي الشعب والشورى، الفكرة أننا نقدم اجتهادات تعبر عن وجهة نظر قطاع من النخبة والناشطين المصريين، فبدلا من أن تبدأ هذه اللجنة من الصفر ستبدأ من عند نقطة إيجابية إذا أرادت أن تبني عليها، أما إن كانت لها وجهة نظر أخرى فقطعا هذا سيكون مقبولا، فأنا لا أرى أن هذه محاولات استباقية، وإنما هي محاولات تكاملية، وهذه الاجتهادات غير ملزمة لكن غيابها مقلق، لأن هذا معناه أننا نفترض أن لجنة المائة ستمتلك ناصية الحقيقة، فنحن نحاول أن نساعدها بعرض وجهات نظر مختلفة ولها القرار في النهاية.

* لكن بعض القوى السياسية تطالب بانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد؟

- هذه وجهة نظر تحترم، لكني أعتقد أن 14 مليون مصري حينما ذهبوا للاستفتاء اختاروا طريقا واحدا، أنهم يريدون أن يكون مجلس الشعب هو الجهة التي سيكون لها حق اختيار المائة شخص الذين سيضعون الدستور، غير ذلك سيتطلب استفتاء آخر وقرار المصريين اتخذ، وإذا فكرنا في أي حلول أخرى فنحن لا نحترم إرادتهم الواضحة.

* وما تعليقك على الدعوات المطالبة بتأسيس مجلس رئاسي لحين إجراء انتخابات الرئاسة؟

- أحترم الفكرة، لكني أتشكك في أننا سنكون في أيد أمينة إن تركنا المسألة في يد خمسة أشخاص، غير واضح من هم، لا سيما أن معظم من يرغبون في ترشيح أنفسهم لانتخابات الرئاسة لن يكونوا من ضمن هؤلاء الخمسة، فالمسألة ملتبسة، وأعتقد أنه لن يعمل بهذه الفكرة. وخبرتي المتواضعة أن أبناء النخبة المصرية من المدنيين كثيرا ما يلتقون وقليلا ما يتفقون، فوضع مصر في يد خمسة أشخاص، لا أعرف من هم، وكيف سنختارهم لن يجعلنا كما قلت في أيد أمينة.

* وكيف تقيم مخاوف القوى السياسية بأن جماعة الإخوان المسلمين ستسيطر على أغلب مقاعد البرلمان في حالة إجراء الانتخابات في موعدها؟

- لست مع هذه المخاوف، وأتصور أن جماعة الإخوان لن تفوز بأكثر من ثلث المقاعد البرلمانية بأي حال من الأحوال، وأعتقد من قراءة المشهد السياسي المصري أن أغلب النواب القادمين سيكونون من المستقلين، وبشكل عام أتصور أن التخوف من «الإخوان» مبالغ فيه، كما هو التخوف من العلمانيين والسلفيين مبالغ فيه، والتوجه العام أن المصريين يقتربون من الوسط، ولن نكون في حالة حرب أهلية سياسية فكرية.

* لكن الأحزاب الجديدة لم تستعد بعد وبالتالي لن يكون لها نصيب في البرلمان القادم؟

- عليها أن تجتهد، وهي تجتهد بالفعل، وعلينا أن ندعمها، وأنا شخصيا ككاتب أدعمهم جدا، وأتمنى ألا نرى في البرلمان المصري لونا واحدا، فلا بد أن يكون هناك يساريون واشتراكيون وليبراليون و«إخوان»، فالبرلمان المصري إن لم يمثل الشعب سيمثل عليه، فعلى من يتخوفون من «الإخوان» أن ينشغلوا بتوعية الشعب، فهم يقولون إنهم منشغلون بالتطهير، مع أن التطهير هو عمل النائب العام وجهاز الكسب غير المشروع، فأنت تقف طوال الليل والنهار في مظاهرات وتدعو لمظاهرات مليونية، وفي المقابل القوى الأخرى تعمل وتكسب أصواتا أكثر، في حين أنك لن تكسب أصواتا بالوجود في ميدان التحرير كل يوم جمعة.

* كيف ترى انسحاب حركة 6 أبريل وائتلاف شباب الثورة من جلسات «الحوار الوطني»، اعتراضا على مشاركة عدد من رموز الحزب الوطني المنحل؟

- هذه المسألة تخضع لرؤية كل قوى سياسية، وهي إلى أي مدى ترى أن كل شخص كان منضما للحزب الوطني أو حتى من قياداته خلع رداء الوطنية بحكم انتمائه للحزب الوطني، فكل شخص يقدر المسألة بقدره، لكن أنا عن نفسي كمواطن ليست عندي أي مشكلة في أن أتحدث مع شخص كان ينتمي للحزب الوطني بشرط أن أكون على يقين من خلال النائب العام وجهاز الكسب غير المشروع والجهاز المركزي للمحاسبات بأنه لا فاسد ولا مفسد. فعلينا أن نقدم وجهة نظرنا للآخرين ولا نحول القضية لنوع من التقاتل الداخلي، فأنا لم يعجبني المشهد حقيقة، لكن هذا لا يعني فشل الحوار الوطني كما يتصور البعض، ففكرة الحوار الوطني جديدة علينا، والبعض غير معتاد على الحرية المسؤولة، فأنا أشبه ما نمر به بشخص يتعلم المشي لأول مرة فيقع، ولا بد أن يقف مرة أخرى، فنحن نتعلم ونكتسب مهارات جديدة، والحمد لله المصريون يتعلمون بشكل سريع.

* تعرض قانون مباشرة الحقوق السياسية لانتقادات واسعة لأنه صدر من دون مشاركة الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، كما أنه أغفل مشاركة المصريين بالخارج في الانتخابات، كيف ترى تلك الانتقادات؟

- القانون بصياغته هذه أعتقد أنه يحقق من 80 إلى 85% مما كانت تطالب به الأحزاب المختلفة، أما مسألة مشاركة المصريين في الخارج، فهناك اتفاق على حقهم المطلق في المشاركة في انتخابات الرئاسة والاستفتاء على الدستور، لكن هناك مشكلة فنية في ما يتعلق بانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وهي أننا أمام إشراف قضائي مقرر دستوريا، وأي تصويت لا يراعي اعتبارات الإشراف القضائي سيؤدي بالتجربة بأكملها إلى عدم الدستورية، فالمسألة فنية، والصعوبة لوجيستية ترتبط بالإمكانيات وقدرتنا على إرسال قضاة للخارج. لكن ما أعلمه يقينا أن المصريين الموجودين بالخارج مدعوون للتصويت في انتخابات مجلسي الشعب والشورى في دوائرهم في مصر، فمن يتصادف وجوده في مصر أو يحب أن يأتي فعلى الرحب والسعة، أما أن يصوت حيث هو فهناك صعوبة عملية وليست قانونية، أو إقصاء أو مؤامرة أو اعتقادا بأنهم غير وطنيين على الإطلاق، بدليل أن مسألة تصويتهم ستكون أسهل في انتخابات الرئاسة والاستفتاءات.

* انتقد البعض محاكمة شباب الثورة الذين قبض عليهم في المظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية محاكمات عسكرية، في حين يحاكم مسؤولو النظام السابق محاكمات مدنية، كيف ترى هذا الأمر؟

- وطنية الشباب وقوميتهم ليست موضع تساؤل، المشكلة الوحيدة هي أنهم أرادوا الاعتصام، فلا يوجد أحد يستطيع أن يمنع أي مصري من أن يعبر عن رأيه بالطريقة القانونية المتعارف عليها من خلال التظاهر السلمي، إنما الصعوبة كانت في الاعتصام أمام السفارة الإسرائيلية حتى يرحل السفير. المشكلة كانت في محاولة لي ذراع الحكومة لتتخذ قرارات لو اتخذت بالفعل لتضرر المصريون جميعا، فلا يمكن اختطاف القضايا الوطنية مهما كان نبل مقصدها. ولا أتصور أن أحدا كان يريد أن يفض الاعتصام بهذه الطريقة أو أن يحاكموا عسكريا، فكلنا نفكر في قضية فلسطين بنفس القدر من الإعزاز والرغبة في المساعدة، إنما الأولويات حينما تختل فعلى بعضنا أن يأخذ بيد البعض الآخر حتى لا نتحول في النهاية إلى وطن مخطوف.

* لكن لماذا لا تتم محاكمتهم مدنيا؟

- لأن هناك قانونا يمنع الاعتصام، وبالمناسبة أي شخص سيعتصم مرة أخرى سيواجه المصير نفسه، وما كان يُسمح به في الماضي لن يسمح به في المستقبل، فقصة الاعتصام لن تحدث مرة أخرى، فأنا أكره أن يستخدم العنف، لكن القرار الاستراتيجي اتخذ بأن من حقك قانونا أن تتظاهر سلميا، لكن لا تعطل مصالح مئات وآلاف وملايين البشر بسبب قضيتك.

* هل هذا يعني أن الحكومة والمجلس العسكري سيفضان مظاهرة اليوم الجمعة المعروفة باسم ثورة الغضب الثانية بالقوة؟

- المظاهرات السلمية تحترم وهو حق منصوص عليه دستوريا، لكن الاعتصام مرفوض، وأنا بشكل شخصي أدعو أن نكون عقلانيين في المطالب، وهذا لا يعني ألا يمارس الناس حقهم في التظاهر، لكن من دون الاعتصام، فالتظاهر حقك برحمة وعدل، لكن الاعتصام ليس حقك لأنه أقصى آيات القسوة والظلم للمجتمع كله مهما كانت مطالبك نبيلة أو عادلة.

* ترددت مؤخرا دعوات للعفو عن الرئيس السابق حسني مبارك..

هذا الملف في النيابة العامة، وأؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يوجد أحد يتدخل في عمل النائب العام على الإطلاق، فالرئيس السابق يعامل كأي مواطن مصري، إن وجد مذنبا سيعاقب شأنه في ذلك شأن أي شخص آخر، لكن هناك مواءمات أمنية في المقام الأول، فنحن لا نريد أن نضعه في مكان يشكل خطرا على حياته، ففي النهاية العدالة تأخذ مجراها وتسير في الطريق الصحيح المرسوم وفقا للقانون المصري، وأي حديث عن العفو أو كلام من هذا القبيل هو اجتهادات شخصية.