مصادر الثوار في بنغازي لـ«الشرق الأوسط»: نتعهد بعدم ملاحقة القذافي في أفريقيا

مصر تجري اتصالات رسمية مع المجلس الوطني الانتقالي لأول مرة

TT

أكدت مصادر في المجلس الوطني الانتقالي المناهض لنظام حكم العقيد معمر القذافي أن المجلس الممثل للثوار مستعد لغض الطرف عن احتمالية موافقة إحدى الدول الأفريقية على استضافة القذافي، وذلك حقنًا لمزيد من الدماء وإنهاء لأزمة سياسية وعسكرية على ليبيا استمرت منذ نحو 3 شهور.

ونقلت المصادر لـ«الشرق الأوسط» عن المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، قوله: إن «المجلس بإمكانه التعهد بعدم ملاحقة أي جهة ليبية مستقبلا للقذافي، إذا ما قرر الخروج مع أسرته وكبار مساعديه للإقامة في إحدى الدول الأفريقية التي لم توقع بعد على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية».

وأوضحت المصادر أن عبد الجليل قال إن «المجلس ليس مستعدا للجلوس إلى مائدة مفاوضات يكون فيها القذافي حاضرا بأي صفة، وإنه لو قرر القذافي الخروج نهائيا من ليبيا والتخلي عن السلطة، استجابة لمطالب الشعب الليبي؛ فإن الثوار لن يسعوا إلى استعادة القذافي أو مقاضاته».

وذكرت المصادر أن عبد الجليل اعتبر أنه في حالة إصرار القذافي على التمسك بالحكم وتحديه لإرادة الليبيين والمجتمع الدولي، فإنه ليس هناك من خيار آخر أمام الثوار سوى الإجهاز على القذافي وقواته العسكرية.

وقالت المصادر: إن «المجلس ما زال ينتظر قيام تركيا بنقل العرض الذي قدمه عبد الجليل إلى العقيد القذافي بصورة غير مباشرة خلال زيارته الأسبوع الماضي إلى أنقرة، إلى كبار المسؤولين الأتراك»، مشيرة إلى أن الوقت ليس في صالح القذافي.

ومن جانبه، قال علي العيساوي، مسؤول الشؤون الخارجية في المجلس الوطني الانتقالي، أحد أبرز أعضائه، لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يمر على القذافي وهو في السلطة يعظم فقط من فاتورة ذهابه، وعليه أن يرحل الآن، والآن يعني أمس، وإن الليبيين لن يتركوه إذا ما استمر على عناده وتمسك بالسلطة والحكم، لافتا إلى أن هذا وضع يجب أن ينتهي».

ومع أن المجلس الانتقالي يقول: «إنه منفتح على أي مبادرة تؤدي إلى خروج القذافي وتنازله عن السلطة»، فإن نظام القذافي يبدي في المقابل تشددا واضحا حيال هذا الأمر الذي يعتبره من ضمن الخطوط الحمراء التي حذر القذافي ونجله سيف الإسلام من تجاوزها.

وعبر رئيس الحكومة الليبية، الدكتور البغدادي المحمودي، أول من أمس، في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الليبية، طرابلس، عن هذا الجدل من خلال تأكيد أن القذافي في قلب كل ليبي، وأن رحيله يعني رحيل كل الليبيين.

وبينما يقول نظام القذافي إنه مستعد فورا لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بمراقبة دولية شريطة توقف قصف حلف شمال الأطلسي (الناتو) لقواته العسكرية وكتائبه الأمنية، فإن الثوار المناهضين للقذافي قالوا إنه لا يمكنهم الوثوق في التزام القذافي بأي هدنة مؤقتة.

وقال ممثلون عن الثوار لـ«الشرق الأوسط»: «أي هدنة في الوقت الحالي ستعني تقسيم ليبيا وفقا لما يريده القذافي، ونحن نرفض الهدنة لأنه لا توجد أي ضمانات بأن يمتنع القذافي عن محاولة توظيفها لاستعادة قواته العسكرية وزيادتها مجددا».

إلى ذلك، قالت مصادر رسمية مصرية لـ«الشرق الأوسط» إن مصر لا تعتزم الاعتراف بشرعية المجلس الوطني الانتقالي كممثل وحيد وشرعي للشعب الليبي، وإنها تفضل في المقابل أن يكون للقاهرة علاقات متوازنة مع طرفي الأزمة الليبية.

وحذرت المصادر مما وصفته بمحاولات تهميش الدور المصري في هذه الأزمة، معتبرة أنه عند بلورة حل سياسي سلمي ما لإيجاد تسوية مقبلة من جميع الأطراف فإن الدور المصري في الأزمة الليبية سيكون محوريا ولا غنى عنه.

وجاءت هذه التصريحات في وقت يقوم فيه وفد مصري رفيع المستوى بزيارة، هي الأولى من نوعها، إلى مدينة بنغازي، معقل الثوار ومقر المجلس الوطني في شرق ليبيا.

وأكد رئيس الوفد، السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية المصري، أن الوفد الذي يضم السفير أيمن مشرفة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون المغرب العربي، وعمرو حافظ المستشار في وزارة الخارجية، التقى برئيس المجلس الوطني الانتقالي وجميع أعضاء مكتبه التنفيذي.

وأوضح خلاف أن الوفد المصري سيجتمع لاحقا مع قادة المقاومة العسكرية وجيش الثوار، بما في ذلك اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس هيئة الأركان العامة لجيش تحرير ليبيا، بالإضافة إلى مبعوثي بريطانيا وإيطاليا وممثلي الأمم المتحدة لدى المجلس الانتقالي، لافتا إلى أن الوفد المصري استمع إلى رؤية المجلس والثوار للوضع الراهن في ليبيا، في إطار ما وصفه خلاف بالتمهيد لقيام السلطات المصرية بمساعدة الثوار وسكان المناطق المحررة في شرق ليبيا حيال الخدمات الأساسية التي تضررت نتيجة للعمليات العسكرية التي شنتها القوات العسكرية والكتائب الأمنية الموالية للعقيد معمر القذافي.

وقال خلاف لـ«الشرق الأوسط» إن «الوفد المصري سيبحث الترتيبات اللازمة بالمساعدة المصرية في توفير الخدمات الخاصة بالكهرباء والتليفونات والإنترنت التي تعرضت مؤخرا لأعطال معينة»، موضحا أن الوفد سيطلع أيضا على أوضاع الجالية المصرية بهدف التأكيد على سلامة وضمان حقوق ومصالح المصريين الموجودين في كل أنحاء ليبيا والمقدر عددهم بنحو نصف مليون مصري.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها مصر اتصالات رسمية مباشرة مع المجلس الوطني الانتقالي على الرغم من أنها لم تحذُ حذو كل من الكويت وقطر والإمارات والأردن التي قررت الاعتراف بالمجلس كممثل شرعي ووحيد للشعب الليبي وأسقطت شرعية القذافي كما فعلت عدة دول غربية وأفريقية.

لكن مصر في المقابل، رفضت الاستجابة لمطالب القذافي بشأن إغلاق الحدود البرية بين مصر وليبيا لحرمان الثوار من استخدام الأراضي المصرية، كما رفضت عروضا مغرية قدمها نظام القذافي لتسليحه وتعويض خسائره من العتاد الحربي والعسكري مؤخرا.

يشار إلى أن السفير هاني خلاف قام مؤخرا بزيارة إلى العاصمة الليبية، طرابلس، هي الأولى من نوعها لمبعوث مصري رفيع المستوى منذ اندلاع الثورة الشعبية في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي التي تطالب القذافي بالتخلي عن السلطة التي يقودها منذ نحو 42 عاما. وعلى الرغم من أن القذافي اعتاد الحفاظ على علاقات استراتيجية طيبة مع مصر، إلا أن المجلس العسكري المصري الذي يتولى إدارة شؤون البلاد عقب سقوط نظام الرئيس السابق، حسني مبارك، لا يبدو ميالا، على ما يبدو، للإبقاء على علاقات حميمية مع القذافي في ظل الوضع الراهن الذي تمر به ليبيا.