سياسيون لـ«الشرق الأوسط»: «جمعة الغضب الثانية» أعادت التوازن للقوى السياسية

قالوا: إن المظاهرة أسقطت وهم سيطرة «الإخوان» وأنهم القوة الوحيدة المنظمة

شبان مصريون يتظاهرون في جمعة الغضب بميدان التحرير امس (أ.ب)
TT

قال سياسيون مصريون إن النجاح الكبير الذي حققته مظاهرات «جمعة الغضب الثانية» أمس، من حيث حجم المشاركة وقوة التنظيم والتفاف القوى السياسية بمعظم تياراتها حول مطالب أساسية واضحة، في ظل غياب جماعة الإخوان المسلمين وتيارات إسلامية بارزة مثل السلفيين، أسقطت وبشكل واضح «وهم» سيطرة «الإخوان» على الثورة وأنهم القوة المنظمة الوحيدة القادرة على حشد جموع المواطنين، وأكد السياسيون في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المظاهرات أعادت التوازن مرة أخرى للقوى السياسية بمختلف انتماءاتها في المجتمع وأثبتت أن القوى الوطنية الأصلية هي قوى مدنية ترغب في استكمال الثورة وليس لها مصالح وأجندات خاصة بها.

وكان مئات الآلاف قد احتشدوا في ميدان التحرير أمس وهتفوا بأصوات عالية «الثورة من غير معاد ومش محتاجة مكتب إرشاد»، «ولا أحزاب ولا إخوان.. الميدان مليان مليان»، تعبيرا عن فرحتهم بنجاح المظاهرة من حيث عدد المشاركين والحفاظ على سلميتها، رغم الحملات الإعلامية المكثفة لجماعة الإخوان والسلفيين بدعوة المواطنين إلى رفض المشاركة.

واعتبرت المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، أن هذه المظاهرات جزء من حرية التعبير والرأي باعتبار أن التظاهر السلمي احدى أدوات التعبير، وليس من الضرورة أن يكون هناك إجماع بين كل الأطراف على كل شيء، وبالتالي ليس من حق أي فصيل أن يستنكر تنظيم الآخرين لمثل ذلك. مشيرة إلى أنه بات من الواضح جدا أن هناك شكلا من أشكال الاختلاف في وجهات النظر بين جماعة الإخوان وكل القوى السياسية تقريبا، والتي ترى ضرورة أن يتم كتابة الدستور الجديد أولا قبل بناء المؤسسات والإسراع بإنجاز بعض المهام المتعلقة بالثورة مثل حل المجالس المحلية والسرعة في محاكمات الفساد.

وأكدت الجبالي أن الصورة السياسية في مصر الآن أثبتت أنها تستحق هذا التوازن، وأن تصور أن هناك قوة واحدة أو جماعة واحدة مهما كان حجمها التنظيمي وقدراتها يمكن أن تهيمن وتسيطر على المشهد السياسي أصبح أمرا مرفوضا وغير مقبول، لكن أيضا هناك انحصار لهذا الشكل.

وقالت الجبالي إن هذه المظاهرات تعني أن هناك وجهات نظر مختلفة غير راضية على إدارة العملية الانتقالية، ومصرة على التمسك بأهداف الثورة، التي ما زالت في شهورها الأولى ولم تحقق مطالبها بعد، لكن هذه المظاهرات تطمئننا بأنه لا عودة مرة أخرى لما قبل الثورة.

ونوهت الجبالي إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير البلاد، يحاول أن يدير هذه المرحلة الحرجة من دون أن يحدث فراغ جديد في الدولة المصرية بأي شكل من الأشكال، وهو يعكس نضجا سياسيا كبيرا وشعورا بالمسؤولية يجب أن نحترمه، إلا أنه بالإضافة إلى ذلك لا بد من حوار مع كل القوى في المجتمع، فالمجلس لم يحاور كل القوى السياسية على مواضيع مهمة مثل تعديلات القوانين، وهذا يمنح فرصة للتوافق الوطني حول ترتيبات المرحلة المقبلة أكثر منطقية وأكثر تعبيرا عن وفاق وطني وليس هيمنة سياسية لأي جماعة.

من جهته، قال جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، المنسق العام الأسبق للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، إنه سعيد جدا بالنجاح الباهر الذي حققته المظاهرة من حيث التنظيم والعدد ووحدة المطالب، معتبرا أن هذه نقلة مهمة جدا في الحركة السياسية المصرية، مشددا على أنه «لا يليق لإحدى القوى السياسية أن تستخدم فائض القوة من أجل أن تفرض سيطرتها على المشهد السياسي وقد اتضح أن هذا غير صحيح».

وأكد إسحاق أن من حق جماعة الإخوان عدم المشاركة، لكن ليس من حقهم أن يتهموا من يذهب للمظاهرة اليوم بأنه خارج عن الثورة فهذا كلام لا يليق، كما أن السلفيين لا يصح أن يقولوا إن المشتركين في المظاهرة اليوم «كفرة وليبراليون وعلمانيون»، وهذا كلام خطير للغاية وغير مقبول.

ومن قلب ميدان التحرير، أكد المحلل والناشط السياسي الدكتور عمار علي حسن، أن مظاهرات التحرير أعادت التوازن مرة أخرى للقوى السياسية في مصر وقضت على فكرة القوى الواحدة، مذكرا بأن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) حين انطلقت لم يشارك فيها الإخوان إلا فرادى ولم يشارك فيها السلفيون ودخلوا عليها عندما انهار الجهاز الأمني واطمأنوا أنهم في مأمن وأكملوا رحلتهم داخل هذه الثورة نتيجة أنهم تيقنوا أن فشل الثورة سيعني بالضرورة التنكيل بهم، وقال: «هم يتعاملون بمنطق مجبر أخاك لا بطل». وقال عمار «نعم أضافوا للثورة من قوتهم التنظيمية والمالية ودافعوا عنها مع المدافعين ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك.. لكن من العبث أو من الخطأ أن يعتقد البعض أن الثورة انتهت يوم 11 فبراير (شباط) يوم سقوط مبارك، فالثورة لا تزال مستمرة وكان يجب على (الإخوان) أن يكملوا مع الشعب المصري إذا كانوا فعلا مع هذه الشعب، لكنهم اتخذوا قرارهم بعدم المشاركة عندما وجدوا أن الأوضاع حاليا تسير في صالحهم، لكن ما حدث اليوم أثبت أن القوى المدنية هم قوى يعتد بها داخل المجتمع ولها قدرة على الوجود والتأثير».

وأشار عمار إلى أنه «حتى هذه اللحظة ما زلنا نراهن على أن (الإخوان) سيراجعون موقفهم مرة أخرى وأنهم سينحازون إلى الشعب المصري، والطريق مفتوح أمام الجميع للمشاركة مرة أخرى».