تشييع جثمان اللامي في النجف وسط ردود فعل متباينة في الوسط السياسي

أحد أبرز ضحايا الاجتثاث لـ «الشرق الأوسط»: مقتله نتيجة طبيعية لسياسات الانتقام

مشيعون يحملون نعش علي اللامي في النجف أمس (أ.ب)
TT

شُيع، أمس، في النجف، جثمان مدير هيئة المساءلة والعدالة، علي اللامي، الذي اغتيل في بغداد أول من أمس بمسدس كاتم للصوت شرقي بغداد على أيدي مسلحين مجهولين. وانطلقت مراسم التشييع أمام مرقدي الإمامين الحسين وأخيه العباس في مدينة كربلاء، بعد أن تمت الصلاة على الجنازة، ليتم نقله إلى مدينة النجف، حيث دفن في مقبرة وادي السلام هناك.

وفي الوقت الذي لم تعلن فيه بعدُ أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، فإن التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية والحكومية لم تعلن بعد أي نتيجة بصدد عملية الاغتيال، ومن غير المتوقع إعلان نتيجة في وقت سريع بسبب غموض مثل هذه العمليات وتعدد الجهات التي تتولى تنفيذها في ظل مشهد سياسي وأمني مفتوح على شتى الاحتمالات.

وقالت النائبة سميرة الموسوي، عن قائمة «دولة القانون»، بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إن هذه الحادثة تمثل دليلا على استمرار سياسة البعث الدموية ورسالة على أننا موجودون ونستطيع العودة للسلطة». وطالبت بـ«اتخاذ خطوات جدية لوضع قوانين تمنع عودة البعث بأي شكل من الأشكال». وأكدت رفضها «الضغوط الأميركية على السياسيين العراقيين خلال الأعوام السبعة الماضية لاستيعاب البعثيين». وشددت على أنه «لا يمكن أن نترك أجيالنا يعيشون تحت ظل الخوف والرعب، ويجب أن نستمر برفض البعثيين وبشكل أكثر قوة». وقال النائب محمد خليل، من كتلة التحالف الكردستاني، وينتمي إلى الحزب الوطني الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني: «إن اغتيال اللامي رسالة واضحة على أن للإرهابيين قدرة على الوصول إلى أي مسؤول (...) والدليل واضح بأن البعثيين هم من استهدف اللامي». ورأى خليل أن «هيئة المساءلة والعدالة دستورية، وستستمر في عملها، والحادث سيعطي دافعا أكبر للعاملين فيها لمواصلة عملهم».

وبالنسبة لواحد من أبرز ضحايا اللامي، وهو القيادي البارز في القائمة العراقية ظافر العاني، النائب السابق في البرلمان العراقي، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن عملية الاغتيال «يجب ألا تدفع أيا من ضحاياه، وهم كثر، للتشفي فيه؛ لأننا إذا أردنا أن نبني دولة يجب أن نسمو على سياسات الانتقام التي كان اللامي، للأسف، أحد الذين كرسوها من خلال عمليات الاجتثاث التي لم تكن عادلة على الإطلاق، بل اتسمت بالظلم والانتقام معا». وأضاف العاني: «إنني، بوصفي أحد ضحايا اللامي، أعلن عن مسامحتي له وأدعو إخواني البعثيين الذين ظلمهم اللامي أيام توليه مسؤولية إدارة هيئة المساءلة والعدالة أن يسموا بأنفسهم عن الجراح والآلام التي سببتها لهم سياسات الاجتثاث»، معتبرا أن مقتله «نتيجة طبيعية لسياسات الانتقام التي مورست ضد ملايين العراقيين، والتي تعدت الإطار السياسي إلى الإطار المجتمعي في محاولة لإبقاء الكراهية هي السائدة، بينما الكراهية لا تبني دولة أو مجتمعا معافى».

من جهته، اعتبر زعيم حزب الأمة العراقية، مثال الألوسي، في تصريح مماثل لـ«الشرق الأوسط»، أن «عملية اغتيال اللامي هي عملية إرهابية وجبانة؛ لأن أي عملية اغتيال سياسي أو غير سياسي إنما تنفذ بأيدٍ إجرامية، وأعلن من هذا المنبر عن تقديم التعازي الحارة لأسرته ومحبيه على الرغم من أننا كنا مختلفين إداريا وفنيا بشأن قضية الاجتثاث». وأضاف الألوسي أن «المطلوب من الدولة الآن، وهنا لا أقصد الحكومة فقط وإنما الحكومة ومجلس النواب، أن تسمو فوق كل اعتبار، وأن تعلن العفو العام عن جميع العراقيين، لا سيما أن الجو مهيأ الآن بعد أن هدأت النفوس، وبالتالي فإن الدولة عليها أن تكون راعية لجميع العراقيين مهما اختلفوا معها واختلفت معهم؛ لأنه لا يوجد حل آخر غير هذا الحل».

أما القيادية في قائمة «العراقية البيضاء»، عالية نصيف، فقد اعتبرت، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن عملية «اغتيال اللامي عملية مدبرة ومخطط لها بعناية، وهي سابقة خطيرة، وقد تخلق تداعيات كثيرة؛ حيث كيف يمكن تم رصد تحركات هذه الشخصية ومتابعتها وتنفيذ عملية الاغتيال بهذه البساطة؟»، مطالبة بـ«اتخاذ الإجراءات اللازمة والحازمة من قبل الأجهزة المسؤولة لعدم تكرار ذلك، لما يمثله مثل هذه العمليات من خسائر كبرى للشخصيات السياسية».

وفي الوقت الذي فارق فيه اللامي الحياة فإنه ترك ملفا ضخما سيظل مفتوحا على كل احتمالات الانتقام والتصفيات سنين طويلة؛ فالأرقام، خلال عامين فقط هما عاما الانتخابات النيابية الأخيرة، تتحدث عن اجتثاث 517 شخصا حُرموا من انتخابات عام 2010، بالإضافة إلى اجتثاث نحو 376 ضابطا كبيرا في الجيش والشرطة، من بينهم 20 قائدا رفيع المستوى، وقبلهم نحو أكثر من 30 ألف عضو فرقة فما فوق للبعثيين وكان الضحية الأخيرة للامي، قبل اغتياله بيومين، هو رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، حسين سعيد، الذي أعلنت هيئة المساءلة والعدالة، التي كان يقودها اللامي، حرمانه من الترشح لرئاسة كرة القدم في العراق.

بدوره اعتبر النائب حيدر اللامي عن «القائمة العراقية» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي أن «مقتل اللامي يدل على أن دائرة الاجتثاث والانتقام لا ينتج عنها إلا القتل والانتقام».

وأضاف: «نأسف لإراقة دم أي عراقي، ونقول إن ثقافة الانتقام والاجتثاث وردت إلينا مع المحتل من خارج البلاد». وتابع: «آن الأوان لنبدأ بمصالحة وطنية حقيقية».

وقال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري إن «اللامي كان يمثل أهمية كبيرة على المستوى السياسي والتنفيذي في إدارة الدولة، لذا فإن اغتياله سينعكس سلبا وسيؤدي إلى الإضرار بمسار المصالحة الوطنية». وأشار الشمري الذي يرى أن عملية الاغتيال كانت مدبرة، إلى أن «اللامي سبق أن تحدث عن سعي أميركي لقتله، غير أن هناك أطرافا أخرى بينها الذين تضرروا من الانتخابات الأخيرة والبعثيون الذين ترصدوا له إضافة لمجاميع مسلحة ترتبط بتنظيم القاعدة». وتابع أن «اللامي أوقف المشروع الأميركي لإعادة البعث إلى الساحة السياسية بطريقة أخرى وبوجه آخر كما أن الاستخبارات الأميركية تعتقد أنه عضو في قوة القدس الإيرانية وأنه كان مشرفا على عمليات تفجير واغتيال». وكان اللامي قد اعتقل من قبل قوة مشتركة من الجيش الأميركي والجيش العراقي في مطار بغداد في سبتمبر (أيلول) عام 2008 بتهمة تمويل جماعات مسلحة شيعية. وأطلق سراحه بعد أن قضى فترة تقارب السنة في السجن. وحول تأثير مقتل اللامي على عمل الهيئة، أشار إلى «احتمال استبدال أعضاء الهيئة بآخرين بعيدين عن الانتماءات الحزبية أو إلى مكانية تجميد عملها».

وانتشرت في بغداد وعدد آخر من المحافظات العراقية في الفترة الأخيرة ظاهرة الاغتيالات بأسلحة كاتمة للصوت تستهدف كبار القادة السياسيين والأمنيين من دون معرفة الأطراف التي تقف وراءها.