ملايين الأعداء ورصاصة واحدة

عدد ضحايا اللامي من المجتثين عام 2010 تجاوز 800 شخصية

علي اللامي (أ.ف.ب)
TT

لم يحسن علي اللامي (المدير التنفيذي المثير للجدل لهيئة المساءلة والعدالة) عبور المسافة الكائنة بين ضحاياه وجلاديه فكانت النهاية المأساوية برصاصة واحدة في الرأس من مسدس كاتم للصوت وفي الطريق الأكثر خطورة في بغداد طريق محمد القاسم السريع في الجانب الشرقي من العاصمة ومقترباته ومنها شارع القناة الموازي. هذا الشارع الذي شهد في تمام الساعة التاسعة من مساء أول من أمس عملية الاغتيال التي سرعان ما تحولت إلى القصة الأكثر تداولا على مستوى الأخبار في العراق تلك الليلة.

ورغم أن سياراته المصفحة وموكب الحماية الذي يرافقه في العادة بوصفه واحدا من أكثر المسؤولين العراقيين في النظام السياسي الحالي في البلاد يحوز على هذا القدر الكبير من الأعداء والذين يقدرون في كل الأحوال بالملايين فإن اللامي ساعة اغتياله كان بلا حماية وفي سيارته الشخصية التي يقودها شقيقه. ربما هذا هو المشهد الأكثر غموضا في عملية الاغتيال كلها بين أن يتخلى ليلا عن موكب الحماية ويخرج على الأرجح بلا سيارة مصفحة ومع شقيقه فقط لينتهي جثة هامدة في محيط المنطقة التي تشهد يوميا عملية اغتيال واحدة على الأقل وبالأسلوب نفسه.. مسلحون مجهولون يستقلون سيارة ومعهم أسلحة كاتمة للصوت ويلوذون بالفرار لتأتي الشرطة بعدهم وتكمن مهمتها الوحيدة في نقل الضحية للمستشفى في حال بقي فيها بقية حياة أو للطب العدلي إذا ما انطبق عليها وصف الجثة ومن ثم إغلاق الطرق وفتح تحقيق بالحادث والذي كثيرا ما تنتهي نتائجه ضد معلوم هو الأكثر غموضا في كل ما جرى ويجري من عمليات قتل واغتيال وتصفيات في العراق وهو الثالوث المعروف «القاعدة» والبعثيون وبقايا النظام السابق.

في حالة علي اللامي لم تكتف الأجهزة الأمنية بإغلاق الطرق المؤدية إلى الشارع أو فتح التحقيق الروتيني بل بدأت حملة تفتيش ومداهمات للمناطق القريبة من الشارع المرعب بحثا عن السيارة التي هي وكما تقول المصادر نوع «هونداي النترا». وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصدر أمني خاص طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته فإن «الجهات العليا في الدولة اتخذت قرارا حاسما بتغيير كل السيطرات المنتشرة على طريق محمد القاسم ومقترباته لوجود شكوك حقيقية باختراق الجماعات المسلحة للكثير من هذه السيطرات بحيث يتم تنفيذ أسلوب القتل بناء على معلومات مسبقة». وأوضح المصدر أنه «تم التوصل إلى أن القتلة يجوبون هذا الشارع والطرق والشوارع القريبة منه بسيارات مختلفة ويبدأون في تعقب ضحاياهم إما بمعلومات عن طريق الهاتف من خلال الباجات الخاصة التي يتم التعريف بها للسيطرات لكي يمر الموكب أو السيارة خارج نطاق التفتيش أو أن المسلحين لديهم علم بالأرقام الخاصة بكبار المسؤولين أو عائدية السيارات لجهات معينة في الدولة وبالتالي يجري تنفيذ عملية الاغتيال حتى دون معرفة من هو الشخصية التي يمكن أن تكون هدفا للاغتيال هذه المرة».

علي اللامي المعروف بأبي زينب كان تلك الليلة الضحية المثالية لهذه الجماعات التي تبحث عن ضحاياها من بين صغار الموظفين حينا حتى كبار الضباط. لكن رجلا مثل اللامي الذي جعله مهندس الاجتثاث الأول أحمد الجلبي الواجهة الأكثر كرها بين الضحايا الكثر بحث بنفسه عن جلاديه في شارع القتل ببغداد لا سيما أن اللامي لا يقطن مثل باقي كبار المسؤولين في المنطقة الخضراء بل يسكن حتى اليوم في مدينة الصدر شرق العاصمة باحثا عن بيئة شعبية آمنة قد تقيه شر التقلبات السياسية التي اضطر أول من أمس لأن يدفع ثمنها المؤجل منذ سنوات بعد أن بلغ ضحاياه من المجتثين عام 2010 أكثر من 800 شخصية بين محروم من الانتخابات البرلمانية وعسكري ينتمي للجيش السابق.