ضوء أخضر لتسليم ملاديتش إلى لاهاي.. خلال 10 أيام

اعتقال «جزار البلقان» أزال عقبة ضم صربيا إلى أوروبا.. وتعهد صربي بتعقب مطلوب بارز آخر

صورة لملاديتش نشرتها صحيفة «بوليتيكا» الصربية (أ.ب)
TT

اعتبر القضاء الصربي أمس أن راتكو ملاديتش القائد العسكري السابق لصرب البوسنة، الذي اعتقل أول من أمس بعد مطاردة دامت 16 عاما، يمكن نقله إلى محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي لمواجهة اتهامات بارتكاب إبادة. وفيما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أوروبيين توقعهم حدوث عملية التسليم خلال عشرة أيام، اعتبر الجانبان الصربي والأوروبي أن اعتقال الرجل الملقب بـ«جزار البلقان» نسبة إلى دوره في مجزرة سريبرينتسا (البوسنة) في عام 1995، أزال عائقا أمام انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وقالت القاضية الصربية مايا كوفاسيفيتش أمس إنه «تم التأكد» أن ملاديتش «قادر جسديا على متابعة الجلسة وقد رفض تسلم قرار الاتهام الذي أعدته محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ثم قررنا أن شروط نقله متوافرة». وأضافت القاضية أن تقريرا طبيا أوضح أنه «قادر جسديا على متابعة الجلسات على رغم معاناته من بضعة أمراض مزمنة».

وبدوره، قال محاميه سالييتش للصحافيين إنه سيرفع شكوى الاثنين، مشيرا إلى أن موكله «ليس قادرا» على متابعة الجلسات. وإذا رفض هذا الاستئناف، فستتشكل لجنة من ثلاثة قضاة وتعطى مهلة ثلاثة أيام للنظر فيه. وقبيل الجلسة، قال داركو، نجل راتكو ملاديتش في تصريح صحافي، إن والده يعتبر نفسه «غير مذنب» وإن حالته الصحية لا تسمح بنقله إلى القضاء الدولي.

وقد توقفت جلسة الاستماع إلى ملاديتش، 69 عاما، لأنه «كان مضطرا إلى تناول الدواء»، كما قال برونو فيكاريتش المتحدث باسم المحكمة الصربية لجرائم الحرب، في تصريح لشبكة «آر تي سي» التلفزيونية العامة. ولم يقدم إيضاحات أخرى.

وقد بدا ملاديتش أمام الكاميرات أول من أمس مسنا، خائر القوى ويمشي بصعوبة، ولا يمت بصلة إلى «جزار البلقان» الذي كان في التسعينات، مما طرح تساؤلات حول إتمام المحاكمة. وكان محاميه ميلوس سالييتش أعرب عن قلقه من الوضع الجسدي والنفسي لموكله، واعتبر أن من اختصاص الأطباء أن يحددوا ما إذا كان قادرا على الاستمرار في المثول أمام القاضي.

لكن آخرين يرون أن راتكو ملاديتش قادر تماما على التواصل مع محاوريه. إلا أن مصدرا قريبا من محكمة جرائم الحرب قال إن «نظراته تخفي جنونا»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه «سيرسل إلى لاهاي حتى لو كان مجنونا».

وصباح أمس، توجهت زوجته وابنه إلى محكمة جرائم الحرب في بلغراد حيث يعتقل القائد العسكري السابق. وأمضيا فيها نحو نصف ساعة ثم غادراها من دون أن يدليا بأي تصريح.

وقد وجهت محكمة الجزاء الدولية إلى ملاديتش تهمة ارتكاب إبادة بسبب دوره خلال حرب البوسنة (1992-1995)، وخصوصا خلال مجازر سريبرينتسا التي ارتكبتها في يوليو (تموز) 1995 قوات صرب البوسنة. ويقول القضاء الدولي إن نحو ثمانية آلاف مسلم بوسني، من الشبان والصغار، قد قتلوا في تلك المدينة الواقعة شرق البوسنة. وهي أكبر مجزرة ترتكب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وبدأت الصحافة الصربية أمس، في نشر المعلومات الأولية عن ظروف اعتقال ملاديتش فجر الخميس في قرية لازاريفو شمال شرقي صربيا. فقد كان ملاديتش موجودا في منزل أحد أقربائه، والعملية هي نتيجة عمل مشترك بين الأجهزة الأمنية الصربية والفريق المولج بملاحقة القائد العسكري السابق لصرب البوسنة، كما ذكرت صحيفة «بليتش». ونقلت الصحيفة عن مصدر لم تكشف عن هويته «سارع إلى التعريف بنفسه، ولم يبد أي مقاومة. وخلافا لرادوفان كرادجيتش، لم يتنكر ولم يحاول قط إخفاء هويته». وأضاف هذا المصدر «كان وحيدا لحظة اعتقاله، ويحيط به فقط أقاربه. ولم يكن أي من جنوده معه».

ونشرت صحيفتان صربيتان أمس على صدر صفحتيهما الأوليين صورة لوجه راتكو ملاديتش. وبدا مسنا وهزيلا وقد غزا الشيب شعر صدغيه تحت قبعة رياضية زرقاء اللون. وهذه الصورة التي نشرتها صحيفتا «بوليتيكا» و«بليتش» هي الأولى المعروفة لراتكو ملاديتش منذ بداية هروبه بعيد انتهاء الحرب في 1995. ونقلت صحيفة «فيسيرنيي نوفوستي» عن شاهد قوله إن ملاديتش كان في غرفته بلباس النوم لدى اعتقاله. وقال للصحيفة إنه ساعد العسكري السابق على ارتداء ملابسه. وقال وزير الداخلية ايفيتشا داكيتش مساء الخميس إن راتكو ملاديتش لم يستخدم بطاقة هوية مزورة، وإنه كان في حوزته وثائق باسمه، منها واحدة انتهت مدة صلاحيتها. وأكدت الصحافة الصربية أن ملاديتش كان يستخدم اسما مستعارا هو ميلوراد كوماديتش. ولم تقدم الصحافة أي معلومات عن الفترة التي أمضاها ملاديتش في قرية لازاريفو.

وبإعلانه اعتقال قائد صرب البوسنة العسكري، أعرب الرئيس الصربي بوريس تاديتش عن اقتناعه بأن ذلك «فتح الباب أمام وضع مرشح ومفاوضات وأخيرا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي». وأضاف أنه لم يعد أحد في العالم يشكك في «أن صربيا تتعاون كليا مع محكمة لاهاي»، واعدا بأن تبذل بلاده «كل الجهود لإنهاء هذا العمل باعتقالها غوران هاجيتش» الزعيم السابق لصرب كرواتيا الذي ما زال فارا من وجه العدالة. ورحب المفوض الأوروبي المكلف بشؤون توسيع الاتحاد ستيفان فولي بما اعتبره «خطوة تاريخية» تدل على أن صربيا «قد أدركت المعايير الأساسية لعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».

يذكر أن بلغراد قدمت ترشيحها إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية 2009 وتأمل في الحصول على وضع المرشح بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وقبل المضي قدما، يصر الاتحاد الأوروبي بانتظام على «تعاون كامل» بين صربيا ومحكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وفي آخر تقرير أعده قبل اعتقال ملاديتش، اعتبر مدعي المحكمة سيرج برامرتس أن الجهود التي تبذلها بلغراد من أجل اعتقال الفار ما زالت «غير كافية». غير أن برامرتس قال بعيد اعتقال ملاديتش، إن صربيا «وفت بأحد واجباتها الدولية». واعتبر الرئيس نيكولا ساركوزي أنها «خطوة إضافية نحو انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي». كما اعتبر رئيس الوزراء الهولندي مارك روت الذي تعتبر بلاده من الدول الأكثر انتقادا تجاه دول يوغوسلافيا سابقا، أن ذلك لا يعني «تلقائيا» انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي.

لكن من غير المرجح أن تعترض لاهاي على منح صربيا وضع المرشح لا سيما إذا اعتبر برامرتس أن الحكومة الصربية تبذل «كل ما في وسعها» لاعتقال غوران هاجيتش، كما قال دبلوماسي أوروبي. ويفترض أن يرفع ستيفان فولي المكلف بتقييم ترشيح صربيا، تقريرا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل يتوقع أن يوصي فيه بمنحها وضع دولة مرشحة في مشروع قرار يطرح لاحقا على قادة الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في ديسمبر على الأرجح.. لكن الحصول على هذا الوضع لا يعني بدء المفاوضات مباشرة، فمثلا ما زالت مقدونيا التي اعترف لها بوضع المرشحة سنة 2005 تنتظر بدء المفاوضات، خصوصا بسبب الجدل المستمر مع اليونان حول اسمها.

يذكر أن ملاديتش فار من وجه العدالة الدولية منذ نحو ستة عشر عاما. وأدى اعتقاله إلى مظاهرات شارك فيها مئات القوميين المتطرفين في بلغراد ونوفي ساد، وأسفرت في نوفي ساد عن صدامات مع شرطة مكافحة الشغب أوقعت جريحين. وكان اعتقال الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كرادجيتش في يوليو 2008 في بلغراد، أدى هو الآخر إلى تجمعات كبيرة في العاصمة الصربية استمرت أياما.