أول محادثات سلام تمهيدية مباشرة بين واشنطن وطالبان

التقوا 3 مرات على الأقل محمد طيب أغا المساعد الشخصي للملا عمر

TT

التقى مسؤولون أميركيون بأحد كبار معاوني قائد طالبان الهارب الملا محمد عمر، ثلاث مرات على الأقل في الأشهر الأخيرة في أول محادثات سلام تمهيدية مباشرة، بحسب مسؤولين في المنطقة. وقد دعم هذه الاجتماعات كل من ألمانيا وقطر، غير أن مسؤولين أميركيين كانوا حاضرين أيضا في كل اجتماع، حيث التقوا بالملا محمد طيب أغا وهو أحد مساعدي الملا محمد عمر ومدير مكتبه في قندهار قبل سقوط الحركة، وتربطه علاقة شخصية وثيقة به وصلة قرابة وهو يتحدث العربية بطلاقة، مثلما أشار المسؤولون. وذكر أحد المسؤولين أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ووزارة الخارجية الأميركية شاركتا في الاجتماعات. وكانت أولى الصحف التي نشرت أنباء عن هذه الاجتماعات هي «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي وتلتها مجلة «دير شبيغل» الألمانية هذا الأسبوع. وأكد مسؤول أفغاني رفيع الشأن ومسؤولون غربيون يعملون في المنطقة على صحة الأنباء، مشترطين عدم الإفصاح عن هويتهم لأنه لم يكن مسموحا لهم بالحديث إلى وسائل الإعلام الإخبارية حول هذا الموضوع. وتمثل الاجتماعات، التي بدأت قبل مقتل أسامة بن لادن في الثاني من مايو (أيار)، تحولا واضحا في موقف إدارة أوباما تجاه محادثات السلام مع طالبان، الذي ظهرت أولى الإشارات الدالة عليه في خطاب لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في فبراير (شباط)، بحسب المسؤولين الغربيين. وفي ذلك الخطاب، أشارت كلينتون إلى أن الشروط السابقة لبدء المحادثات يمكن اعتبارها «نتائج مأمولة»، على نحو يفسح المجال لاجتماعات تمهيدية دون شروط مسبقة.

ويعد ظهور أغا، المساعد الشخصي لزعيم حركة طالبان المنعزل، بمثابة إشارة إلى جدية حركة طالبان على الرغم من معارضتها المعلنة لمحادثات السلام، على حد ذكر المسؤولين. ومن خلال متحدث باسم الحركة وتصريحات مرسلة عبر البريد الإلكتروني، تمسكت حركة طالبان بشكل دائم برفضها إجراء محادثات سلام إلى أن تغادر القوات الغربية أفغانستان. لكن، بشكل سري، من خلال الوسطاء، أصروا على إجراء لقاءات مباشرة مع مسؤولين أميركيين، الأمر الذي يمكن أن يحقق الاعتراف الرسمي بحركتهم. يتحدث أغا اللغتين الإنجليزية والعربية، وتم تحديد هويته بسهولة، متجنبا البداية الخاطئة التي حدثت العام الماضي حينما انتحل أحد المحتالين شخصية أحد قادة حركة طالبان، وهو الملا أختر محمد منصور، في اجتماعات مع مسؤولين أفغان ومسؤولين من حلف شمال الأطلسي (الناتو). غير أن المسؤول الأفغاني رفيع المستوى حذر من احتمال أن لا تمثل الاجتماعات الكثير، نظرا لأن أغا بات معروفا عنه أنه لم يعد مقربا من الملا عمر. وكان أغا مساعدا شخصيا موثوقا فيه للملا عمر، يتولى مهمة الرد على المكالمات الهاتفية وترتيب المواعيد له، خلال معظم المدة التي تولت فيها حركة طالبان مقاليد السلطة، من 1994 إلى 2001. والآن، يعتقد أن أغا، الذي هو في أواخر الثلاثينات من عمره، قد عاش في كويتا في باكستان منذ انهيار نظام طالبان في 2001، وأنه ظل على اتصال بقائد حركة طالبان. غير أن تفويضه من أجل التحدث باسم المتمردين ما زال غير واضح.

وتظل قدرة الملا عمر على السيطرة على قادة المتمردين شديدي التطرف والجماعات المتحالفة مع حركة طالبان أيضا موضع تساؤل. فهو لا يزال القائد الروحي لحركة طالبان، كما أنه يحتفظ بالطبع بسيطرته القوية على قوات طالبان في جنوب أفغانستان، التي تشكل الجزء الأكبر من حركة التمرد. إلا أن جماعات طالبان الباكستانية شديدة التطرف التي ترسل متمرديها إلى أفغانستان وأسرة سراج الدين حقاني، التي تدير إقطاعية خاصة بها في مناطق قبلية في باكستان، تجاهلت أوامر الملا عمر في الماضي على الرغم من تعهدها بالولاء له. وقد عقدت الاجتماعات دون مشاركة باكستان، التي طالبت منذ وقت طويل بإجراء مفاوضات مع طالبان كوسيلة لإنهاء الحرب على حدودها الغربية، والتي أصرت على أن يتم تضمينها أيضا في هذه المفاوضات. حتى أن رئيس أركان الجيش الجنرال إشفاق برويز كياني، عرض على الرئيس الأفغاني حميد كرزاي مساعدته في جلب قادة متمردي طالبان، المعروف عنهم استخدامهم المنطقة القبلية في باكستان كملاذ، إلى طاولة المفاوضات. إلا أن كابل تنظر إلى باكستان بنوع من الشك، كما تنظر إليها بدرجة أكبر من الشك واشنطن وكثير من عواصم الناتو الأخرى، نظرا لدعمها طويل الأجل لحركة طالبان، وقد سعى من هم على اتصال بحركة طالبان لإبعادهم عن التأثير المسيطر لباكستان. ومن المواضيع المطروحة للمناقشة فتح مكتب ممثل لحركة طالبان في دولة ثالثة خلاف أفغانستان وباكستان، يحتمل أن تكون تركيا أو قطر.

وقال دبلوماسي أوروبي في المنطقة: «لا يمكنك أن تتوصل إلى مصالحة دون باكستان، ولكنها يمكن أيضا أن تقوض أية محاولة للوصول إلى مصالحة». وتحدث الدبلوماسي مشترطا عدم الإفصاح عن هويته تماشيا مع بروتوكول التمثيل الدبلوماسي.

إن إدارة أوباما تجري حوارين موازيين ولكنهما منفصلان: أحدهما بين الولايات المتحدة وأفغانستان وحركة طالبان، والثاني بين الولايات المتحدة وأفغانستان وباكستان. وتبدو باكستان راضية عن هذا النهج حتى الآن وأرسلت أبرز مسؤوليها البيروقراطيين، وهو وكيل وزارة الخارجية الباكستانية سلمان البشير، للمشاركة في آخر سلسلة محادثات ثلاثية في كابل يوم الثلاثاء.

ومن المعروف عن بشير، الذي يرأس أخوه الأميرال نعمان بشير قائد البحرية الباكستانية، عمله عن قرب مع المؤسسة العسكرية الباكستانية، والتي استحوذت على السياسة الخارجية من الحكومة المدنية في الأشهر الأخيرة.

وفي كابل، أيد بشير بقوة جهود كرزاي وشعب أفغانستان في تعزيز السلام. وتحدث للصحافيين قائلا: «هناك إدراك متزايد لحقيقة أن الطريق الذي يجب أن نمضي فيه قدما هو دعم المصالحة والسلام والاستقرار».

لقد أجل الباكستانيون تنفيذ اتفاقية تجارة الترانزيت، التي حث عليها مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى المنطقة ريتشارد هولبروك العام الماضي قبل وفاته، ولكن الدولتين قد اتفقتا الآن على وضع الاتفاقية موضع التنفيذ في 12 يونيو (حزيران)، بحسب بيان صادر عن الدبلوماسي الأميركي إي أنتوني واين، الذي حضر الاجتماع.

وقد أدارت ألمانيا، التي لها قوات في شمال أفغانستان، العملية بالتعاون مع حركة طالبان واستضافت بعض الاجتماعات، في حين استضافت قطر اجتماعا آخر، بحسب مسؤولين.

ولم يستطع متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية في برلين التأكيد على أن أي اجتماعات قد عقدت، غير أن مسؤولين أجريت مقابلات معهم ذكروا أن عددا من الاجتماعات قد عقدت بالفعل، والتي رأسها مبعوث ألمانيا الخاص إلى أفغانستان وباكستان مايكل شتاينر. وقد عمل شتاينر مع هولبروك من أجل تنفيذ اتفاقية دايتون بهدف إنهاء الحرب في البوسنة، وطلب منه دبلوماسي أميركي قيادة مجموعة الاتصال بأفغانستان التي تضم 50 عضوا.

ساهم كارلوتا غال من إسلام آباد وروح الله خابالواك من كابل بأفغانستان في التقرير.

* «نيويورك تايمز»