اليمن: الطيران يدخل المعركة.. وعشرات القتلى في مواجهات مع الحرس الجمهوري

3 معسكرات للجيش تستسلم للقبائل.. ومسلحون تابعون لصالح ينتشرون في صنعاء والطرق المؤدية إليها

آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء أمس مطالبين برحيل الرئيس علي عبد الله صالح (إ.ب.أ)
TT

استمرت في اليمن، أمس، أعمال العنف الدامي، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى في مواجهات مسلحة عنيفة دارت في منطقة نهم، الواقعة شمال شرقي العاصمة صنعاء، بين قوات الحرس الجمهوري ومسلحين قبليين مناوئين لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، في الوقت الذي استولى فيه مسلحون على منشآت حكومية في مدينة زنجبار بمحافظة أبين جنوب البلاد، في ظل مظاهرات حاشدة شهدتها صنعاء وباقي المحافظات للمطالبة برحيل الرئيس صالح.

وقصف الطيران الحربي اليمني، أمس، منطقة نهم التي تبعد قرابة 100 كيلومتر شمال شرقي صنعاء، وذلك بعد اشتباكات عنيفة بين قبائل نهم وقوات الحرس الجمهوري المرابطة في المنطقة. وقالت مصادر محلية إن 15 شخصا، على الأقل، من المسلحين سقطوا قتلى وجرح العشرات في المواجهات وجراء القصف الجوي. وفي الطرف الآخر، لم تعلن قيادة الحرس الجمهوري حجم خسائرها البشرية، غير أن مصادر أكدت مقتل قائد عسكري بارز في المواجهات التي اندلعت فجرا.

وأشارت المصادر إلى أن المسلحين القبليين تمكنوا من بسط سيطرتهم على المواقع العسكرية التابعة للحرس الجمهوري، وأن قائدي مروحيتين عسكريتين هبطا بهما بعد رفضهما تنفيذ الأوامر العسكرية بقصف المناطق السكنية. كما تحدث شهود عيان عن سقوط وتحطم إحدى المروحيات العسكرية، وفي الوقت الذي لم تعلن فيه أسباب المواجهات على وجه الدقة، فإن المعلومات تشير إلى أن قبائل نهم تمنع، منذ قرابة الشهر، الحرس الجمهوري من الانتقال إلى العاصمة صنعاء في سياق التعزيزات التي تقوم بها السلطات، وذلك خشية مشاركة هذه القوات في قمع المدنيين المحتجين والمعتصمين سلميا منذ عدة أشهر في العاصمة والذي ينتمون لمعظم القبائل اليمنية.

واستسلمت الكثير من المواقع العسكرية في نهم لرجال القبائل الذين تمكنوا من تدمير عدد من الآليات العسكرية والاستيلاء على عدد آخر وأسر الكثير من الضباط والجنود. وتنتمي قبائل نهم إلى قبيلة بكيل، كبرى القبائل اليمنية، والتي أعلنت دعمها لثورة الشباب الساعية للإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح. وباتت معظم وأهم القبائل اليمنية في صف الثورة الشبابية، ولم يعد الكثير من زعماء القبائل يبدون الولاء لصالح. كما قصف الطيران اليمني، أمس، مناطق في الحيمة الخارجية بمحافظة صنعاء (غرب العاصمة)، حيث أعلنت تلك المناطق تأييدها الثورة.

وقالت مصادر محلية إن طائرات من طراز «ميغ 29» شاركت في قصف نهم والحيمة الخارجية، إضافة إلى استخدام الجيش للدبابات والمدافع في القصف المكثف والذي ازداد بعد استسلام 3 معسكرات للقبائل المسلحة.

ومع الاشتباكات العنيفة في نهم، نشر نظام صالح العشرات من المسلحين المدنيين في الطرقات التي تربط العاصمة صنعاء بالمحافظات، وكذلك في بعض أحياء العاصمة نفسها. وقال شهود لـ«الشرق الأوسط» إن الطرق المؤدية إلى نهم، انتشر فيها عشرات المسلحين القبليين الذين أقاموا حواجز تفتيش وهم يضعون «البراميل» ويرفعون صور الرئيس صالح وأعلام الجمهورية اليمنية والرايات الخاصة بحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. وقال شاهد عيان موثوق إن رجال القبائل التابعين لصالح مدججون بالأسلحة الرشاشة من مختلف الأنواع، إضافة إلى قذائف الـ«آر بي جيه»، وإنهم يقومون بإيقاف السيارات وتفتيشها بدقة، على مقربة من نقاط التفتيش العسكرية.

وفي صنعاء، انتشر مسلحون مدنيون في عدة أحياء سكنية وبالقرب من مواقع مهمة، من دون أسباب، وشوهد المسلحون وهم يتجمعون بالقرب من السفارة الأميركية في حي الشيراتون شرق العاصمة، وفي الأحياء المجاورة التي تؤدي إلى حي الحصبة معقل الشيخ صادق الأحمر. وبحسب ما علمه مواطنون فإن المسلحين قالوا إنهم يسعون لأخذ الثأر القبلي من أسرة الأحمر.

وشهدت العاصمة صنعاء مظاهرة حاشدة لأكثر من مليوني شخص احتشدوا في شارع الستين بغرب العاصمة صنعاء، تلبية لدعوة شباب الثورة للمشاركة في ما سميت «جمعة سلمية الثورة»، وكانت المفاجأة في مشاركة الشيخ صادق عبد الله الأحمر، زعيم قبيلة حاشد التي تخوض مواجهات عسكرية مسلحة مع قوات الرئيس علي عبد الله صالح في قلب العاصمة صنعاء منذ بضعة أيام، وتمكن الشيخ الأحمر من الوصول إلى ساحة التظاهر وأدى صلاة الجمعة مع المتظاهرين ومعه لفيف من مشايخ القبائل اليمنية.

وشيع المتظاهرون في صنعاء جثامين أكثر من 30 قتيلا من أنصار الأحمر الذين سقطوا في المواجهات المسلحة بين أنصار الأحمر وقوات الرئيس صالح، وهتف المتظاهرون بشعارات تطالب برحيل صالح وتعلن سلمية الثورة والرفض للحرب الأهلية التي قال المتظاهرون إن الرئيس صالح يحاول جر البلاد إليها، وخرجت مظاهرات حاشدة في قرابة 18 محافظة يمنية للتنديد بقصف قوات صالح لقصر الأحمر في صنعاء، واعتبار ذلك سعيا حثيثا لجر البلاد إلى أتون حرب داخلية أهلية من أجل القضاء على سلمية ثورة الشباب.

وشهدت العاصمة صنعاء، أمس، هدوءا حذرا في سياق المواجهات المسلحة بين مسلحي الشيخ صادق الأحمر والقوات الحكومية، وأرجع المراقبون توقف المواجهات إلى نجاح وساطة قبلية في فرض الهدنة التي تعتبر هشة وقابلة للانهيار في وقت قريب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مصالحة يفضي إلى وقف الحرب.

وبعد إعلانها الانسحاب من المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن التي رفض الرئيس صالح توقيعها، أعلنت قطر في وقت متأخر من مساء أول من أمس، تعليق العمل في سفارتها في صنعاء التي حاول متظاهرون مسلحون، الأيام الماضية، الوصول إليها قبل أن تصدهم قوات الأمن وهم على بعد خطوات معدودة.

ورحبت المعارضة اليمنية في تكتل اللقاء المشترك بالمواقف الدولية الضاغطة على صالح للتنحي، وبالموقف القطري. وقال محمد الصبري، الناطق الرسمي باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني المعارضة، إن الموقفين القطري والفرنسي ليسا بـ«الجديدين» كون الدوحة وباريس كانتا السباقتين منذ مارس (آذار) الماضي إلى الانحياز للشعب اليمني والوقوف مع مطالبه العادلة في الحرية والكرامة. واعتبر موقفيهما «نموذجا يجب على أشقاء وأصدقاء اليمن حول العالم الاحتذاء به، مطالبا دول المبادرة الخليجية والمساندين لها بتجاوز الوقوف في المنطقة العائمة من ثورة الشعب اليمني وما يرتكبه النظام من أعمال عنف وقتل وعدوان ضد رجال اليمن الأحرار وفي مقدمتهم الشيخ صادق الأحمر وإخوانه وكل أبناء اليمن الذين خرجوا منذ أربعة أشهر إلى ساحات التغيير وميادين الحرية والكرامة وأعلنوا ثورتهم على الظلم والطغيان والاستبداد».

وأضاف القيادي المعارض، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أنه «لمن المؤسف أن يطالب بعض الأشقاء والأصدقاء بوقف القتال بصنعاء متجاوزين بذلك الحقائق التي يعلمونها ويعلمها الرأي العام العالمي من خطايا صالح وتهديداته بسفك الدماء وانتهاك الأعراض التي لوح بها قبل الاعتداء على منزل الشيخ صادق الأحمر»، وعبر عن «أسفه الشديد لبعض المواقف الدبلوماسية وما تروج له بعض وسائل الإعلام بتصوير ما يجري في اليمن بالحرب الأهلية، بصورة تبعث على الاستفهام من هذا التوصيف الذي يتجاوز ثورة الشعب السلمية وما قدمه أبناء اليمن من تضحيات للحفاظ على الطابع السلمي لثورتهم».

وقال البيان إن «سوء النوايا أو حسنها، الذي يقف وراء مثل هذه التوصيفات، لا يعني أكثر من توفير غطاء ودعم لعنف علي صالح وعائلته ضد أبناء الشعب اليمني، وكيل بمعايير مختلفة تجاه ما يجري في العالم العربي، حيث يُظهر المتخندقين وراء مثل هذه المواقف ثوارا في ليبيا وسوريا ومأزومين ومتأزمين في اليمن»، مؤكدا على «حق أبناء الشعب اليمني في استخدام الثورة السلمية لإجبار صالح وعائلته على الرحيل من السلطة وحق كل يمني في أن يدافع عن بيته وكرامته حين تتجاوز هذه العائلة استخدام وتوظيف ما تبقى من أجهزة الدولة في تنفيذ هذه الممارسات الإجرامية».

ودعت المعارضة اليمنية الأمم المتحدة والمدعي العام بمحكمة الجنايات الدولية إلى «سرعة المباشرة في جمع المعلومات عن جرائم الحرب التي ارتكبها صالح وأقرباؤه ضد أبناء الشعب اليمني، واستخدامهم كل أدوات العقاب الجماعي ضد سكان العاصمة صنعاء هذا الأسبوع الذين تعرضوا للقصف المدفعي والصاروخي ومختلف أنواع الأسلحة مما أدى إلى قتل العشرات وجرح المئات من دون السماح بإسعافهم، وكذا منع نزوح المواطنين الذين يعيشون تحت القصف في أجواء من الرعب بعد أن قطعت عنهم خدمات الكهرباء والمياه والطرقات وكل أنواع الخدمات في ممارسات بشعة لم يقدم عليها أي نظام قمعي أو ديكتاتوري ضد شعبه عبر التاريخ المعاصر»، حسب تعبيرها.