مطالبات بتأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. والجدل يعود مرة أخرى حول «الدستور أولا»

الأحزاب الليبرالية تطرح فكرة التوافق حول «مبادئ فوق دستورية».. و«الإخوان» يعتبرونها مصادرة لرأي الشعب

مصرية في ميدان التحرير ترفع لافتة تؤكد على التضامن بين الجيش والشعب (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

شجع نجاح المظاهرة المليونية أمس في ميدان التحرير، والتي دعا لها شباب ثورة 25 يناير بمختلف تياراتهم السياسية، في غياب جماعة الإخوان المسلمين وعدد من القوى الإسلامية الأخرى، على بروز دعوات قوية ومبادرات سياسية على الساحة السياسية في مصر تدعو إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في نهاية العام الجاري، إلى موعد لاحق عندما تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد.

وبينما دعت بعض القوى السياسية منهم الدكتور محمد البرادعي، المرشح للرئاسة، وعدد من الفقهاء الدستوريين للشروع فورا في كتابة دستور جديد قبل إجراء أي انتخابات، عبر توافق مجتمعي شامل وليس عن طريق لجنة خاصة ينتخبها أعضاء مجلس الشعب كما ورد في الإعلان الدستوري، رافعين شعار «الدستور أولا»، طرح عدد من الأحزاب الليبرالية الجديدة فكرة وضع «مبادئ فوق دستورية» من خلال حوار مجتمعي شامل تسترشد بها لجنة صياغة الدستور الجديد، وذلك كحل وسطي ينهي الجدل حول هذه القضية.

لكن جماعة الإخوان المسلمين رفضت كل هذه الدعوات واعتبرتها انتقاصا من الإرادة الشعبية التي أقرت الإعلان الدستوري، ومحاولات للالتفاف على نتائج الاستفتاء.

وتنص المادة (60) من الإعلان الدستوري، الذي صدر نهاية مارس (آذار) الماضي وتضمن مواد معدلة من دستور 1971 وافق عليها 77.2% في استفتاء شعبي، على ما يلي: «يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال 6 أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض المشروع، خلال 15 يوما من إعداده على الشعب لاستفتائه في شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء».

لكن المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، دعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى ضرورة إدارة حوار مع كل القوى في المجتمع حاليا حول الدستور الجديد والقوانين المقترح تعديلها. وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن المجلس تجاوز نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة في الإعلان الدستوري الذي أقره فيما بعد، من خلال أمرين؛ الأول تعديله لمواد مستفتى عليها من ناحية بما يعد مخالفة لرأي الناس الذين صوتوا على نصوص بعينها وفوجئوا بتغييرها، والثاني إضافة مواد أخرى جديدة لم يستفت عليها وتضمينها في الإعلان الدستوري. وبالتالي «فالاستفتاء لم يعد هو المرجعية الآن، ولا يجب أن تكون نتائجه سيفا مسلطا على الرؤوس لكل الأطراف»، على حد قولها.

ومن جهته، اعتبر الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش، خلال مؤتمر الوفاق الوطني الذي عقد بداية شهر مايو (أيار) الجاري، أن مصر في حاجة لدستور جديد أولا قبل الانتخابات، وضرورة وجود فترة انتقالية تهدأ فيها الأوضاع، مؤكدا أن الاستفتاء كان على تعديل دستور سقط أصلا.

من جهتها، قررت الحملة الشعبية لدعم الدكتور محمد البرادعي مرشحا للرئاسة، التوقف عن الترويج له حتى تستقر الأوضاع وتستوضح الأمور، وقال أحد مسؤولي الحملة لـ«الشرق الأوسط»، إن البرادعي طلب من الحملة التوقف مؤقتا عن الدعاية له وتكثيف الحملة في المرحلة الحالية على الضغط من أجل وضع دستور جديد للبلاد وتأجيل الانتخابات البرلمانية.

وقد وجه البرادعي من خلال صفحته على موقع «تويتر» الاجتماعي رسالة إلى المجلس العسكري قال فيها: «في ضوء الفوضى والتشرذم حان وقت تصحيح المسار: دستور جديد يضيء الطريق ويحدد الثوابت، انتخابات برلمانية عندما يستوي الملعب، ثم انتخابات رئاسية».

وهو نفس الموقف الذي تبناه ائتلاف شباب ثورة 25 يناير، وطرحوا مبادرة على القوى السياسية تطالب بتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد فورا، ثم إجراء انتخابات رئاسية يعقبها انتخابات برلمانية.

لكن عددا من الأحزاب الليبرالية وأبرزها (حزب المصريين الأحرار، حزب الجبهة الديمقراطية، الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، حزب مصر الحرية)، اكتفت بالمطالبة بتأجيل الانتخابات البرلمانية لعدة أشهر، مع وضع مبادئ وخطوط عريضة يتوافق عليها المجتمع بشأن الدستور الجيد.

وقالت هذه الأحزاب في بيان مشترك: «في الظروف الأمنية والمجتمعية السائدة في مصر اليوم وبعد تكرر أحداث عنف طائفي وديني أثارت قلق المواطنين، نطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء بإعادة النظر في الجدول الزمني المقترح لإجراء الانتخابات البرلمانية باتجاه تأجيلها لبضعة أشهر إلى أن تتحسن الظروف وتستعيد كافة مؤسسات الدولة قدراتها الكاملة في إطار الالتزام الكامل بحقوق الإنسان». كما دعت إلى «إدارة حوار قومي حول مبادئ الدستور التي لها أن تضمن مدنية الدولة وديمقراطية بنائها ومساواتها بين كل المواطنين وعدم اختزال الديمقراطية إلى صندوق انتخاب».

وأوضح الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية، العضو المؤسس في حزب مصر الحرية، «أن أمام الأحزاب السياسية مهام وطنية كبرى تقتضي التنسيق فيما بينها على نحو يتخطى حواجز الآيديولوجيا، أولى هذه المهام التوافق حول موعد لإجراء الانتخابات البرلمانية يباعد بين مصر وبين خطر انتخابات دموية تعمق من الانفلات الأمني وتهدد التجربة الديمقراطية في المهد. كما ناشد الأحزاب الإسلامية كالحرية والعدالة وحزب الوسط، بأن تنفتح على الأحزاب الداعية للتأجيل في حوار ينطلق من مصلحة الوطن».

وبينما رفض فكرة الانقلاب على الإعلان الدستوري بكتابة الدستور أولا قبل الانتخابات، اقترح حمزاوي أن تبدأ الحكومة فورا في حوار لوضع مبادئ فوق دستورية على أن تكون إطارا موجها للجنة الدستورية التي سيشكلها البرلمان بعد انتخابه.

وهو نفس الرأي الذي تبناه الدكتور مصطفى النجار، أحد مؤسسي حزب العدل، الذي أكد أن الحزب يحترم رغبات الناس واختياراتهم كما أنه يتعامل مع الواقع الذي يؤكد صعوبة تطبيق فكرة «الدستور أولا»، في ظل عدم وجود توافق مجتمعي حول اللجنة التي ستصوغ هذا الدستور. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مبادرة التوافق المجتمعي حول وضع مواد إرشادية للجنة المؤسسة للدستور الجديد هو حل وسط يرضي جميع الأطراف».

لكن، في المقابل، اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين هذه الدعوات محاولات للالتفاف على نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة، ومصادرة حق اللجنة التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور الجديد قبل أن تتكون. واعتبرت الجماعة أن أيا من هذه المحاولات تعد خارج الإطار الذي حدده الإعلان الدستوري، وتعتبر «مرفوضة وأمرا منكرا وإجراء غير دستوري».

وقال صبحي صالح، القيادي في الجماعة عضو لجنة التعديلات الدستورية الأخيرة، لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا فرض وصاية على الشعب ومصادرة على اتجاهات الرأي العام». مؤكدا أن «التعديلات الدستورية أوجبت أن يتم تشكيل الدستور الجديد عبر جمعية تأسيسية منتخبة من جانب أعضاء مجلس الشعب الجديد الذي سوف ينتخبه الشعب».

وأضاف صالح «أن النص الدستوري أعطى 6 أشهر كاملة للجمعية التأسيسية المنتخبة لوضع الدستور الجديد، رغم أن هذه الجمعية التأسيسية تستطيع أن تنجزه في أقل من شهر، لكنه أعطاها كل هذه المدة من أجل إقامة جلسات استماع وحوار مجتمعي، وبالتالي لا داعي لمثل هذه الأمور»، مشيرا إلى أن «هذه المقترحات تتعلق بالمجموعة التي قالت (لا) للتعديلات الأخيرة»، وتساءل صالح: «هل مجموعة (لا) تريد أن تفرض رأيها على 77.2% من الشعب الذي قال (نعم)»، معتبرا أن ذلك «التفاف على إرادة الشعب والدستور، وفرض وصاية معينة من نوع معين على الرأي العام».