اليمن: تراجع التوتر في ظل هدنة هشة

الصوفي لـ «الشرق الأوسط»: المنشآت تحولت إلى غنائم.. والأحمر يدعو الحرس الجمهوري والأمن المركزي لدعم الثورة اليمنية

يمنيان من قبيلة الشيخ صادق الأحمر زعيم قبيلة حاشد في دورية أمنية بأحد الشوارع القريبة من منزله في صنعاء أمس (أ.ب)
TT

أدى وقف غير رسمي لإطلاق النار بين قوات الأمن التابعة للرئيس علي عبد الله صالح ومجموعة عشائرية، إلى توقف القتال أمس السبت بعد نحو أسبوع من الاشتباكات الدامية التي تركت اليمن على شفا حرب أهلية.

وأودى القتال خلال الأسبوع المنصرم بحياة نحو 115 شخصا، ودفع آلاف السكان إلى الفرار من صنعاء، وزاد من شبح الفوضى الذي قد يفيد جناح «القاعدة» في اليمن، حسبما أوردت وكالة «رويترز». وقالت مصادر عشائرية وسكان إن القتال لم يتجدد في حي الحصبة بشمال صنعاء الذي شهد الأسبوع الماضي اشتباكات ضارية للسيطرة على المباني الحكومية. وقال أحمد الصوفي، سكرتير الرئيس اليمني للشؤون الإعلامية، في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «الوساطة قائمة لكنها فشلت في جعل هذه المنشآت آمنة، لأن المنشآت تحولت إلى غنائم».

وكانت أحدث موجة من القتال الذي اندلع بين قوات الأمن التابعة لصالح وأعضاء من عشيرة حاشد التي يتزعمها صادق الأحمر، أكثر المواجهات دموية منذ اندلاع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في يناير (كانون الثاني)، وأطلق شرارتها رفض صالح التوقيع على اتفاق نقل السلطة. وقالت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات إن «ثمة حاجة فورية لوقف لإطلاق النار على نطاق واسع، ويجب أن يكون جزءا من خطة تؤدي إلى انتقال السلطة». وفي موضوع ذي علاقة، قالت المجموعة في تحذير من مخاطر الصراع أصدرته في وقت متأخر من مساء الجمعة إن أكثر الخطوات إلحاحا لمنع مزيد من التصعيد وإزهاق الأرواح هي أن يقبل الجانبان على الفور وقفا لإطلاق النار يتوسط فيه الساسة وشيوخ العشائر في اليمن. وأضافت أنه كان ينبغي أن تشارك الدول الأجنبية في الوساطة، لكن نظرا للطبيعة الشخصية والعشائرية الشديدة للعداء بين صالح وآل الأحمر فلا يمكن للوساطة أو المبادرات الدولية وحدها أن تعالجه بفاعلية. وليس للقوى العالمية تأثير يذكر في اليمن بينما الولاء العشائري هو أقوى العناصر في النسيج الاجتماعي المضطرب، ويندلع القتال بالفعل في ما يبدو على أسس عشائرية.

وقال رجال قبائل أمس الجمعة إنهم استولوا على مجمع عسكري من قوات خاصة موالية للرئيس على بعد 100 كيلومتر خارج صنعاء، مما وسع نطاق صراع كان حتى ذلك اليوم يتركز بشكل أساسي في العاصمة قرب منزل الأحمر. ويلقي القتال بظلاله أيضا على حركة احتجاج سلمية إلى حد بعيد بدأت قبل شهرين بهدف إنهاء حكم صالح المستمر منذ 33 عاما، واستلهمت انتفاضات أسقطت زعيمي مصر وتونس اللذين طال بقاؤهما في الحكم.

وجاء في تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات «شبان المدن وناشطو المجتمع المدني الذين بدأوا الحركة الاحتجاجية بصدد فقد أغلب مكاسبهم جراء هذا التحول في الأحداث». وأعرب الوسطاء عن سخطهم المتزايد على صالح قائلين إنه يفرض شروطا جديدة كل مرة للتوقيع على اتفاق يرعاه مجلس التعاون الخليجي، وكان أحدثها اشتراطه إقامة احتفال شعبي للتوقيع. وترددت أصوات إطلاق البنادق الآلية والانفجارات المتفرقة في المدينة قبل أن تخف حدة القتال بعد جهود للوساطة. وأخلى مقاتلو الأحمر مباني الوزارات الحكومية التي سيطروا عليها في مقابل وقف إطلاق النار وخروج القوات الحكومية من منطقتهم. وينطبق وقف إطلاق النار على منطقة تحيط بمجمع الأحمر في صنعاء المقسمة حاليا بين الجانبين. وهناك هدنة غير رسمية أيضا في منطقة بشمال شرق صنعاء، حيث قالت عشائر أمس إنها سيطرت على معسكر للجيش. وضربت الطائرات الحربية اليمنية هؤلاء المقاتلين العشائريين بالقنابل، واخترقت حاجز الصوت فوق صنعاء. وهناك مخاوف من أن يصبح اليمن الفقير - الذي يعيش نحو 40 في المائة من سكانه البالغ عددهم 23 مليون نسمة على أقل من دولارين في اليوم - دولة فاشلة، لا سيما أنه يطل على ممر ملاحي يمر منه ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا.

وفي الجنوب، قال سكان إن عشرات الرجال المسلحين الذين يعتقد أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة أحكموا سيطرتهم في ما يبدو على مدينة زنجبار بمحافظة أبين الملتهبة أمس، وذلك بعد يوم من اقتحام المدينة ومطاردة قوات الأمن. ويقول محللون إنه في ظل الصراع السياسي الحالي فمن المرجح أن تحظى «القاعدة في الجزيرة العرب» بحرية أكبر في شن تفجيرات كبرى تتمتع بخبرة فيها. وقال الباحث في الشأن اليمني غريغوري جونسون «بالنظر إلى مدى انشغال حكومة صالح في محاولتها التمسك بالسلطة يوجد أمام (القاعدة في جزيرة العرب) متسع كبير جدا للعمل في الوقت الحالي».

وفي موضوع ذي علاقة، دعا شيخ مشايخ قبيلة حاشد الشيخ صادق بن عبد الله بن حسين الأحمر، الحرس الجمهوري والأمن المركزي وبقية الوحدات العسكرية إلى الوقوف إلى جانب ثورة الشعب السلمية. وطالب الأحمر في رسالة نشرها موقع «الصحوة نت» التابع لحزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض، السبت، أفراد الحرس والأمن المركزي بأن يكونوا حراسا أمناء لما يطالب به الشعب اليمني من ضرورة التخلص من الاستبداد والتسلط، ورحيل هذا النظام ليكونوا من صناع التغيير الذي ينشده الشعب. وأضاف أن «الجيش في جميع وحداته هو جيش الشعب وليس ملكا لفرد أو أسرة، وإنني على يقين من أن إخواننا في الحرس الجمهوري والأمن المركزي الذين لا نكن لهم إلا كل التقدير والاحترام لن يضحوا بأنفسهم من أجل فرد واحد أو أسرة واحدة، ولن يقفوا أمام الخيار الذي اختاره شعبهم في التغيير وفي الحلم بمستقبل أفضل، فهم ليسوا أقل وطنية من أبناء هذا الشعب وليسوا بمعزل عما مارسه ويمارسه علي صالح وما تبقى من نظامه من تجهيل ومصادرة لحقوق هذا الشعب». وأكد الأحمر في الرسالة «ما زاد من عظمة هذه الثورة هو محافظتها على نهجها السلمي رغم ما لحق بالقائمين بها من الشباب المعتصمين سلميا من قتل وجرح، ورغم استمرار المحاولات من قبل من تبقى من النظام الفاسد لجر هذه الثورة إلى مربع العنف والاقتتال»، بحسب الموقع الإلكتروني. وواصل في رسالته «إن عدو هذا الشعب وخصمه الوحيد ليس الحرس الجمهوري ولا الأمن المركزي ولا أي وحدة من الوحدات العسكرية الأخرى، وإنما عدو هؤلاء جميعا هو علي صالح الذي جثم على صدر شعبنا كل هذه السنوات، وصادر أبسط حقوق المواطن اليمني لصالحه ولصالح أولاده وأسرته».

ومن جهة أخرى، هزت عدة انفجارات العاصمة اليمنية صنعاء في وقت مبكر صباح أمس، وسط معارك بين القبائل المعارضة للرئيس علي عبد الله صالح، والقوات الموالية له. وقالت التقارير إن خمسة انفجارات وقعت في منطقة الحصبة، بصنعاء، مقر الأحمر الذي تخوض قواته مواجهات مسلحة عنيفة مع قوات الرئيس صالح. يذكر أن المواجهات بين قوات الأمن اليمنية وأنصار الأحمر بدأت الاثنين الماضي لدى محاولة قوات الأمن اقتحام منزل الأحمر، الذي أعلن انضمامه للمعارضة التي تطالب بتنحي صالح. يذكر أن الرئيس صالح ينتمي إلى قبيلة حاشد. وقد لقى أكثر من 140 شخصا حتفهم وأصيب آلاف منذ بدء الاحتجاجات في اليمن التي تطالب بتنحي الرئيس صالح.